كلام أبيض
الود قلبو بيوجعو – جليل وادي
لست عاتبا على المغني المصري بهاء سلطان صاحب أغنية (الود قلبو بيوجعو.. وعايز حد يدلعوا) التي كتب كلماتها نصر محروس ولحنها محمد رحيم ضمن البوم (كان زمان) الذي أصدره العام 2000، بل عتبي وعتبي الشديد على اذاعتنا الرسمية، اذاعة جمهورية العراق التي بثت هذه الأغنية ، بينما يصف القائمون على الاذاعة بأنها الأكثر عراقة ومسؤولية من غيرها ، فهي ثاني اذاعة عربية بعد اذاعة القاهرة ، اذ تأسست في العام 1936 وافتتحها الملك غازي وكانت تسمى حين انطلاقها باذاعة بغداد.
فالاعلاميون الذين يدعون قدمها ورصانتها، وانها من أبرز الاذاعات التي نشرت تقاليد العمل الاذاعي في الوطن العربي، أظن من غير اللائق بهم بث مثل هذه الأغاني الهابطة والبرامج غير النافعة والأقرب الى الثرثرة منها الى العمل الاعلامي الرصين. نعم ان العمل الاذاعي لم يعد يحتل صدارة الاستماع كما قبل عقود، اذ تراجع الاهتمام به لحساب التلفزيون وحاليا المواقع الالكترونية، ولكن هذا لا يعني التنصل عن الوظائف التي من أجلها استمر بث الاذاعة وما ينفق عليها من أموال، واشغال للملاكات الاعلامية ، بل ان المسؤولية الاجتماعية يجب أن تظل نصب الأعين، وفي مقدمة ذلك الارتقاء بذوق المستمعين، واكسابهم المعلومات الفنية التي من شأنها اثراء ثقافتهم، وعلى الاذاعيين ان لا يظنوا ان الجمهور ما عاد يعنيه ما تبثه الاذاعة، او انها خارج نطاق مراقبتهم، فيهيمن سلوك اللامبالاة على عملهم، بل هي رفيقتنا في السيارة على أقل تقدير.
ومع اشادتي البالغة ببعض البرامج التي تبثها الاذاعة، لكن أن تكون مكانا لبث الرديء من الأغاني وما يفسد ذوق جمهور المستمعين، فهذا غير مقبول اطلاقا، وليس من الصحيح أبدا أن يتميّع عموم العمل الاعلامي مع رغبات الشارع، وهذا ما يجري حاليا، نحن نتطلع الى الارتقاء بذوق الشارع الى ما هو جميل، وليس الانجراف مع بعض رغباته القبيحة.
واذا كان هذا ديدن الفضائيات والاذاعات الخاصة والحزبية في بلادنا ببث ما يروق لها، وما يراه بعض الطارئين على المهنة الاعلامية، فهذا لا يعني أن تحذو حذوها مؤسساتنا الاعلامية الرسمية كالوسائل التي تنضوي تحت شبكة الاعلام العراقي، فعليها المضي بعملها وفق السياقات الاعلامية الرصينة، وأن يؤمن القائمون عليها بأنهم مسؤولون عن تشكيل ثقافة مستنيرة وذوق فني عال للجمهور.
لا نختلف على ان ذائقة الجمهور تتغير، وان له حاجات فنية يجب اشباعها، ولكن لا يعني شيئا أن تشبع حاجة ذوق تافه او جمهور متخلف، بل ان المسؤولية تقتضي الاجابة عن سؤال كيف ارتقي بالذوق التافه الى المقبول ثم الى العالي، كيف نجعله يتذوق جمال الموسيقى والغناء، وكيف نجعل ذوقه قريبا من ذوق النخبة؟، وعلينا نبذ ظاهرة الذوق الهابط مع انها أصبحت ظاهرة عالمية في المجالين الفني والاعلامي، ولكن العمل الاعلامي في العديد من الدول لديه الكثير من البرامج التي تتصدى لهذه الظاهرة.
لا نريد لإذاعتنا الرسمية أن تتحول لممر متاح على مصراعيه للأغاني العربية والعراقية الهابطة التي تقود ذائقة جمهورنا الى الحضيض، ولا ينسى العاملون فيها انها اذاعة رسمية وليست خاصة، وان صفتها الرسمية تجعل المسؤولية الاجتماعية المعيار الأول والأخير في عملها، فالبث الانتقائي يعكس هذه المسؤولية، لذا يجب اختيار الرصين للبث سواء من الأغاني او البرامج الأخرى، وربما هناك من يسأل عن الذي ينتقي الأغاني الصالحة دون غيرها؟، والجواب: تشكيل لجنة من المعنيين بالموسيقى والغناء من المشهود لهم بالخبرة والتاريخ الفني لاختيار الأعمال الفنية الراقية، وبعكسه سيأتي اليوم الذي لا تبث فيه أغاني كوكب الشرق السيدة ام كلثوم، لأن ذائقة الجمهور لا تستسيغها، كما نلحظ ذلك عند بعض الشباب بضمنهم أبنائنا، مع ان ما قدمته السيدة هو قمة الذوق الفني العربي، فهل سيذهب ما أقوله كهواء في شبك؟، لا أدري.
jwhj1963@yahoo.com