جريمـــــــة قتـــل

قصة قصيرة جداً

 

جريمـــــــة قتـــل

 

 

يحيى صاحب

 

 

مثلما أعجز عن إعادة سرد نكتة، لأنّني مُنكّت مُبتكر، مُعتَرَفٌ بي، أعجز، تماماً، عن إعادة رواية أيّة حكاية، على الرُغم من أنَّ، هناك، مَن يعتبرني مؤلف قصص مُجيد. ولأنّني لا أُريد، وأنا أعرف أبعاد إمكاناتي جيّداً، أن أُورّط نفسي، بين صديق، أو أكثر، من أصدقائي، كُنتُ أحكيها، أولاً،  وأنا مُطمئن، لنفسي. ولا سيّما تلك الحكايات، ألتي سيكون من المؤسف، بالنسبة إليّ، نسيانها. وطالما أنْ ليس من الصعب كتابتها، وهذه، قطعاً، تختلف كثيراً عن روايتها ؛ فسأكتبها استناداً إلى الطريقة، التي بها، كنتُ أرويها لنفسي.

 

في بيت ما، يقع في الزُّقاق الذي يقع فيه بيتنا، كانت، ثمّة، عائلة، ليست كبيرة جدّاً. ما مُهمٌّ جدّاً أنْ نعرفه ؛ أنّ إبنيها اللذينِ ليس بينهما فرْق في السنّ ، كانا ابنيْ جزّار.

 

ولقد كانا، معاً، في نظري، عندَما لا نضع سكاكين أبيهما، البرّاقة، الحادّة، في الإعتبار،  صديقين، دمثي الخُلق، ودودين. ومع ذلك، فلقد كانا، بين آونةٍ وأُخرى، يختلفان. وغالباً ما يكون سبب اختلافهما هو الوقوع غير المحسوب، في براثن لُغة، تكون أكثر حِدّةً من المتوقّع، وتحت منقارها غير الرحيم. أجل. إنّ اللغة بالنسبة لهذين الأخوين، أكثر وسائل التقاطع التباساً. يحدث، أحياناً، وهما، مع أبيهما، على صينية الغداء، أو، وهما يشربان الشاي، بعد العشاء.

 

وأحياناً، ولم تكُن هذه على مثلهما، بنادرة، عندَما ينهضان من الفراش، صباحاً، أو، عندما يأويان إليه، في ساعة مُتأخرة من ليل.

 

 شاعت خلافاتهما التي تندلع، على نحو مُفاجيء، في أغلب الأحيان، بين أصدقائهما، جميعاً. وجعلت تأخذ أشكالاً من الطِّرف، ليس قليلاً ما تتسع لها الأشداق، حتّى تستطيع سماع القهقهات، في غير مكان، من زقاقنا. كُنّا، نحنُ اصدقاءهما مُضطرّين إلى أن نفرّق بينهما، ليس عندما يشتبكان مُتضاربين بالأيدي، بل وعندما لا يقومان بذلك.

 

 بل وعندما لا يكونان حاضرين حتّى : ونُحار مَن منهما يمكن أن يكون هذا ؟ ويصرّ بعضنا ألاّ يكون ذاك إلاّ الأصغر.

 

لولا أن لا أحد يُعير عاماً لا يكاد يُستَشعَر، أن يكون فاصلاً، بينهما. ولا يراه الكثيرون منّا أكثر من مجرّد فارزة صغيرة، لا تُرى، وكأنّها غير موجودة، البتّة، إلى حدّ نعتبرهما توأمين.

 

في إحدى الظهاري الحارّة، وقد استرخينا بعد الغداء، استجابةً لقيلولة، تُحرّرنا من الكثير من الثِقل، الذي أجبرنا على الإنجذاب إليها مثل مغناطيس. ولم تكد عُيوننا تنطبق حتّى استفزّتنا ضجّة عالية. هرعنا إلى الزقاق.

 

وهناك، كان الأَخَوان مُشتبكين، في معركة ضارية، هذه المرّة.

 

ولقد أكّد ضراوتها ما كان يبرق بين أيديهما، ليكمد، ويبرق، مرّةً ثانية. ليحمرّ، وتصطبغ دشداشتاهما البيضاوان بلون أحمر قانٍ، وقبل أن يقرب أيٌّ منّا لفكّ اشتباكهما، سقط أحدهما على الأرض، فيما هرب الثاني، لمجرّد ما رأى أباه مٌقبلاً، وهو يحمل ساطوراً. ولم تستطع نقّالة المُستشفى، التي حضرت على الفور، يحملها مُمرضان، إلاّ أن تحمل أحدهما جثّةً هامدة. لم تكُن الخلافات التي كثيراً ما كانت تجري بينهما، على كثرتها، لتؤشر إلى أنّ حالهما تسير في هذا الإتجاه. أحزننا المشهد كثيراً.

 

غير أنّ أحزاننا الخاصّة، لها قِدرةُ جعلنا، بعد أيام، نُشيح بوجوهنا عن تلك، صوبها.

 

إلتفتَ إليّ صاحبي بعد طول تدقيق، في أعماقه، وكأنّه عاد بسؤاله، بعد صرفه وقتاً ليس بالقصير، من هناك :

 

لقد كرّر قابيل جريمته، مرّةً أُخرى.

 

فقلتُ له من غير أن ألتفت :

 

إنَّ هابيل، هو الذي فعلها، هذه المرّة.

 

{ من مجموعته القصصية السابعة : أوشكت الساعة أن تدقّ : صفراً. ( 2008 ـ 2009 ).

 

مشاركة