بغداد عاصمة الأمجاد – عبداللـه عبدالوهاب نعمان 

قصيدة من أواخر سبعينات القرن الماضي

 بغداد عاصمة الأمجاد – عبداللـه عبدالوهاب نعمان

أتيت وقد خلفت صحبي ورائيا

لألقى بكم صحبي وشعبي وآليا

عراقكمو روضي وحوضي فخبروا

يمانكمو أني أتيت عراقيا

ولم تستضف بغداد قلبي

لأنني نزلت بها سهلي وأهلي وداريا

ولم تؤني فيها غريبا وإنما

عراق اليمانيين لاقى يمانيا

أتيتك أرض الرافدين مجنحا

وقد كان أولى أن أحجك ماشيا

وجئتك من صنعاء من نبض قلبها

تحملني طيبا لقلبك غاليا

نفيسًا به تسعى إليك فرائدي

ملبية صدقا من القلب آتيا

عليها لك الحق الذي لو حسبته

لأتعب أرقامي وأعيى حسابيا

فإنك شاركت الحمية والفدا

ومثلك لم تشهد حميًا وفاديا

وقدكنت أحنى ما تكونين مهجة

عليها ولم يبرح فؤادك حانيا

وصنعاء صنعاء ما تزال وفية

بها من حميم الود للناس ما بيا

وما زال في عرنينها كبريائها

جديداً جديداً رائعا متعاليا

على وجهها خلفت قرة عينها فتىً

ليس أوفى منه حتى وفائيا

أراش جناحي بعد أن كان غيره

أغار على ريشي وعرّى جناحيا

وهبتُ لأرضي دون مَنٍ فتوتي

وأنفقت ريعاني لها وشبابيا

فجاءت به أرضي تريني وفاءها

وأحسنتِ الأيام فيه ثوابيا

إذا سرحت فوق الطروس بإسمه

بناني رأيت الزهر يكسو بنانيا

أيا وطنا فيه السموات جللت بآلاءها قيعانه والروابيا

أشم لتاريخي عبيرا بأرضه

يعطّر شعري فوقها وبيانيا

وأشهد أجدادي على رحباتها

وقد ألمعوا فيها السيوف المواضيا

وألمح أعناق الغزاة ذبيحة

معفرةً إثمًا بها ومخازيا

وبغداد فوق المجد فوق رواقه

تلاقي بنبل الماجدين لقائيا

لقد جئت من عرش القريض لكي أرى

بمفرقها تاج الرشيد وتاجيا

يجد على الأيام فيها تراثها

رواءً مثيرًا فاتنًا ومغانيا

وجدت بها هارون قد نص عرشه

على الشمس والتاريخ يطرق جاثيا

وحاضن قلبي الخالدين بساحها

ولاقى بها إسحاقها والنواسيا

فأسمعني إسحق في جنباتها

لحونا يشجّيني بها وأغانيا

وفيها نواس لم تجف كؤوسه

وما زال مسقيًا بهن وساقيا

غُسِلت بفيض النور تحت قبابها

وعانقتُ أقداسي بها وتراثيا

ولاقيت فيها الخالصين ولم أجد

غثاءً وأخلاطًا بها ومواليا

ولم أرى هولاكو وأيامه التي

لبسن من العار الدجى واللياليا

وجوه بنيها ضوءتني كأنها

وجوه نجوم قد مثلن أماميا

بهم تحتويني كبرياءٌ كبيرةكأنني

على الدنيا ملكتُ النواصيا

وهبت سواهم من قريضي خميلة

مددت بها نهري وأجريت مائيا

وفيها أذبت الفجر سحرًا وزخرفًا

وخلدت أشراقي بها ونهاريا

وأعطيتها الألوان والظل والندى

وسيرت برقي فوقها وسحابيا

فما أخصبت روح السحاب مناخه

ولا قدرت تضفي عليه مناخيا

ولم أرى في جنبيه منبت زهرة

ولم يلقَ غيمي فيه إلا الصحاريا

وكل رذاذي جف فوق جفافه

وكل إخضراري فوقه بات ذاويا

سكبت أغاريدي بأذنيه عذبة

فجهّمها حتى استحالت مراثيا

ولو كنت غدارا لما جاء فطنتي

ليغتال حِذْري غدرُه واحتراسيا

تبل أحاسيسي دموع ندامتي بأني به يوما عميت ستاريا

وقد كان يستحيي حيائي بمثله

ولكنني غافلت فيه حيائيا

ولو سألته النفس شيئا عذرته

وكان محقًا أن يذل سواليا

ولكنني أعطيته ملء عمره

نهارا فكان الليل منه جزائيا

إذا أوت الأحزان وجدتني

أرى الصمت دائي والعتاب دوائيا

وإن ضمدت فيّ الجراح ضمائد

بها نكهة للذل ظلت كما هيا

وزرت نفوسًا مقفلات كأنني

أويت سجونًا أو نزلت منافيا

أطلتُ رحيلي في الحياة وناسها

فأتعبتُ وجداني بها وخلاقيا

فما ليَ إن واجهت ليلاً دخلته

أخوض الدجى كي أستتيب الأفاعيا

وما لي إن لاقيت أرضا مناخها

قد إستنقعت أرخيت فيها مناخيا

متى تخرج الأيام تحت شموسها

نفوسًا كبارًا يتسعن عطائيا

فمن غير هاتيك النفوس يبزني ويدرك شأوي أو يشق غباريا

وغير بها ليل الفرات الذي يطاول طولي أو يطيق احتوائيا

يذر نداه المجد فوق جباههم

ويذري عليها من يديه الغواليا

إذا شئت أجزيهم ثناءً فإنني

سأسكب في قلب الصباح ثنائيا

وأفرغ في حمدي لهم رونق الضحى

وأغمس في تبر الشموس القوافيا

وأروي حروفي من شعاع نفوسهم

وأغسل أوراقي به ويراعيا

بشاشتهم ألفت سنيني كأنها

بصدر وليدٍ قد أناطت فواديا

وعسجدت أيامي ببغدان فرحة

ولألأت حسي عندها وخياليا

يرافقني حبي على جنباتها

ليلبسني ثوبا من البشر زاهيا

وما لي في عمري سوى الحب غيمة

تبل صباحي بالندى ومسائيا

وغير ملاك قد كساني جناحه

فوافيت آفاقي وجئت سمائيا

وألبسني ضوءً وشيا ورونقا

وقد كان وجداني من الضوء عاريا

تألمس في كفيه قلبي وأترفت برارته

عيشي وأرخت حياتيا

وكنت ترابي المنى قبل حبه

فعومني في النجم ينفي ترابيا

ومن لم يعش عمرا من الحب والهوى

فقد عاش صخري الجوانح صاديا

أعاصمة الأمجاد بغداد إنني

أتيت أُري عيني فيك مكانيا

خلقت إلى أحضان صنعاء مرة

وجئت إليك اليوم أخلق ثانيا

وقد عشت بغداد الحيمة واحة

خريطها حسي وإن كنت نائيا

فلست بها ضيفا يُلاقى وإنما

عراق اليمانيين لاقى يمانيا

مشاركة