تلك الكتب – نصوص – مشاريع قابلة للإستمرار

تلك الكتب – نصوص – مشاريع قابلة للإستمرار

من المشاريع المهمة التي لم تحقق الكثير من النجاح في البلدان العربية مشروع كتاب الجيب، الذي اقترن بتجارب سياسية معينة، وكان يحظى بتوقعات وآمال متفائلة عند الاعلان عنه وعند صدور اعداده الاولى.

وكتاب الجيب هو الكتاب الذي يستطيع القارئ حمله في جيبه، ويستطيع مواصلة قراءته في اي مكان يصلح لذلك، في المقهى، وفي القطار والسيارة، وخلال الاستراحة من العمل، او استعادة المقروء والمكتوب في ظرف معين، ومكان معين. وكنا عند ظهور النسخ الاولى من كتاب الجيب نستمع بشغف الى حكايات عن اشخاص اوربيين يزاولون القراءة في القطار، وفي محطاته وفي المقهى، حيث يستغلون اية فرصة لذلك، وكنا نتطلع الى تجارب وقراءات مماثلة في بلداننا العربية.

ولعل هذا التطلع كان من اسباب محاولة بناء تجارب وقراءات عربية مماثلة، كما وجدت الحكومات ذات التوجهات السياسية والايديولوجية في هذه التجارب ما يخدم توجهاتها واهدافها، فلجأت الى استنساخ مثل هذه التجارب وقامت دور نشر اخرى باستعادة هذه التجارب تقربا من حكومات ذات سياسات وايديولوجيات معينة. وكانت التجارب القرائية الاولى في الوطن العربي تحمل اسماء ذات طابع سياسي وايديولوجي ديني وغير ديني، اذ صدرت عن بعض بلدان الخليج العربي كتب جيب ذات نزعة دينية وسياسية، وماتزال تصدر عنها بعض كتب قريبة من كتاب الجيب، مثل الكتاب الذي يرافق صدور بعض المجلات وقد صدرت كتب جيب مستقلة في العراق وليبيا ومصر، تحت عناوين مختلفة، مثل كتاب الجماهير والمكتبة الشعبية وغيرها والموسوعة الصغيرة، والموسوعة الثقافية ومثل ان هذه الموسوعات مازالت مستمرة الا ان علاقتها بكتب الجيب لم تتجاوز حدود الشكل والعنوان، فيما بقيت موضوعاتها لا تختلف عن اي كتاب، او يفترض ان تقدم كتب الجيب موضوعات سهلة القراءة والاستيعاب، وذات استجابة لرغبات اوسع عدد من القراء، وان تكون في الوقت نفسه مشرفة، وبعيدة عن التعقيد، وان تجمع بين الصورة والشكل الجميل، وان تباع بارخص الاسعار، لانها مطروحة للتثقيف، وليست للارباح التجارية.

ان تعثر وتوقف اغلب تجارب كتاب الجيب يرجع الى غلاء اسعار الطبع والنشر والتوزيع، والى عدم توافر كتب ذات موضوعات ملائمة لذلك، والى ان هذه الكتب لا تجد من يدعمها، ويسهل عملية توزيعها كما هو حالها في المراحل السابقة، كما انها تخضع للملاحقة وعدم الاطمئنان في بعض الاقطار العربية لانها تخدم سياسات وايديولوجيات اقطار اخرى. ان كتب الجيب من التجارب القرائية المهمة، وهي ذات اهمية خاصة وكبيرة في هذا الظرف الذي اصبحت فيه القراءة مهددة بفعل الكتاب الالكتروني، وطغيان الاهتمامات الامنية والمعيشية على الاهتمامات الثقافية والقرائية، اذ يمكن للجهات الثقافية العربية ان تلتقي مع بعضها البعض لاحياء المشاريع التي مازالت قائمة من كتب الجيب، ومحاولة استعادة تجارب اخرى تمتلك بعض النجاح، وطرح مشاريع جديدة من كتب الجيب تحظى بتأييد اغلب الجهات الثقافية العربية. ويفترض بهذا التوجه ان يكون ثقافيا خالصا، وعلميا خالصا، وان يعزز قيم الحوار والخلاص، وان يبتعد عن التعصب والتشرذم، وإثارة الطائفية والشوفينية في العلاقة بين المثقفين العرب، وان يكون دافعا لتعزيز الوحدة الثقافية العربية، ودافعا لتعزيز الخصائص القومية العربية.

رزاق إبراهيم حسن