النقد الأدبي العربي عاطل ولا يقرأه الناس – نصوص – رزاق ابراهيم حسن

الشاعر الدكتور عبد القادر جبار:

النقد الأدبي العربي عاطل ولا يقرأه الناس – نصوص –  رزاق ابراهيم حسن

مع اهتمامه بالحضور في الحركة الثقافية العراقية والعربية، كان الشاعر والناقد الدكتور عبد القادر جبار يواصل مسيرته الاكاديمية باختصاصات مختلفة ابرزها النقد الادبي، فقد بدأ هذه المسيرة بنيل شهادة الدبلوم في الاحصاء ثم درس اللغة العربية وحصل على الماجستير في رسالته عن البناء الفني في شعر سعدي يوسف وفي الدكتوراه عن ثلاثية الادب المؤلف القارئ كما درس العلوم السياسية وحصل على الماجستير فيها، وعمد الى تحرير بعض الصحف والمجلات وله من المؤلفات مجموعة شعرية بعنوان (فصول وعيون) و(الوقائع السرية لحرب معلنة) وهو كتاب مسلسل نشر في جريدة الجمهورية عام 1994، و(الاصابع تقاوم) صدر في بغداد 1996، و(العولمة وآفاقها) كتاب مسلسل نشر في جريدة الجمهورية 1999، و(طائر الوجد) كتاب نقدي صدر عام 2009، وغرب النص) كتاب نقدي صدر 2013، وديوان شعر صدر عام 2011 بعنوان (المدارج اسف مؤجل) وكتاب بعنوان (شرق النص) صدر عام 2013 وكتاب بعنوان (جماليات التوازي في النص القرآني) وصدر عام 2014، واكملت كتابا عن جماليات الخرف والممانعة في العقلية العربية) وسوف نبدأ من احدث اعماله ونشاطاته..

اذ يعد الشاعر والناقد الدكتور عبد القادر جبار من اكثر النقاد الباحثين اهتماما بشعرية النص ولهذا تجول بين عدد من الاقطار العربية والدول الاوربية في رحلة بحث عن اللعبة التي تحقق مفهوم الشعرية، فدرس التجربة المغربية والف كتابا عن القصيدة المعاصرة في المغرب، ودرس بعض النماذج من الشعر الاردني، مثلما درس الشعر العراقي المعاصر واصدر كتابا عن تجربة القصيدة في العراق، ومع طوافه الباحث عن لغة الشعر اصدر ديوانين شعريين اضافة الى دواوينه السابقة، كما درس تجربة التلقي في المانيا ودرسها باحثا عن الجماليات التي تجعل النص مرتبطا بقارئه والف في ذلك كتابا صدر في الشارقة عن جماليات التلقي في النص القرآني، ولتسليط الضوءعلى تجربته طرحنا عليه عددا من الاسئلة وبدأت بهذا السؤال:

{ ما الذي دفعك الى هذا الطواف وما الذي توصلت اليه؟

– الطواف بحثي وعلمي، حاولت من خلاله ان اطلع على تجارب العرب والعالم في الشعر والنقد، لان المثقف العراقي كان يعاني عزلة او قطيعة مع العالم، وكان محاصرا ومديات اطلاعه ليست واسعة، وقد كنا في التسعينات نتلقف الكتب الحديثة ونستنسخها للاطلاع على التجارب الحديثة والمعاصرة في الشعر والنقد، وكان علي ان اعوض الفجوة الزمنية التي احدثتها القطيعة لذلك استثمرت الوقت للتجوال والاطلاع والبحث والتأليف لكي يلحق القارئ العراقي بالجديد الذي انتجه الفكر الانساني وما ابدعه من نصوص شعرية.

{ وهل تصب مؤلفاتك النقدية في هذا الاتجاه فقط؟

– كلا، الثقافة في العراق طالما كانت رائدة في انتاج الجديد والمعاصر، ولكي اجسر هذه الثقافة مع ما حدث من تطور بعد مرحلة القطيعة، درست النقد العربي من خلال معظم الاتجاهات النقدية التي كتب فيها النقاد العرب دراساتهم بشأن الشعر، وكان المؤلف واسعا بجزءين الاول درست فيه النظرية النقدية الحديثة، والثاني درست فيه التطبيقات التي كتب في ضوئها النقد العربي دراساته والكتاب (اهرامات النقد)، وهو من المؤلفات التي لاقت رواجا في سوق الثقافة العراقية، كما اصدرت كتابا عن التجربة الشعرية في المغرب بعنوان (غرب النص) وعن التجربة الشعرية في العراق بعنوان (شرق النص قراءة في تضاريس القصيدة العراقية المعاصرة). وآخر المؤلفات (جماليات التوازي في النص القرآني).

{ هل يعني هذا انك من خلال المؤلف (الكتاب) الأخير قد انتقلت الى الدراسات الدينية، او الى الموضوعات الدينية؟

– لم اتحول الى هذا النمط من الدراسات، فهي ليست من اختصاصي ولكن كان علي ان اجيب على اسئلة العقل الغربي بشأن لغة القرآن الكريم، واسباب اعجازها، فهناك اسئلة كبيرة وخطرة عن المهتمين في الغرب بهذا الموضوع، ميها ما اسم لغة القرآن، وهل لغته نافذة، وكيف تستطيع مقاومة التطور وكيف تتلاءم مع الحياة؟ اسئلة من هذا النوع يطرحها العقل وهو يبحث عن التحليل والتعليل والمنطق في الاجابة، ليقتنع او يرفض، وبهذا حاولت في ذلك الكتاب ان اقدم قناعات بمنطق علمي يسهم بتعزيز التواصل والتفاعل بين ما نؤمن به والقناعات النمطية المتشكلة في العقل الغربي بشأن القرآن الكريم.

{ وهل كانت المناهج النقدية التي درستها مفيدة في ذلك؟

– نعم، لانني صححت من خلال الدراسات النقدية التي تعلمتها من النقد العربي القديم اخطر مفهوم او مصطلح تعامل معه الغرب بشأن دراسة الكتاب المقدس، وهو مصطلح (التوازي) اذ عرف العالم من خلال المرونة الغربية ان هذا المفهوم او المصطلح من نتاج العقل الغربي الذي درس الكتاب المقدس في ضوئه، والحقيقة ان المدونة العربية النقدية القديمة تؤكد ان مصطلح التوازي عربي وجرت دراسته بعمق، ابتداء من قدامة بن جعفر في القرن الرابع الهجري وحتى القرن العاشر الهجري على يد علماء توسعوا بهذا المصطلح واغنوه، وقد اثبت ذلك بالدليل القاطع، وعرفته تعريفا خاصا ينسجم مع التطورات المعاصرة ليضاف الى سلسلة تعريفات العلماء العرب القدماء.

{ لنعود الى النقد، هل كان مصطلح (شرق النص، غرب النص) نقديا ام تصنيفا، ام بحثيا؟

– انه مصطلح نقدي، فمن الطبيعي ان اتجاوز مرحلة التصنيف وانا اهم بتحليل القصائد ودراسة علاقاتها، فالنص عندي كائن حي، يتحرك وينمو ويتطور في سياق ثقافي له مميزاته وطابعه الخاص، والقصيدة المغربية نتاج سياق ثقافي وبيئة ثقافية خاصة، تعبر عن روح المغرب والتباس علاقتها بين الشرق واوربا، وهذا الالتباس احدث جدلية الانفصال والاتصال مع القصيدة العربية، لهذا حتى التقليد في القصيدة المغربية، له خصائص روح المغرب، والملاحظ ان اثر التطور الشعري العربي غالبا ما ينتهي هناك، لتبدأ حلقة جديدة في الشعر المغربي تحاول ان تستفيد من القصيدة المغربية وروح الحضارة والمدينة في اوربا من اجل انتاج نمط مغاير، ولكن هذه المحاولات كانت غالبا ما تصطدم بالابداع الجديد في الشرق لان الشرق ولاد للانماط الجديدة في الشعر بسبب العمق الفني والحضاري في مجال الابداع، فكان شرق هنا وغرب النص هناك.

{ كيف تنظر الى مهمة النقد في عالمنا الادبي المعاصر، وما اهميته للابداع؟

– اقول لك بكل صراحة، ان النقد العربي عاطل عن العمل فمعظم الكتابات النقدية هي عبارة عن رسائل اخوانية بين المبدع والناقد ان صحت تسميته، فاذا ما تفحصت الكتابات النقدية تجدها انطباعية شارحة ليس اكثر من ذلك، باستثناء بعض الكتابات، اما المنهج فمغيب تماما لذلك لم يضف النقد شيئا للابداع، بل اكل من جرفه واسهم احيانا بالتزييف التاريخي للقيمة الابداعية لبعض الاسماء حتى اصبحوا اسماء مهمة وليس لهم نصيب في الابداع، لذلك ينبغي تغيير كل شيء من اجل التفاعل بين المبدع والناقد بما يخدم العملية الابداعية.

{ انك تطرح قضية في غاية الخطورة، وعليك اثبات ذلك؟

– انا معك انها قضية في غاية الخطورة، وخطورتها تكمن ان النقد لا يقرأه الناس، والابداع اصبح في واد والقارئ في واد، ولم نعد نملك منه غير الشهادات التقديرية المجانية ودروع الابداع التي توهم حاملها بانه مبدع حقيقي، فاذا ما قرأت كتابي (اهرامات النقد) ستجد البساطة والتخلف الذي تعامل معه النقد العربي مع الابداع وقد اثبت ذلك بالشواهد وبالدليل القاطع، حتى ان بعض الاسماء البارزة (المشهورة) وليس المبدعة قد اتخذت مني موقفا سلبيا بسبب هذا الكتاب، لأنني اشرت بالأدلة تخلفهم النقدي.

{ هل هذا يشعرك بالعزلة النقدية؟

– كلا فهم يعرفون حجومهم، وبدأوا يعرفون اكثر بعد كتابي (اهرامات النقد) وانا ادرك تماما عمق مشروعي النقدي واهدافه ومهمة التغيير ليست سهلة ولا سالكة بالورد، انها جدلية صراع بين القديم والجديد بين الزيف والحقيقة، لذلك لا اشعر بعزلة حين يرفض ما اقول مزيف من المزيفين.

{ يكاد المصطلح الحديث يسيطر على كتاباتك ما السبب في ذلك؟

– هناك علاقة خاصة بين المبدع والناقد والمصطلح، فمن النقاد من يسيطر عليه المصطلح ويدخله في متاهة التعريف، ومنهم من يسيطر هو على المصطلح ويستعمله اداة لما ينتج، لهذا لم ادخل في متاهة التعريف لانني ادرك ان متاهة التعريف تعني ان العقل غير منتج، وهذا العقل لا يصلح للتعليل او التحليل ومعظم استعمالي للمصطلح يتم على اساس ما توصل اليه المنظرون والفلاسفة من معطى لاليات عمله، ولهذا لابد من اللجوء الى المعاصرة لكي تكون الاستعمالات المصطلحية اكثر شمولا.

{ ولماذا تعتقد ان التدقيق في المصطلح غير منتج؟

– التدقيق شيء والدخول في متاهته شيء آخر، لان قضية التعريفات مسألة حفظ لا اكثر، وللأسف هناك اطاريح لشهادة الدكتوراه، انجزت وهي تناقش مصطلحا او مفهوما، وهي مسألة في غاية التخلف، لان المصطلحات احيانا متاهات لا يمكن ضبطها بتعريف محدد، وهذه المسألة تجاوزها العقل الغربي منذ زمن طويل لان هناك من يقول انك يمكن ان تحفظ المصطلح والطالب في المرحلة الابتدائية يمكن ان يحفظه ايضا، وليس المهم ان تعرف المعنى او تحفظ التعريفات، المهم كيف تنتج اما نحن فمازلنا منشغلين بالتعريفات من دون ان ننتج، ومازلنا نستهلك ما ينتجه الآخرون وهي آفة ثقافية جاءت من النقاد الذي يسرقون الافكار من اللغات الاخرى وفي المغرب العربي خاصة.

{ ولكن معظم مؤلفاتك طبعت في دور نشر ومؤسسات عربية؟

– اعتقد ان الانتشار العربي مسألة ضرورية للمبدع العراقي، والحقيقة ان الذي ساعدني في رواج كتبي عربيا تلك الرؤى والافكار التي اعرضها فهي لا تهاجم احدا بطريقة مجانية ولا تبتعد عن العلمية وكتبي تخص مشروعي الادبي والفكري والثقافي والابداعي اذ فيها الشعر والنقد والفكر، ولكن هذا لا يعني عدم وجود مؤلفات طبعت في العراق، اذ نشرت كتابين في العراق مؤخرا من اصدارات دار الشؤون الثقافية في بغداد.

{ ما رسالة مؤلفاتك، وما الذي تريد تحقيقه؟

– الحقيقة ان علاقة الفكر بالمبدع علاقة عطاء وتضحية احيانا وكل من يقول لك ان العلاقة بيد الفكر والابداع علاقة منفعة لا يستطيع ان يحقق شيئا، وفي مؤلفاتي هناك ثلاثة اتجاهات الاول منها محاولة وضع اسس وقواعد للغة التي تنقل اليومي الى شعري وهي مسألة في غاية الصعوبة وهنا لا اقصد ما يكتب من شعر في المستقبل، بل البحث فيما كتب سابقا، وكيفية حدوث الانتقال من اليومي الى الشعري، ودور كل طرف من اطراف العملية الادبية في هذا التحول (المؤلف والقارئ) اما الاتجاه الثاني فيستند الى الكيفية التي اشتغل فيها الفكر العربي بشأن اللغة التي تجعل الاجناس الادبية والفن الادبي يحققان وجودهما والاتجاه الثالث في الدواوين التي انشرها وهل استطاع ما اكتب من شعر ان يحقق الاختلاف عن المألوف والسائر؟.

تواصل وانفصال

{ هل ترى ان جهدك النقدي يمثل تواصلا طبيعيا مع تاريخ النقد في العراق والدول العربية؟

– هناك تواصل وانفصال في الوقت نفسه، فمشروعي النقدي من حيث التواصل يقع في سلسلة النقد العربي الذي حاول قراءة الابداع من اتجاهات مختلفة ولكنه اي (مشروعي النقدي) يمثل حالة انفصال عن تاريخ النقد في طريقة معاينة النص الذي اقوم بتحليله فالتفكيك والقراءة اتجاهان لم يحاول النقد العربي تطبيق معطياتها على النص، كما انني لا احلل النص على الطريقة القافزة للنقد العربي، حيث يقوم فيها الناقد بانتقاء نصوص من هنا وهناك من اجل اثبات وجهة نظره النقدية، انا لا اعتمد الا على النص المتكامل المنسجم الواحد الذي يمكن له ان يجعل القراءة منسجمة، وهذه الطريقة فيها بعض التقاطع مع المؤلفات النقدية للنقاد العرب، ولذلك اعد ما اكتبه اضافة نوعية في تاريخ النقد العربي.

{ ما الذي تلاحظه من سلبيات في النقد وكيف تعمل على معالجتها؟

– القضايا التي اراها من وجهة نظري بوصفها سلبية، ربما تكون من وجهة نظر الآخر ايجابية، والعكس صحيح، لهذا حين كتبت مؤلفاتي في مجال النقد لم اعط قيمة لهذا النقد او الناقد بل عمدت الى مطابقة الادعاءات النقدية النظرية مع التطبيق على النصوص، وفي ضوء هذا الاقتران بين النظري والتطبيقي يتضح مدى مقدرة الناقد على تحليل النص وتعليل علاقاته، وللأسف كان معظم النقاد العرب يفترقون عن الجانب النظري الذي يدعوه في التطبيق على النصوص.

{ لقد قدمت في كتابك شرق النص شعراء من خلال نصوص منفردة، هل يعني ذلك ان هذه النصوص قابلة للاعمام على تجربة الشاعر الكلية؟

– هذا سؤال مهم، لقد قمت باختيار النصوص التي نشرها الشعراء في المجالات الادبية، وعملية النشر في المجالات الادبية تعني ان الشاعر اعتقد ان هذه النصوص تمثله ولهذا روجها من خلال الصحافة الادبية، في ضوء هذا ارى ان النتائج التي اتوصل اليها في دراستي لقصيدة من قصائد اي شاعر، يمكن ان تكون قابلة للأعمام على نصوصه الاخرى، والسبب في ذلك يعود الى انني ادرس اللغة التي تنقل النثري الى شعري وهذه المسألة هي ذاتها في كل نص من نصوص الشاعر، فاذا كان الشاعر متمكنا استطاع ان يحقق ذلك الانتقال، واذا لم يكن متمكنا فانه لا يحقق الانتقال وعلى هذا الطريق اكتشف بعض الاسماء الفضائية في الشعر، لان يعتقدون بانفسهم شعراء والحقيقة انهم لا علاقة لهم بالشعر.

{ يشاع عن دور النشر العربية انها تفرض شروطا على الكاتب عند ترويجها لمؤلفاته ونشرها، الامر الذي يحد من حريته هل حدث هذا معك؟

– لا لم يحدث ذلك ابدا ولا اسمح ان يفرض اي ناشر شروطه على ما اكتب، يمكن ان تكون هناك شروط بشأن الطباعة والتوزيع ولكن الافكار مسألة مختلفة وهي مقدسة عندي ولا اسمح لاحد ان يفرض شروطه على ما اكتب.

{ ماذا تقصد بالشعراء الفضائيين؟

– اقصد اولئك الذي ابتلي الوسط الادبي بهم، وهم لا علاقة لهم بالادب، واذا سألتني كيف تورط الوسط الادبي اقول لك ان صفحات التواصل الاجتماعي وفرت مجالا لنشر اي شيء تريد نشره، وحين يكتب اي واحد منا قصيدة او خاطرة او ما شابه ذلك بنشرها مع صورته في مواقع التواصل، في المقابل هناك من اصدقائه من يمدح ما كتب فيتصور كاتب تلك السطور انه قال ابداعا، وبعد ايام يتوهم انه صار مبدعا، ليأتي الى شارع المتنبي، شارع الثقافة العراقية ويطرح نفسه مبدعا.. وفي المساء ينحدر الى حانة اتحاد الادباء ليرسخ فكرة الابداع لديه وعلى هذه الشاكلة اصبح لدينا بعض الاسماء الفضائية التي تدعي الابداع وهي ليست لها علاقة بالابداع، والحال ينطبق على القصة والنقد والرواية وحتى الصحافة للأسف.

{ هل صحيح ان النقد في العراق لم يعد مؤثرا، وماذا عن مؤلفاتك؟

– ارى ان النقد نخبوي اكثر من اي شيء اخر، فالعلاقة بين الناقد والمبدع عندنا علاقة متوترة والسبب يعود الى ان المبدع يبحث عن قيمة نتاجه وليس عن الجماليات التي يحققها، وعلى هذا الطريق انساق بعض النقاد الى منطقة القيمة في النقد، وهذه المسألة اثرت من ثم على العلاقة بين القارئ العادي والناقد، لان القيمة قضية مكتشفة من القارئ وهي احساس وليست مسألة فكرية او نظرية فالقارئ ينتهي الى القول الفصل هل هذه القصيدة جميلة ام لا؟، وهو ليس بحاجة لمن يقول له هذه القصيدة جميلة ام غير جميلة، والنقد الباحث عن القيمة لا يحلل الاسباب التي جعلت هذه القصيدة جميلة او غير ذلك ولا يعلل ما يقوله. لذلك ابتعد القراء عن النقد، وهذه المسألة تنعكس على المؤلفات النقدية بالضرورة، لذلك ليس المهم ان تكون مشهورا في مجال النقد المهم ان تقدم دراسات تسهم بتطوير الابداع، وهذه الدراسات تخص المبدع لا غيره، اما الذوق الجمالي الذي تحاول الدراسات النقدية الارتقاء به فاعتقد ان المشاكل التي تمر بها البلاد تجعل من الذوق الجمالي آخر الاهتمامات في الثقافة، من هنا كان هذا التأثير منعكسا على رواج مؤلفاتي على الرغم من انتشار بعضها بين القراء بشكل رائع.

{ كيف تصنف الادب العراقي الآن، واين تضع نفسك في هذا التصنيف؟

– الادب العراقي كان ومايزال مركز الاشعاع في الادب العربي، والشعر العربي لا يذكر الا والعراق في المقدمة، والنقد العربي لا يذكر ايضا الا والعراق في المقدمة، ومع كل الملاحظات التي ندلي بها في هذه المناسبة او تلك يبقى الادب العربي من العراق مركزه.. اما بالنسبة لي فلا استطيع ان اضع لي موقعا معينا في تلك الخارطة الملتبسة والمعقدة، والامر يعود للمعنيين بشأن جودة الشعر او النقد، ولكن في كل الاحوال انا احاول ان اخترع لغة اخرى للشعر غير التي ورثناها، وفي النقد لدي من المشاريع ما يحاول ان يتجه الى قراءة الجمال في القصيدة، وكل ما افعله يبقى في طور المحاولة التي قد تصيب وقد تخيب لكنني اعمل جاهدا ان احقق شيئا يجعل الادب العراقي فخورا به لان الجمال والفن والابداع في تاريخ الانسانية بدأ من العراق.