ثلاثة لقاءات أغرب من الخيال – نصوص – عبدالرزاق عبد الواحد

ذكرياتي  49

ثلاثة لقاءات أغرب من الخيال – نصوص – عبدالرزاق عبد الواحد

كنا وفداً من وزارة الثقافة والأعلام  من العراق إلى فنلندة ..وكان سفيرنا هناك صالح مهدي عماش ، كان الوفد مؤلفاً من سامي مهدي ،  عبد الجبار البصري و محمد جميل شلش وعبد الرزاق عبد الوهاب ،

عند وصولنا استقبلنا أبو هدى رحمه الله ،  ورافقنا إلى الفندق وجلس معنا قليلاً .. وخلال وجوده معنا أخبرنا أن في فندقنا أجمل فتاة في فنلندة هي مديرة مطعم الفندق ،  ولكنه نبهّنا إلى أن هذه الفتاة حتى كيب كوتك ،  رئيس فنلندة لا يستطيع أن يمون عليها ! .

خرجنا من غرفتنا بعد أن أفرغنا ملابسنا في (كناتيرها) والتقينا في اللوبي .

حانت من البصري  ـ رحمه الله  ـ التفاته فرأى الفتاة المعنيّة متكّئة على الحائط .. كانت واضحة لأن الناظر لايستطيع أن يطيل النظر إليها لشدة جمالها !

(آنه رأساً كَلت : لازم أكَوم أحجي وياهه !… الجماعه كلهم نهوني ،  لكن ماكَدرت أقاوم .. جانت منتجية على الحائط ،  وحده من رجليهه ثانيتهه ومخليه قدمهه على الحايط ،  وكَفت كَبالهه ماأنتبهت ،  ولاحسّت بوجودي … آنه لغتي الأنكليزية جيدة … حجيت وياهه وهي مادايرتلي بال) … قلت لها :(قبل سنتين أخذت وسام العالم الذهبي في الشعر … لمدة سنتين تصورت أنه ما يوجد شيء في العالم إله جمال ولمعان ذاك الوسام إلى ان شفت شفايفج !… ذاك الوكَت باوعتلي .. كَالت : إنته منين ؟ … كَلتلهه من أنظف الرمال ،  وأنقى الرمال .. بعيداً في الشرق. كَالت انتظرني الليلة نسهر سوة بالنايت كلَب) !.

إجينه للغدة .. استقبلتنه ،  وكعدتنه على مائدة دون أن تعلّق بأي شي)

تغدّينه ،  ورحنه لغرفنه ارتاحينه ،  وطلعنة العصر كَعدنه باللوبي ).

كعادة كل العراقيين ،  شغلهم الوحيد بالسفر( يطلعون يتسوكَّون كَالوا يلله ابوخالد نطلع للسّوك … كَلتلهم آسف آنه ماإلي خلك أروح.. كَعدنه فترة.. كَالوا الدنيه ظلّمت متكَوللنه إنت شتنتظر ؟).

(بهل أثناء التفت لكَيتهه جايّه بملابس السهرة طالعه تبهر من جمالهه.. كَلتلهه حجي .. صير على صفحه خلّ يفوتون اللي منتظرهم ! . التفتوا كلهم شافوهه واكَفه على راسي ).

قالت : (يله نروح) . ( شالوي كَو؟) (كَالوا : وين ؟؟ كَتلهم للنايت كلَب . كَالوا : نجي وياكم . كَلتلهم مستحيل .. إذا تجون تكَعدون وحدكم ،  وأرجوكم ماتضايقونه )!

(بطلّوا من روحة السوكَك وإجوا للنادي الليلي ،  كَعدوا على صفحة)

انا أرقص بشكل جيد جداً .. تعلّمت الرقص في بغداد عند واحد كانت عنده مدرسة لتعليم الدانص .( كلما يبدإ العزف أحضنهه بس حضنه أعصرهه بيهه عصر .. وهيّة مثل الحمامة جنحاتهه واحد بيدي والثاني على كتفي) !.

(تعبنه من الرقص .. بقينه كَاعدين .. كلما تبدي الموسيقى من جديد يجي عبد الجبار البصري يطلبهه تركَص ويّاه تباوعني ،  أأشر الهه براسي : لا … تعتذر )!

ليالي نسهر بالنادي ،  (ماتخلّيني أدفع أي شي) .. قلت لها(شلون أنتي تدفعين عني مو آنه عازمج ؟ )..

كّالت آنه ماياخذون مني مو أنه اشتغل هنا) ! .)

(في آخر ليلة وإحنه نركص كَالتلي : إنته مو جنت معجب بشفايفي ؟.. حتى ماحاولت تبوسني … كَلتلهه خفت لا أخربط الأحمر مالهن .. كَالت لا … آنه كَاعدة أحط حمرة شفايف ثابتة)!

(طبعاً جماعتي بعد الليلة الأولى كَطعوا الأمل وماإجوا للنادي الليله لأن هم غالي ،  وهم حِركَان كَلب )!.

……………….

اللقاء الثاني

( جانت المّرة الأولى الأروح بيهه لباريس . كَبل سفري جنت في بيت الدكتورة شهرزاد قاسم حسن وهي صديقة حميمة .. لما عرفت أريد أسافر لباريس كَالت أريد أودي وياك شوية فلوس لأخوية محمد هناك وهسه يفرح بيك ويشوفك أحسن مناطق باريس) .

(وشفت محمد .. وانطيته الفلوس .. كَال شيعجبك اتشوف من باريس ؟… كَلتله اللي تختاره إنته . كَال اليوم أوديك لكنيسة نوتردام .. هاي أعظم كنيسة في باريس وأكيد قاري أو شايف فيلم أحدب نوتردام .. تمثّل بيهه .. كَلتله ممتاز ،  ورحنه لكنيسة نوتردام) .

(من جنّه نفتر بالكنيسة لاحظت عيون الموجودين كلهم تباوع باتجاه واحد .. التفتت شفت بنيه بحدود العشرين من عمرهه .. شعرهه مثل الذهب الخالص نازل إلى تحت ركبيتهه مثل الشلاّل ! تباوع على الأيقونات والرسوم اللي في أعلى الكنيسة وما دايرة بال للعيون كلهه) !

(وكَفت كَبالهه … مانزلت راسهه وباوعتني … ظلّت تباوع على اللوحات اللي بالكنيسة وآنه كأني ماموجود . كَلتلهه ـ طبعاً بالإنكليزي  ـ ( شال آي بريه إن نوتردام تو هاف ألوك فروم يو ؟؟) هل يجب أن أصلّي في نوتردام حتى تباوعيني ؟ كَالت : إنته معتاد تصلّي بنوتردام ؟ .. كَلتلهه : هاي أول مرة أجي هنا ).

(طبعاً محمد أخو الدكتورة شهرزاد من شافني وكَفت كَبالهه انهزم من الكنيسة وكَف برّه يم بابهه ).

(سألتهه : أنتي منين ؟ .. كَالت من وارشو .. طلعنه سوه شفنه محمد بالباب عرفتّهه عليه … كَلتلهه إنتي جاية لباريس كَبل ؟.. كَالت : لا .. كَتلهه ليش ماتبقين هنا فد أسبوع تشوفينهه ؟… كَالت : وين أبقه ؟؟ .. كَلتلهه وياي .. آنه نازل بأوتيل السوفيتال ،  وهو أفخم أوتيل في باريس … كَالت ميخالف .. يجي صديقي وأكَله لأن هوَّ جاي من وارشو .

وإجه صديقها بغل إسترالي ! … كَلتله آنه راح أبقى هنا أسبوع .. كَل لأهلي بعد أسبوع تجي .. كَعد على الكَاع  وكَام يبجي !.. كَال شيخلّصني منهم  ؟ .. يكَولون سويت بيهه شي وما إجت) .

(دخلت هيّه وياي بالغرفة .. هو كَعد على باب الغرفة يبجي !.كَالت آنه متأسفة .. إنته كاعد تشوف الوضع .. بلكي مناسبة آخرى نلتقي !!.. ضحكت .. كَلتلهه وين ؟؟! . وأخذهه صديقها ورجعوا لوارشو ).

……………………..

اللقاء الثالث

هذا أجمل اللقاءات وحضر جزءاً منه الصديق الشاعر حميد سعيد

.جاءتني  دعوة إلى مهرجان يوغسلافيا أيام كانت الصواريخ الأمريكيه موجهة إليهم .. وكان مهرجان شعري عالمي .. يبدو أننا كنا فيه دروع بشرية لمنع أمريكا من ضرب يوغسلافيا .

في المدينة اللي أقيم فيها المهرجان توجد مدرسه ثانوية دراستها كلها باللغة الإنكليزية .. (وبيهه شاعرة طلعت قرت شعر وثلاثة موسيقين يعزفون وياهه) .

ألقيت قصيدتي في المهرجان .. أذكر أحد الشعراء الأوربيين عندما وقف وراء المايكرفون قال (أنه أدري إحنه هنا إجينه حتى نصير دروع بشرية ليوغسلافيا .. بس جان لازم نجي وإذا  ماتوا اليوغسلافين نموت وياهم  )!

(وألقوا شعراء العالم كلهم .. وألقت هذي الشاعرة اللي بالثانوية،  واللي انتخبوها باسم شاعرة يوغسلافيا العظمى ! جنّه ـ شعراء العالم  ـ كاعدين بالقاعة ،  وآنه جنت بالصف الأول .. لمّا خلصت إلقاء قصيدتهه توجّهت إلي مادّه ايديهه والقصيدة فوكَهن ،  وركعت على ركبتيها ومدت لي يديها بالقصيدة قائلة : تقبلها مني ياسيدّي!).

(كَومتها من الكَاع ،  وبستها بخدها وكَعدتهه بجانبي ،  آنه فزت بالجائزة الأولى في المهرجان) .. كان هذا سنة 1999(حميد سعيد إجه ويانه بالمرة الثانية ،  وجان عاطف قعوار ويانه ايضاً كَلت لحميد هسّه أعرفك على صديقتي شاعرة يوغسلافيا العظمى … وعرفتهه عليهه )

(جانت بعد كل أمسيه توكَف تنتظرني نطلع سوه . أول مرّه طلعنه كَلتلهه : يوآرستيل يونكَك …. أنتي بعدج زغيرة) .. قالت بانفعال :

( آي آم سفنتين ) عمري 17 سنه

كَلتلهه : آي آم أفريد آي وِل كِسيو ( أني خايف لا أبوسج ) )

(كَالت : ( آي أم أفريد يوول نوت ) أني خايفه لاماتبوسني ! رأساً حضنتهه وبستهه بوسه عجيبه !)

(إجه أبوهه عليَّ ،  وجان شخصية محترمة في مدينته ،  كَال أرجوك .. لاتأخرهه بعد الساعة ثنتين بعد نص الليل . كَلت لا .. ساعه ثنتين أجيبهه للبيت )

(كنا ليلية نروح نكَعد على البحر .. أكو مقهى كراسيه كلهه فارغة ..)!

وانقطعت عن مهرجانات يوغسلافيا . في يوم من الأيام جاءتني مترجمة يوغسلافيه عندنا في وزارة الثقافة  وبيدها ديوان لهذه الشاعرة ـ للأسف لا أتذكر اسمها الأن ـ (كَالت قريت هذا الديوان ؟ .. كَلتلهه لا .. كَالت بي قصيدتين حب إلك يبجن) !

والآن تتذكر كل هذا ياعبـد الرزاق وأنت في الخامسة والثمانين !

……………….

في الإعادة إفادة

لأن الطفولة أكثر ماأُحب .. وأكثر مايجب أن تلتفت إليه ،  سأعيد شيئاً من حديثي عن أهمية الكتابة للطفل ،  وعدم تلويث براءته بأفكارنا السياسيه

كانت اختي بمدرسَة في متوسطة تقع في عكَد النصارى في بغداد .. وكنت أوصلها بسيارتي إلى المدرسة

كان الفصل شتاءً ،  واليوم يوم خميس .. وكانت طالبات المتوسطة مصطفات في ساحة المدرسة ،  وفي الشرفة فوقهنّ تقف رئيسة الإتحاد وهي تلقي عليهن كلمةً توجيهيه كان واضحاً أن الصبايا التي لم تكن أعمارهن تتجاوز الحادية عشرة والثانية عشرة ـ لم يكنّ يفهمن شيئاً من الكلام الذي  كان يسقط فوق  رؤوسهن من الأعلى !.. وكانت جميع المدرّسات والمديرة يقفن خلف رئيسة الأتحاد بإصغاء خاشع ،  ولكن بادي الوضوح أنهنَّ لم يكــــنّ يأبــــهن بكلمةٍ مماكان يقال !

أما الصغيرات ـ وقد وقفتُ بباب المدرسة أنظر اليهنّ ـ فكنّ يرفعن رجلاً وينزلن أخرى من البرد والضّجر وهنّ يرددّن( آوي … متنه من البرد شوكت تخلص وندخل للصف ؟)!

حادثة أخرى : أن معرضاً افتتح في معرض بغداد الدولي في المنصور ،  وكان صيفاً قائظاً شديد الحرارة . دخلت مع الناس لكي أرى .. وكانت هناك مفارقة مثيرة : أن سيارة مرسيدس أوقفت قرب قرب باب المعرض وبابها التي قرب الستيرن مفتوح ،  وهناك إعلان في المعرض عن مفاجأة

(من كان يتصوّر أن المفاجأة كانت أن ّ كلّ من يدخل في هذه المرسيدس ويدير سويجها تصير مالته وياخذهه ويطلع ) !!

(اللي يهمني من المعرض مو هذا .. بس بهذا الصيف القائظ كان هناك سرب من الأطفال لاتتجاوز أعمارهم الثانية والتاسعة،  يلبسون ملابس الكشافة ،  ويدورون في المعرض بقيادة معلمهم ،  وهم يرددون شعار الحزب بصوتٍ عالٍ .. وحدة . حرية .. اشتراكية.. ولفرط ماكان العرق يتصبب من وجوههم ،  والتعب بادياً عليهم كان جميع  الناظرين إليهم ينكسر خاطرهم عليهم حتى أني سمعت بأذني رجلاً يقول : (هسّه هذوله المساكين شنو ذنبهم بهلحـــــــر يسوون بيهم هيجي )؟ .

إذا كان هذا الإستياء كله من ناظر خارجي فكيف شعور هؤلاء الأطفال أنفسهم ؟؟ وكيف لايصبحون أعداء لهذا التوجيه ؟!

لهذا قلت لأخي سليمان العيسى : انك تذبح براءة الأطفال ياسليمان بهذه القصائد المشحونه بالتوجيه السياسي وتخلق منهم أعداءاً للحزب ..

وكان الرئيس أكثر المستوعبين لرأي هذا والراعين عليه ،  لهذا عندما شكوني إليه قال لهم : (عبد الرزاق على حق .. أتركوا الأطفال يشاهدون كل شيء ،  ولا تخّلون على عيونهم مثل صفاكَات خيل العرباين )!! .