نظريات في النقد
تيار اللاوعي وتقنية اللاشعوري بالأدب – نصوص – هشام آل مصطفى
جهود وأسسيرفض جاك ديريدا فكرة بناء نظام فلسفي ، إنما يعطي الأولوية للتجربة حيــــث يكتب بدافع المراجعة لمفهومه في الأثر Traceفحين يسأله المفكر فرانسوا أوالد عن مشروعه الفلسفي الخاص ينتفض ديريدا قائلاً :
في مدخل الى الهندسة ، وتكوين الموضوعات لفهم نموذجي للرياضيات حسب هوسرل ، بالإندماج بالجسد الروحي للمكتوب بواسطة الأثر .. وهو مدخل الــى الرياضيات ـ الهندسة أو الصوت أو الظاهرة ، موجهة حسب إشكالية الكتابة كما نظمتها في كتابي ، اصول الهندسة وعلم النحو .. تلك هي إنعطافتي] ــ يراجع كتاب مسارات فلسفية ترجمـــــة محمد ميلاد ، ط ، بيروت ، 2004 . تلك إذاً إنعطافة فكرية لديريدا أسست نظرية التفكيك في النقد ..إعتمادا على ذلك يمكن لإسماعيل ابراهيم عبد والدكتورجـبار حسين صبـــــري وخزعل الماجدي وجمعة عبد الله مطلكوهشام آل مصطفى ، يمكنهم التحــــدث عن إنعطافات فكرية في مشاريعهم الفكرية .. يمكن أن نؤشر مشروع الناقد اسماعيل ابراهيم عبد ،في تكوين نظرية جديدة في النقد (1) هي ( نظرية التحليل التركيبي المتعدد) إذ يحـلل النص بعـدة تصورات فكرية ومن زوايا عديدة ، كما فعل عبد الأعلى السبرزواري في تفسيره “مواهب الرحمن”(2) ، لغوياً وتأريخياً ومنطقياًوإجتماعياً وفقهياً وفلسفياًوإقتصــــــــادياًو …الخ … أو كما فعل هشام آل مصطفى بإعطاء نص واحد لعدة أشخــــــــاص ليحللونه أو يفسرونه ، أو ليعطَوْه تأويلاً ، كل حسب وجهة نظره لفحوى نظــرية التحليل التركيبي . غير أن إسماعيل ابراهيم عبد يقسّم ذاته الــــى عدة شخصيات ليحلل ويفسر ثم يؤول النص من جديد ، بنظرة تعاكس دريدا ، أو قد يناظــــــــره برؤية أخرى .. ذلك هو الفارق بينه وبين الآخرين من حيث الفهم النصي للمشهد الأدبي ، وهو بذلك كأنه يستثمر طريقة الشيخ رضا المظفرفــي الفقه المقارن . إضافة الى ذلك، يكتشف الناقد أسماعيل ابراهيم عبد ترددات اللـــــــــغة العربية هندسياًورياضياً من حيث البناء الشكلي والأساس المعرفي من ناحيتي النحــــو والقاموس ـ المرجع الأصلي ـإستناداً الى إمكانيات التعبيـر الفني ـاللغوي من تراكيب وجمل وتداول وتآويل وبعض فنون البلاغة،ليؤسس إنعطافته (التداولية الجديدة) التي تخصه، كحصيلة معرفية (يكتشفها) في الطاقة التعبيرية لّلـــــغة العربية ، ضمن إنشغالاته في مؤطرات النص بالمعنى الكامن فــــــي الإبـداع الفني .. الدكتور جبار حسين صبري، المشروع الفلسفي الكبير ، المُنُظِّر الـمـسـرحـي العراقي المجتهد ، يكتشف طاقة مذهلة في المسرح ، بنظرية جديدة ..
تقوم نظرية الدكتور جبارحسين صبري على دلالات فيزياوية وطـاقــــــــــات إنبعاثية وتراكيب جسدية روحية فسلجية تسبب الذهول المسرحي أعــــــلاه ..
نظرية الدكتور جبار حسين صبري(هذه)تشكل لوحدها إنعطافة كبيرة في الفكر العربي الحديث ، وتجديداً مؤثراً في الفكر الفلسفي المعاصر .. إنها تحديث مهم في الفكر الإنساني المعاصر ، خاصة فـــــي إستثماره لأقصى إمكانيات المبتكرات العلمية في صناعة مناهج فلسفية حديثة .
للشاعر خزعل الماجدي نظريته الشعرية في كتابه (العقل الشعري) التــي سبق بها غودمـــير وبول ريكور في التداولية الثانية وسبق بها اومبرتو إيكـو فــــــي التأويل المضاعف ، فقد أعطى خصوصية للشعر بمنحه إبعاداً جديده للشعـريـة والشاعرية وربط ـ العملية الإبداعية ـ بالعقل والعقلية المنهجية ـ المـــــادية ، تحت تأثيرات الشيوعية ، الأوربية والوجودية السارترية .. المفكر جمعة عبدالله مطلك يبقى مغرِّداً خارج سرب ـ الخراب،العراقي،الجميل. يعطينا تنظيراً إجتماعياً جديداً يحلل به المتغيرات العربية تأريخياًوإجتماعــــياً وإقتصادياً وفكرياً بطريف فكري مغاير لما سبقه من مفكرين وباحثين معـتـمداًإتجاهاً فكرياً يبتعد عن التنظير الفقهي ، والأدلجة المسبقة .. إنها نظريته (الشاملة)الخاصة التي تدرس الـعـلـل الإجتماعية بـمـنطـق أغـلـب المناهج الرصينة ، ويدرس الظواهر بحسب موضوعية المؤثراث، المنفــــردة والجماعية ، لاينحاز لظاهرة دون غيرها ، يدرسها كـــلاً حسب درجة تأثيرها ومدى إنعكاسها.ولعل جمعة عبد الله مطلك ـ في عمله ـ يتنافس مـــــع مدرسة هامبرس في جهده النظري الخاص بالفلسفة المنطقية الألمانية الحداثــــــــوية ، الشمولية . إن جهود (المطلك)النظرية المناظرة لجهود هامبرس في الفلسفة الكلية الجامعة والمعتمدة على أغلب النظريات الألمانية المعاصرة ، هـذه الـجـهـود تبيح لـــــي تسميتها بـ ” النظرية المعرفية الإجتماعية التحليلية الشمولية “.
لكاتب المقال هشام آل مصطفى جهدأ إضافياً ومكملاً لمسيرةالتنظير والـنـــــقد العراقيين .. عند كتابتي عن رواية (زائر الماء) لمنذر عبد الحر وضعتُ لهاعنــــــــواناً((تكنيك تيار الوعي يؤول الى إنشطار الذاكرة ))(3) إستثمرتُ تقنية تيــار اللاوعي ، الإيـــــــحاء اللاشعوري ، في تحليل وتفسير الرواية المذكــورة بإعتمادي علــــــى فهم منذر عبد الحر للحرب وربطها بالمخلص المـــــنقذ هروباً من تسلط ((المستبد)) الـــــــــذي كان لايؤمن به ، الى الخـــــــلاص الجديد الذي يرتبط به ذاتياً وعقلياً ، فكان إنشطار الذاكرة بين البعدين يتجلى في اللاوعي والإيحاء اللاشعوري لبطل روايـتـه عـنـدمـا قـــرر الإنـغـمـار بمياه الخلاص . أعدتُ صياغة جهدي التنظيري بنظرة تطبيقية لموقف الشاعر الـــــــروائي منذر الحر ، بإزاء اللغة والحياة . كتبتُ ـ على وفق نظريتي ـ عــن قصيدة (شُلَّتْ يدي)للشاعر وليد حسين ، ونشــرت الدراسة في جريدة الزمان (4) .أقمتُ بجهديالخاص بالتثبت بنظرية :
(التعادلية اللغوية) في مقالي عن قصيدة للشاعر زعيم نصّار (5) . ولقد أشار لدراساتي الناقد العربي محمد مرعي ، بما يشبه المجبر ،خاصةدراستي (إيحائية الشعر بينن الصوّف والتداول عـــــن تجربة الشاعــــــــــر وليد حسين ، الـمنـشــورة في كتاب ” قراءات لنصوص ” وصــــف الـنـاقـد محمد مرعي مقالتي تلك بالـقـــــول : فصل واع وعميق كتبه هشام آل مصطفى . وأكد (مرعي) كذلك عــــلــــــى متانة وعمق الإيحاء التصوّفي في العبارة الدلالية ـ الهائمة ـ، فــنــرى فــي الناقد بوحاً وإتقاناً فـي التعبير عـــــن البعد الصوفي وإيماءاتهوإيحاءاته في الـتداول والتناول .ووصف الناقد (مرعي) هشاماً بالناقد ذي المنحى المنهجي الحداثــوي (6) .
عودة الى بعض التفاصيل
حتى هذه المرحلة،صار من الواضح أن خصوصة الناقد اسماعيل ابراهيم عبد تتأتي من كونه عَبَرَ من مرحلة تعريف التحليل الركيبي ، الـذي هو إعطاء النص الى عدة قرّاء أو مشاهدين وأخذ رأيهم وتحليله،الى تركيـــب جديد لتحليل (الأدبية)في النقد ، فـلـقـد جعل الرؤى والتأويلات الـمتعـــددة تخص عمل وطاقة وتجـــــربةالكاتب الأدبية ، بمعزل عن تعدد القراءات ، إنما هي خاصية فردية للناقد حيـث ينظر الى المشهد المنصص من عدة زوايا ،نامية التواصل ،متعددة الفواعل،مختلفة الأبعاد ،في الدلالة والمعنى. حصل ذلك في جُلِّ كتبه ،مثاله، كتابــــه (الأدنى والإقصى ، طفولة وثقافة) عن التجربة الشعرية وخصوصيات الإشتغال للدكتور شاكر لعيبي ،فـــي قصائد مجموعته (الأدنى والأقصى ) (7) .وفي طاقات اللغة كتداول مُحَدَّث،كشف (ابراهيم) أبعادها الكامنة وسِيَرَها الشكلية وتغايراتها النوعية ، ضمن كتابه منشئيات مأوى القـــــــص (8) .
كذلك هناك تفاصيل مهمة تخص نظرية الدكتور جبار حسين صبري فــيإنبعاث الطاقة المسرحية فلسفياً وفكرياً ، وتفسيرها بأبعاد جديدة عَبْـــــــــرَإنبعاث ترددات فيزياوية ، كمية ونوعية ، وردت لها شروحات وافــــــــية ضمن مقال له في مجلة الخشبة ، عدد 2 في أيلول للعام 2014 . الشاعر خزعل الماجدي هو الآخر ، قد إجترع له مشروعاً شعرياً جـــاداً ومهماً بأبعاده المستقبلية من حيث التجديد والتفسير والرؤى وما ينتج عـن ذلك مــــن تجريبية نافعة ومنتجة تعين على الفهم والتنظير والمتعة الخلّاقة.
عـلى الرغم مـــن الواقع العملي المضطرب للظرف السياسي والإجـتـمـاعيوالإقتصادي، يصدم وعينا ، الكاتب جمعة عبد الله مطلك ، بنظريته فـــــي (التأريخانية الجديدة) ، في إجراءاته وتفسيره وتحليله للواقع العربي، بمتجه دراسي ذي طبيعة مركبة من البيئة والمجتمع والمعرفة،بلورها في فـكـــــره الشامل وتحققه الدقيق من فاعلية عناصرها ، يمكنني تسمية تعاليه علــــــــى الخراب الجميل هذا ـ الفكر السابق عليه ـ بنظرية التحليل الإجتماعيالمطلق الشامل . يمكن العودة الى مفهوم نظريتي /
( التعادلية في اللغة ، تكافؤ الدال والمدلول في التأويل المضاعف ) .
للتوضيح أقول : في المعادلات الكيمياوية يكون الـ PH7معادل وسط بـيــن القاعدية والحامضية ، وفي اللغة ، يكون التعادل التداولي عند المؤلف مـــع التأويل المفترض عند المتلقي ، بوسيط التكافؤ اللغوي للمؤلف ، فـي الــنص الإبداعي . هــذه الحصيلة وجدتها صفة عامة لدى معظم الشعراء الـشبــــاب والمتلقين لشعرهم ، كأن الشعــــراء والمتلقين شخص واحد له ذائقة واحدة ، وأُحيل سبب ذلك الى تلقيهم الشعر بمدرسة واحدة وظرف واحد ، ليـــــجيء تأثرهم بصورة واحدة متقاربة المدارك .
الهوامش ومصادرها
1ـ مؤلفات الناقد اسماعيل ابراهيم عبد / ـ القص الموجز ، الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 2011 ـ القصص نصيات تداولية مديات ثقافية / دار الزيدي للنشر والتوزيع والإعلان ، العـراق ،2011
2ـ عبد الأعلى البرزواري ، مواهب الرحمن في تفسير القرآن ، طباعة النجف ، العراق ، 1982
3ـ جريدة الزمان ، طبعة لندن ، العدد 20308 ، في 20/4/ 2007 .
4ـ جريةالزمان طبعة بغداد ، العدد 2678 في 24/4/2007
5ـ مجلة ثقافتنا ، العدد 2 ، بغداد ، 2006 .
6ـ جريدة الحقيقة ،العدد 157 ، في 15/8/2013، بغداد
7ـ اسماعيل ابراهيم عبد ، الأدنى والأقصى ـ طفولة وثقافة ، مديات ثقافية / دار الزيدي، العراق .
8ـ اسماعيل ابراهيم عبد ، منشئيات مأوى القص ، الشـــــؤون الثقافية العامة ، بغداد 2014.


















