جب الأسئلة الموجعة – علي السوداني

مكاتيب عراقية

أغلب‭ ‬الظن‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الرياض‭ ‬ستبقى‭ ‬متمسكة‭ ‬بروايتها‭ ‬المعلنة‭ ‬الآن‭ ‬،‭ ‬حول‭ ‬قضية‭ ‬مقتل‭ ‬الصحفي‭ ‬السعودي‭ ‬جمال‭ ‬خاشقجي‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬مواصلة‭ ‬إدخال‭ ‬بعض‭ ‬الإضافات‭ ‬والمحسّنات‭ ‬عليها‭ ‬،‭ ‬وحسب‭ ‬ما‭ ‬يرشح‭ ‬تالياً‭ ‬من‭ ‬المطبخ‭ ‬التركي‭ ‬المهم‭ ‬،‭ ‬وما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬عالمي‭ ‬تكتيكي‭ ‬،‭ ‬ظاهره‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وباطنه‭ ‬حقوق‭ ‬الصفقة‭ ‬الدسمة‭ ‬التي‭ ‬تريدها‭ ‬أمريكا‭ ‬تحديداً‭ .‬

كشفت‭ ‬واقعة‭ ‬جمال‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬خطير‭ ‬تعيشه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬اليوم‭ ‬،‭ ‬تساوى‭ ‬فيه‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬أو‭ ‬يكاد‭ ‬الأمر‭ ‬يكون‭ ‬كذلك‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬إتضح‭ ‬بقوة‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬المشاركين‭ ‬بالنوح‭ ‬واللطم‭ ‬والدوران‭ ‬حول‭ ‬الجثة‭ ‬،‭ ‬إنما‭ ‬فعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬بقليل‭ ‬إنسانية‭ ‬وكثير‭ ‬توحش‭ ‬وطمع‭ ‬ونفاق‭ .‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬القصة‭ ‬سيعود‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬،‭ ‬وستبقى‭ ‬العلاقة‭ ‬الدسمة‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬واوربا‭ ‬وآخرين‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬قوية‭ ‬وقائمة‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬تغطيتها‭ ‬بهجمات‭ ‬إعلامية‭ ‬ودعائية‭ ‬رخيصة‭ ‬،‭ ‬وسيعود‭ ‬المشهد‭ ‬الصحفي‭ ‬المزدوج‭ ‬المرتزق‭ ‬إلى‭ ‬وضعه‭ ‬الفائت‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يتحول‭ ‬الى‭ ‬دكة‭ ‬مزاد‭ ‬تعرض‭ ‬عليها‭ ‬ضحية‭ ‬جديدة‭ ‬،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬ثانوية‭ ‬ولا‭ ‬صلة‭ ‬لها‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ .‬

خلال‭ ‬العشرين‭ ‬يوماً‭ ‬البائدات‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬تلك‭ ‬الرواية‭ ‬البوليسية‭ ‬المرعبة‭ ‬،‭ ‬تم‭ ‬تغطية‭ ‬موت‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬الأبرياء‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬وأفغانستان‭ ‬ونيجيريا‭ ‬والصومال‭ ‬وموج‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬وأمكنة‭ ‬اخرى‭ ‬،‭ ‬واختصرت‭ ‬الشاشات‭ ‬الملونة‭ ‬وصدور‭ ‬الجرائد‭ ‬وهاماتها‭ ‬،‭ ‬بنبأ‭ ‬وصورة‭ ‬الصحفي‭ ‬القتيل‭ ‬،‭ ‬وتطورت‭ ‬تقنية‭ ‬النفاق‭ ‬والكذب‭ ‬فأنتجت‭ ‬مثلاً‭ ‬حزن‭ ‬إيران‭ ‬وذيولها‭ ‬،‭ ‬وحضورهم‭ ‬الإعلامي‭ ‬الكثيف‭ ‬لمجلس‭ ‬عزاء‭ ‬الفقيد‭ ‬،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬يكرهون‭ ‬خاشقجي‭ ‬ويعتبرونه‭ ‬ارهابياً‭ ‬قاعدياً‭ ‬داعشياً‭ ‬وهابياً‭ ‬،‭ ‬لكنهم‭ ‬اليوم‭ ‬يستعملون‭ ‬دموع‭ ‬التمساح‭ ‬فقط‭ ‬بغضاً‭ ‬ونكاية‭ ‬بالسعودية‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬ورطة‭ ‬عظيمة‭ ‬غبية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مستعدة‭ ‬لها‭ ‬،‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الإعلام‭ ‬والدعاية‭ ‬المضادة‭ ‬التي‭ ‬أمطرت‭ ‬عليها‭ ‬بقوة‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬فضائية‭ ‬واحدة‭ ‬بقطر‭ ‬،‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬وأعظم‭ ‬إيذاء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الشاشات‭ ‬والجرائد‭ ‬السعودية‭ ‬الداخلية‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تمولها‭ ‬المملكة‭ ‬بسخاء‭ ‬مبين‭ . ‬من‭ ‬باب‭ ‬التذكير‭ ‬وربط‭ ‬أثاث‭ ‬المشهد‭ ‬كله‭ ‬،‭ ‬سنعيد‭ ‬كتابة‭ ‬ما‭ ‬ذكرناه‭ ‬الأسبوع‭ ‬الفائت‭ ‬بمكتوبنا‭ ‬على‭ ‬أخيرة‭ ‬جريدة‭ ‬الزمان‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬نبوءة‭ ‬متقدمة‭ ‬استعملتها‭ ‬المملكة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المطمسة‭ . ‬

كنا‭ ‬كتبنا‭ ‬‭:‬‭ ‬

‭”‬‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فسوف‭ ‬أكتب‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬سيناريو‭ ‬مشتق‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬هوليود‭ ‬المشهورة‭ ‬،‭ ‬قد‭ ‬تلجأ‭ ‬إليه‭ ‬المملكة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الورطة‭ ‬العظمى‭ ‬،‭ ‬إنْ‭ ‬صحّت‭ ‬وبانت‭ ‬الجريمة‭ ‬على‭ ‬المكشوف‭ . ‬ستقول‭ ‬السعودية‭ ‬إن‭ ‬الصحفي‭ ‬جمال‭ ‬قد‭ ‬زار‭ ‬قنصليتها‭ ‬في‭ ‬اسطنبول‭ ‬لترويج‭ ‬معاملة‭ ‬،‭ ‬حاله‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬كل‭ ‬مواطنيها‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ . ‬ببطن‭ ‬القنصلية‭ ‬حدث‭ ‬نقاشٌ‭ ‬سياسيٌّ‭ ‬حاد‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬بعض‭ ‬الموظفين‭ ‬،‭ ‬فتعالت‭ ‬الأصوات‭ ‬ووصل‭ ‬الأمر‭ ‬حد‭ ‬الشجار‭ ‬بالأيدي‭ ‬،‭ ‬فخرج‭ ‬القنصل‭ ‬من‭ ‬غرفته‭ ‬وجاء‭ ‬الى‭ ‬صالة‭ ‬الخدمات‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منه‭ ‬لفض‭ ‬الإشتباك‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬دعا‭ ‬خاشقجي‭ ‬ومجادليه‭ ‬الى‭ ‬غرفته‭ ‬،‭ ‬وهناك‭ ‬تجدد‭ ‬الحوار‭ ‬اللغوي‭ ‬العنيف‭ ‬،‭ ‬فحمل‭ ‬أحد‭ ‬الموظفين‭ ‬قطعة‭ ‬حادة‭ ‬من‭ ‬أثاث‭ ‬الغرفة‭ ‬وزرعها‭ ‬برأس‭ ‬الصحفي‭ ‬المغدور‭ ‬،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬نزيف‭ ‬حاد‭ ‬لم‭ ‬يمهله‭ ‬طويلاً‭ ‬،‭ ‬وعندما‭ ‬شعر‭ ‬القنصل‭ ‬وموظفوه‭ ‬بالورطة‭ ‬الكبرى‭ ‬،‭ ‬قرروا‭ ‬اخراج‭ ‬الجثة‭ ‬من‭ ‬المبنى‭ ‬سرّاً‭ ‬،‭ ‬ورميها‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الذي‭ ‬ابتلعها‭ ‬وصارت‭ ‬الآن‭ ‬طعاماً‭ ‬للتماسيح‭ ‬وأخواتها‭ ‬‭!!‬

بهذه‭ ‬القصة‭ ‬الرسمية‭ ‬السعودية‭ ‬لم‭ ‬يسدل‭ ‬الستار‭ ‬تماماً‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬ينفتح‭ ‬جبّ‭ ‬الأسئلة‭ ‬ويتواصل‭ ‬ولو‭ ‬الى‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬الأسئلة‭ ‬طابوقة‭ ‬أساس‭ ‬ستدقها‭ ‬أمريكا‭ ‬وبقايا‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬ودكاكين‭ ‬الماسونية‭ ‬الخفية‭ ‬،‭ ‬لبدء‭ ‬عملية‭ ‬فوضى‭ ‬يسمونها‭ ‬خلاقة‭ ‬،‭ ‬ستحرق‭ ‬المملكة‭ ‬وأخياتها‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬كله‭ ‬،‭ ‬وبها‭ ‬سيحترق‭ ‬الشرق‭ ‬كله‭ ‬وتنجو‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬فقط‭ ‬،‭ ‬هي‭ ‬اسرائيل‭ ‬وتركيا‭ ‬وايران‭ ‬‭!‬