الناس والأعوام‮ .. ‬شهادة إبداعية- نصوص – ‮ ‬جــودت هوشيار

حياة إيليا أهرنبورغ الصاخبة بين باريس وموسكو     (3-3)

الناس والأعوام .. شهادة إبداعية- نصوص –  جــودت هوشيار

” نص المحضر

  سيتحدث في الأجتماع كل  من سوفرونوف ، غريباتشيف ، سوروف ، كوجيفنيكوف ، والناقد يرميلوف .

  أناتولي سوفوروف : ” أقترح فصل الرفيق أهرنبورغ من اتحاد الكتاب السوفييت بسبب النزعة الكوسموبوليتية في نتاجاته . ” .

نيكولاي غريباتشيف : ” أيها الرفاق ، هنا ،  قيل الكثير عن اهرنبورغ ، ككاتب بارز ، خلال الحرب الوطنية ( يقصد الحرب العالمية الثانية ) وكتب مقالات مطلوبة وضرورية للجبهة الداخلية ولجبهات القتال .  ولكن في روايته ، المتعددة الأوجه ” العاصفة ” ، دفن ليس فقط البطل الرئيسي للرواية ، بل ايضاً  كل الأبطال الأيجابين الروس من شخوص الرواية.

الكاتب اعطى الأفضلية على نحو متعمد للفرنسي مادو . ويستنتج القاريء على نحو عفوي : دع الناس الروس يموتون ، والفرنسيون يستمتعون بالحياة.

انني أؤيد الرفيقين سوفوروف و يرميلوف ، ان المواطن اهرنبورغ الذي يحتقر كل ما هو روسي ، لا يمكن ان يكون له مكان في صفوف ” مهندسي الروح البشرية ”  هكذا علمنا معلمنا الحكيم جوزيف فيساريونوفيج ستالين .”.

 ميخائيل شولوخوف : ” اهرنبورغ – يهودي ! الشعب الروسي غريب عنه روحياً ، ولا يهمه اطلاقا ، هموم الشعب الروسي وتطلعاته . وهو لا يحب ولم يحب روسيا قط . الغرب الموبؤ ، الغارق في القيء ، أقرب اليه . انا اعتبر ان اهرنبورغ لا يستحق  المديح الذي اغدق عليه لمقالاته في زمن الحرب . الأدب الروسي المقاتل ، ليس بحاجة الى هذه الحشائش الضارة ، بالمعنى الحقيقي لهذه  لهذه الكلمة .”

 ايليا غريغوريفيج اهرنبورغ : ” أنتم للتو – بحدة وقحة ، لا  يقدر عليها ، سوى اناس حاسدون -حكمتم بالموت ليس على روايتي ” العاصفة ” فقط ، ولكن حاولتم أن تمرغوا بالوحل ، كل نتاجاتي الأبداعية دفعة واحدة..

 ذات مرة في سيفاستوبول جاءني ضابط روسي ، وقال لي لماذا اليهود هم هكذا أذكياء؟، على سبيل المثال كان ( ليفيتان ) قبل الحرب يرسم المناظر الطبيعية ، ويبيعها للمتاحف ولهواة الفن التشكيلي لقاء مبالغ كبيرة ، ولكنه في أيام الحرب بدلا من أن يلتحق بالجبهة ، عمل مذيعاً في اذاعة موسكو . وعلى خطى الضابط الشوفييني الجاهل يسير أكاديمي شبه جاهل ومتحذلق . ومما لا شك فيه أن أي قاريء ، له الحق أن يتقبل أو يرفض أي كتاب .اسمحوا لي أن أن اقدم تعليقات

بعض القراء على تلك الرواية . وأنا أتحدث عن ذلك ، ليس من أجل استمالتكم للعفو عني ، بل

من أجل أن اعلّمكم ، أن لا ترموا في وجوه الناس كومة اوساخ . اليكم مقتطف من رسالة المعلمة نيكولايفسكويا من فيرخويانسك البعيدة : ” قتل زوجي وثلاثة من أبنائي . خلال الحرب . بقيت وحيدة . يمكنكم ان تتخيلوا،  مدى عمق  حزني ؟ . لقد قرأت روايتكم ” العاصفة ”  . هذا الكتاب ، عزيزي ايليا غريغوريفيج ، ساعدني كثيرأً . صدقوني ،، فأنا لست في عمر يسمح لي أن اهدر  كلامي في المجاملات . شكرا لكم ، لأنكم تكتبون مثل هذه النتاجات الرائعة. ” وهذه سطور من رسالة الكساندر بوزدنيكوف  : ” أنا معوق من الدرجة الأولى . نجوت من حصار  مسقط رأسي ، مدينة سانت بطرسبورغ ، واصبت في الحرب عام 1944 . في المستشفي بتروا كلتا ساقي . امشي على ساقين اصطناعيين . في البداية كان ذلك صعباً ، ثم عدت الى مصنع كيروف ، الذي عملت فيه منذ يفاعتي . كنا نقرأ  روايتكم ” العاصفة ” بصوت عال في الأمسيات ، وخلال استراحة الغداء ، وفي فواصل التدخين . بعض الصفحات كنا نعيد قراءتها مرتين. ” العاصفة ”  رواية صادقة حقاً . في المصنع عمال قاتلوا ضد الفاشية في صفوف المقاومة الفرنسية الباسلة . لقد كتبتم ما كان يجري فعلا ، ومن اجل هذا ننحني لكم احتراماً . ” .

وهذه رسالة أخرى ، وهي الأكثر أهمية بالنسبة اليّ : ” عزيزي ايليا غريغوريفيج ! لقد قرأت للتو روايتكم الرائعة ” العاصفة ” . شكراً لكم. مع خالص الأحترام . ي .ستالين . “

 نهض جميع الحضور وقوفاً ودوّت عاصفة من التصفيق المتواصل .

 حصل اهرنبورغ على ارفع جائزة أدبية في الأتحاد السوفييتي وهي جائزة ستالين من الدرجة الأولى ثلاث مرات ، عن رواياته ( اليوم الثاني ) و ( سقوط باريس ) و ( العاصفة ) )

 ويمكن القول ان اهرنبورغ ، كان عبقري العنوان – ان جاز التعبير – والدليل على ذلك هو  روايته الشهيرة ” ذوبان الجليد ” . ليس العنوان هنا مجرد مصادفة موفقة ، بل يعبّر عن القدرة على رؤية الظواهر الجديدة في المجتمع ، والأحساس الآني السريع بالتغيرات التي تحدث فيه والتعبيرعنها قبل الآخرين .

لقد أصبح هذا الأسم عنواناّ لعصر بأكمله في التأريخ الروسي .ويقصد به فترة حكم نيكيتا خروشوف ، التي تميزت بحد معقول من الحرية الفكرية والسياسية ، ومن المؤسف ، ان انقلاب القصر على خروشوف في عام 1964 حول الجليد الذائب الى كتل صماء من جديد .

 الدفاتر الفرنسية

 كتاب اهرنبورغ الموسوم ” الدفاتر الفرنسية ” الصادر عام 1957  أثار اهتمام القراء وأصبح حدثاً مهماً في الحياة الثقافية في روسيا ، بمعلوماته الغزيرة الجديدة ، والذي تناول فيه الانطباعية في الفن التشكيلي ، وتحدث عن سيزان ورينوار ومانيه وبيكاسو…ودافع عن ابداع تشيلر وكونجالوفسكي وساريان…وترجم  مختارات من الشعر الفرنسي ، وأكٌد على ضرورة تنوع الاشكال في الفن .

أثارالكتاب ، رد فعل غاضب في القسم الأيديولوجي للحزب الشيوعي ، الذي أصدر قراراً يشجب فيه آراء الكاتب واعتبارها ” مضرة ايديولوجياً ” .وكان ذلك ايذاناً ببدء حملة  جديدة ضده ، شارك فيها نقاد يأتمرون بأوامر الحزب . ، ولكن بعض أصدقاء الكاتب في الغرب وبخاصة في فرنسا ، هبّ  للدفاع عن اهرنبورغ وكتابه ومنهم أراغون . واليوم لا أحد يتذكر النقد الموجه للكاتب ، في حين ان تحليله الذكي للفن الفرنسي ما يزال يحتفظ بكل قيمته .لم يكن هدف الكاتب التعريف بالثقافة الفرنسية فقط ، بل التعبير عن آرائه في الأدب والفن ، التي لا تتفق بأي حال من الأحوال مع ” الواقعية الأشتراكية ” التي تبدو غريبة وغير منطقية على الأطلاق : هل يمكن أن تكون هناك واقعية رأسمالية أو بورجوازية ، أو مسيحية ، أو أية واقعية أخرى ، لكي تكون هناك ” واقعية اشتراكية ” ؟ .

 كان اهرنبورغ الجسر الثقافي الذي كان يربط بين روسيا وفرنسا ، طوال خمسة عقود تقريباً (1908 – (1967  سواء بعلاقاته الواسعة مع الكتاب والشعراء والفنانين الفرنسيين ، أو بنتاجاته المتنوعة الأشكال ، التي كرسها للثقافة الفرنسية .

 الناس ، والأعوام ، والحياة

 رغم ان اهرنبورغ أخرج ما لا يقل عن مائة كتاب أدبي وفكري وسياسي ، الا أن عمله الأبداعي الأهم وأروع ما كتبه في حياته بشهادة النقاد ، هو مذكراته الموسومة ” الناس والأعوام والحياة ” ، وهي مذكرات بآلاف الصفحات كتبت بين عامي 1859 –  1967   وتتألف من ستة أجزاء ، ولم تصدر دفعة واحدة ، بل ان الكاتب كان يدفع جزءاً واحداً للنشر في كل عام ، غير أن الرقابة كانت تضع عراقيل كثيرة مع محاولة الكاتب نشر جزء جديد منها ، وتشترط عليه حذف هذا الفصل أو ذاك أو تعديل فقرات معيتة ، غير ان اهرنبورغ قاوم وعاند ، وكادت الضغوط  تصيبه بالأحباط ، لولا أرادته القوية ، ومن جهة أخرى ، فأنه كان يدرك ان الأصرارعلى موقفه ، يعني بكل بساطة منع نشر أهم نتاج له في روسيا ، لذا وافق على حذف ( أو بتعبير أدق تأجيل نشر بعض الفصول ) و لجأ الى تعديل أية فقرة تعترض عليها الرقابة ، ويعيد صياغتها على نحو جديد أجمل واحكم من الفقرة السابقة ، وتنطوي على المعنى نفسه تلميحاً أوبين السطور، بيد أن الرقباء الحزبيين بجهلهم المركب ، لم يكتشفوا الخدعة ، ومرت عليهم مرور الكرام . ومن الفصول المحذوفة ، الفصل المكرس لرجل الدولة البارز ” بوخارين “. كما أن فصولاً أخرى ارتأى عدم نشرها ، خلال حياته ، وذكر ذلك في مقدمة مذكراته قائلاً : ” ان بعض الفصول تتعلق بشخصيات لا زالت على قيد الحياة ولم تصبح جزءاً من التأريخ بعد .” ..

 كان من اليسير عليه نشر كتبه ومذكراته في الخارج ، كما فعل آخرون ولكنه لم ير ذلك امرا ًصائبا ً، لأن النشر داخل البلاد كان أمراً بالغ الأهمية بالنسبة اليه ،وان كانت كتبه تترجم الى اللغات الأجنبية فور صدورها في موسكو . فقد أراد بمذكراته ، التأثير في الوعي الجمعي الروسي ، والكشف عن حقائق مذهلة عن النظام الستاليني.

 مذكرات أهرنبورغ  تختلف من حيث المضمون والشكل والأسلوب عن تلك التي يكتبها المشاهير في خريف العمر . فقد فتح في هذه المذكرات امام القاري، المشهد الثقافي العالمي على مدى حوالي ستين عاماً  وعالماً بأكمله – عالم العباقرة والمبدعين في الأدب والفن والفكر والعلم  في النصف الأول من القرن العشرين ، بينهم من الفنانين  ( بيكاسو ، موديلياني ,ليجيه ) ومن الشعراء (ابولينير ، ايلوار ، نيرودا ،  باسترناك ، تسفيتايفا ) ومن الكتّاب ( موروا ، وجيد ، وهيمنغواي ) ، ومن العلماء ( اينشتاين وجوليو كيوري ) ، الذين عرفهم عن كثب ، وكانوا من أصدقائه المقربين .

 والأهم من ذلك أنه كشف النقاب لأول مرة عن حياة ونتاجات عدد من الكتاب والشعراء الروس الكبار ، وفي مقدمتهم (  بابل ، وزوشنكو ،  ماندلشتام ، كولتسوف  و المخرج المسرحي ايزنشتين وغيرهم) ، الذين أعدمهم ستالين بعد محاكمات صورية بتهم ملفقة .وبعد تصفيتهم سحبت كتبهم من المكتبات وتمّ منع تداولها وازيلت  اسمائهم ونتاجاتهم من المناهج الدراسية ومنع عرض المسرحيات التي اسهموا في كتابتها أو اخراجها .  كما كشف اهرنبورغ عن عدد آخر من المبدعين الروس ، الذين حجبت نتاجاتهم عن الجمهور العام بأوامر من الرقابة ، لأنهم حافظوا على استقلاليتهم ورفضوا أن يتحولوا الى ابواق للدعاية وأن يكتبوا وفق أيديولوجية الحزب. كل هؤلاء سواء المعدومين منهم أو الممنوعين من النشر ،  لم يكن الجيل الجديد من القراء الروس مطلعاًعلى نتاجاتهم ولم يسمع عنهم شيئاً ، الا عن طريق هذه المذكرات ،  وبعد مرور سنوات طويلة على رحيلهم عن الحياة  ، حين كشف اهرنبورغ النقاب عنهم بكل موضوعية وجرأة ، واطلع القراء للمرة ألأولى على  اسماءهم وسير حياتهم ، و جرى البحث عن كتب ودواوين الكتاب والشعراء الذين تحدث عنهم اهرنبورغ ، وتداول نتاجاتهم المستنسخة سراً ، بين المثقفين الروس . ويمكن القول بكل ثقة ان  ” الناس ، والأعوام ، والحياة ”  أصبحت التربة الفكرية ، التي انبثقت عنها حركة ( المنشقين ) الروس . كانت لمذكرات اهرنبورغ أصداء واسعة ، في داخل البلاد وخارجها وتلقفقتها الأيادي ونشرت عنها مئات المقالات النقدية ، معظمها تثمن عالياً بانوراما الحياة والثقافة التي رسمها اهرنبورغ وتشيد بشجاعته الأدبية .

غير ان البعض ممن في قلبوبهم مرض ، اخذوا يحرضون السلطة ضد الكاتب . ولكن مكانته العالمية منعت السلطات من حجب نتاجاته أو المساس به شخصياً ، وان كانت تضيق عليه الخناق بين آونة وأخرى . فالزمن تغير وتغير القادة أنفسهم الى حد كبير ، وأخذوا العبرة من الضجة التي اثيرت في العالم الغربي عام 1958 ? عندما اضطر باسترناك الى رفض جائزة نوبل ومنعت السلطات السوفيتية  نشر روايته ” دكتور زيفاكو ” داخل البلاد . ولم يتم نشر مذكرات اهرنبورغ كاملاً وبضمنها الأجزاء المحذوفة ، الا في عام 1990 .

 مؤتمر لينينغراد الأدبي :

 كان تأثير اهرنبورغ عظيما على المثقفين الروس . واتذكر – وكنت حينذاك طالباً في موسكو –المؤتمر الذي عقدته جمعية الكتاب الأوربيين ، حول قضايا الرواية المعاصرة في لينينغراد (بطرسبورغ حالياً) في الخامس من اغسطس عام 1963 وضم أشهر الروائيين الأوروبيين ، بينهم (جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار )  والقي فيه اهرنبورغ كلمة أثارت اعجاب كتاب أوربا ، وفي الوقت نفسه امتعاض السلطة وكتابها المشاركين في المؤتمر، مثل شولوخوف وسيمنوف وآخرين ، الذين لم يكونوا يتجاسرون على تجاوز الخطوط الحمراء لـ(الواقعية الأشتراكية ) أو ذكر اسماء الكتاب الغربيين الذين منعت السلطات دخول نتاجاتهم الى الأتحاد السوفييتي أو ترجمتها الى اللغة الروسية . قال اهرنبورغ في كلمته : كيف يمكن لمن لم يقرأ نتاجاً أن ينتقده ! ، وكان يقصد بذلك النقاد السوفيت ، الذين لم يقرأوا روايات كافكا واورويل وغيرهما ،ومع ذلك كانوا يتهجمون عليها وينعتونها بأسوأ الألفاظ المبتذلة . وبعد القاء اهرنبورغ لكلمته التف حوله الروائيون الأجانب المشاركين في المؤتمر ، وكذلك بعض الكتاب الروس الشباب ، وقدموا له التهنئة على كلمته المؤثرة . صورة اهرنبورغ محاطاً بعمالقة العصر ، ما تزال عالقة بذهني ، وأتذكر أيضاً كيف خرجت الصحف السوفيتية في اليوم التالي وهي تشن حملة هوجاء ،على الكاتب ، الذي نطق بالحقيقة ، متهمة اياه بمجاملة الغرب الأمبريالي وبالكوسموبوليتية ، وبأنه يحب فرنسا أكثر من وطنه ، لأنه عاش فيها نصف عمره وتشبع بالثقافة الغربية . وكانت تلك التهم متهافتة الى أبعد الحدود ، لأن احدا من كتاب القرن العشرين ، لم يظهر قبح الرأسمالية مثلما فعل اهرنبورغ ، ثم أنه قال لكتاب الغرب : أنتم كذلك لم تقرأوا الأدب السوفييتي الحقيقي ، فكيف يمكنكم الحكم عليه ؟ .

  أهرنبورغ : الكاتب الأممي

 كان اهرنبورغ كاتباً انسانياً واخلاقياً ، قل نظيره ، ويؤمن ايماناً عميقاً ،  ان الثقافة تقرّب بين الشعوب ، وكان يكره أي تعصب ، أوتمييز قومي ، أو ديني ، أو ثقافي ، ويرى ” ان مثل هذا التعصب كان وراء حروب كثيرة ، وأنه لا يوجد شر أسوأ من الحرب وويلاتها ، وان الناس في جميع انحاء العالم يمكن ان يفهموا بعضهم البعض ، حتى لو كان الطغاة يحاولون عزل شعوبهم عن العالم الخارجي .”  ويقول بهذا الصدد : ” الكتاب أيضاً يمكن يمكن أن يناضل من أجل السلام ، والسعادة ، والكاتب بوسعه أن ينحى مخطوطة كتابه جانباً ، كي يسافر ، ويتحدث ، ويقنع ، ويناقش ، وكأنه يواصل تأليف كتابه ، الذي لم ينته بعد من كتابته . الكاتب مسؤول عن حياة قراءة ، وعن حياة الناس ، الذين لن يقرأوا كتبه أبداً ، وعن كل  الكتب التي كتبت قبله ، وعن تلك التي لن تكتب أبداً . وحتى عندما ينسون اسمه تماماً.لقد قلت ما أفكر فيه عن واجب الكاتب والأنسان . أما الموت فأنه يجب أن يدخل الى الحياة على نحو جيد ، ويصبح تلك الصفحة الأخيرة التي يتعذب من اجلها الكاتب الى أن يتوقف قلبه عن النبض.   ينبغي أن نحب بعنفوان الشباب ، وأن ندافع عما هو عزيز علينا ، ونناضل ونعمل ونحيا ما دام القلب ما يزال ينبض .”. توفي اهرنبورغ في 31 آب – أغسطس عام  1967 عندما كان في حديقة منزله ، يسقي الورود ، التي كان يحبها ويعتني بها . وتقول ابنته الكاتبة والمترجمة ( ايرينا اهرنبورغ ) في مذكراتها ، أن قوة من المخابرات السوفيتية ، حضرت الى الدار ، فور تسرب خبر وفاته ، ونقلت جثمانه الى مكان مجهول ، وحين حاولت عائلته الأحتجاج على هذا التصرف الغريب ، قال أحد الضباط المكلفين بنقل الجثمان : ” ان اهرنبورغ ملك للدولة وليس لعائلته . ” وحاولت السلطة  عدم الأعلان عن يوم تشييعه ، غير أن الخبر سرى سريان النار في الهشيم ، وشيع الكاتب الكبير الى مثواه الأخير في مقبرة العظماء ( نوفو ديفيتشي ) أكثر من عشرين الفاً من المثقفين الروس، اضافة الى أفراد عائلته وأصدقائه .