المـهـمـش

المـهـمـش
عبد الله العامري
عرفته كالعلامة الفارقة. تهتدي إليه ومنه على كل شيء لأنه الثابت والكل يتغير. كم من العوائل هجرت ذلك الحي. وكم منها سكنته. وهو يركض في كل الأنحاء. يلبي جميع الطلبات دون أن يتذمر أو يظهر عليه الملل.
عبودي.. عبودي أرتفع صوت آسر من شرفات ذلك القصر المهيب. وسط زحمة البيوت الفارهة في حي الأثرياء المحاط بالمتنزهات وملاعب الأطفال. الشمس تعامدت في صيف تموزي يشوي الأبدان. جسمه يقطر ماء ويلمع تحت أشعة الشمس اللاهبة. يسير الهوينا متباطئاً. هو تعود ذلك. أجرد صلب بأكتاف عالية وفمٍ شبقي يختبئ تحت معطف الفقر فلا يلفت الأنظار بدشداشته التي تحتك بجسده المفتول والمنقوع تماماً فتحدث صوتاً وخشخشةً مقززة وينز الماء منها على أسفلت الطريق. يرفع قدماً ويضع الأخرى.
هفا قلبه لذلك الصوت وبدى مضطرباً. كثيرات هن اللواتي ينادين عليه فلماذا يضطرب ها لماذا؟
هو ألف ذلك تعود ومنذ زمان يوم أجلسته عسله بأحضانها وكان صغيراً داعبته شعر بالخوف وبدوار ملذ. كان هذا في قصر السيدة الكبيرة التي أنتشلته من الأزقة الموبوءة واستخدمته ليصبح هكذا يمارس كل الأعمال وخصوصاً مع النساء.
يقول أنا عبودي المقطوع من شجرة والشجرة مقطوعة هي الأخرى وبت بلا جذر معلق كبندول الساعة. أنا ليس لي في هذه الدنيا شيء لا أملك من حطامها. وجدت نفسي هكذا يوم كنت طفلاً صغيراً لا أدري كيف جئت إلى هذا العالم. صحيح أوتني البيوت الكبيرة في كواتها. ثقوبها وملاحقها. أطعمت. كسوت ولكن ليس لوجه الله أنما لقاء خدمة نعم لقاء خدمة جميعهم ينتظرون عبودي ذلك المهمش المقصي والمحتقر في عالم الرجال. هم يأخذون ثمرة عملي ويحولوني إلى قنطرة للعبور إلى ما يبتغون. ثم يلفظوني كقشرة أو كنواة تافهة.
عبودي .. عبودي وجدت الأسم ملصقاً بي دون الأخذ برأيي لم يخش أحد مني كما لم يعر أحد أي أهتمام بي. مهمشٌ مقصيٌ ومحتقرٌ كم كنت أتوق إلى الأختلاط بالناس بالمجتمع أي ناس وأي مجتمع ولكن لم يتسن لي ولو فرصة واحدة.
في هذه البيوت يلكزني هذا بكعب حذاءه ويمطرني ذاك بسيل من الشتائم. كلمات مقذعة ألفاظ شائنة غير مهذبة كأن يقول أحدهم يا ابن العاهرة. أيها النغل. يا لقيط المزابل الكثير الكثير من النعوت التي لا أجرأ على التفوه بها. أنا الذي حملوا ظهري كل هذه الصفات أرى نفسي أكثر تأدباً وأكثر نبلاً منهم أولئك أصحاب الياقات البيضاء والملابس الداخلية القذرة .
عبودي أمسح الحذاء. عبودي أغسل نظف ولما كبرت كبرت معي الأعمال وبين ساقٍ بض ونهدٍ نافر كنت أجد الألفة. النساء رحيمات تجدهن أكثر عطفاً وأكثر وضوحاً. أشعر بالسعادة حينما أمسك بخرطوم الماء وأبدأ بغسل السجاد أو مساعدة زينب الفتاة الرقيقة وعندما ينحسر فستانها عن نهدين نافرين مترجرجين لا يستوعبهما. يصرخان يضجان بالعافية والأمتلاء. يصيبني توترٌ شديد وأشعر بالنشوة. زينب طيبة جداً وكنت شغوفاً بها. وزينب بعد ذلك يخشاها زوجها السمج والذي أكرهه كثيراً. وعندما تصرخ به يرتجف مثل فأر حقير وأبتسم في سري شامتاً.
أنا طوع بنانها هذا صحيح وتستلطفني أيضاً وهذا جداًُ صحيح.
ذات يوم أغرقتها أنقعتها هكذا. هكذا. أصابني هوس. جنون. نهدان نافران وزوج حقير وأمرأة طيبة. فلماذا لا أبهجها لماذا؟
صرخت منتشية وأمالت بجسدها عليّ. عبودي أنقعتني يا عبودي. البيت واسع جداً. أثنان لا ثالث لهما تفاجأت حين قبلتها. أنا لا أدري من أين أتتني الشجاعة؟
ألأني ألفت ذلك؟
تعودت عليهن وبالترتيب … عسله. ساره. ناديه. زينب. وعرفت مفتاح السر. ولما أضطربت شعرت أن الأرض تميد بي. زينب هي بيتي. ثروتي. حلمي. صحيح أنا لم أتوان عن خدمة الأخريات. ولكن زينب شغلت كل حياتي. ويوم ذهبت شعرت بالأسى. الفراغ فأمتلأت عيناي بالدموع.
عبودي .. عبودي. الشمس ترش على كل شيء أشعتها. البيوت. الطرقات. الأشجار. الأنهار. فتتصاعد أبخرة خانقة. الواحد منا كأنه في فرن والصيف جاء مبكراً. وزينب ذهبت وأخذت معها حتى المأوى. ولكن هل لي من زينب؟ كثيرات هن كلهن يرغبن في المتع الصغيرة وعندما يمتلئن يرمن بي إلى الشارع دائماً أنا أعرف من تجاربي القديمة إلا زينب.
خرطوم الماء بيدي صوبته على الصدر ما بين النهدين النافرين تماماً. أنقعتهما شعرت بلذة مسكرة. بدأت أحرك الخرطوم. هكذا وهكذا من الأعلى إلى الأسفل. أنكمشا النهدان وتكورا أكثر فأكثر وألتصقَ الفستان مبرزاً إلية دائرية وفخذين في غاية التناسق لم أستطع حملها حاولت ولكن لم أفلح وأين لي القدرة من حمل جسد كهذا..
ماءت القطط مواءً متواصلاً ثم أنت أنيناً خافتاً يحمل في طياته سر الطبيعة المبهم وعندما لهثت أنا تباعدت جدران ذلك القبو واتسع العالم وصار جميلاً.
عبودي .. عبودي أطلت من الشرفة أومأت بيدها. القصر كبير جداً يلفه الهدوء إلا من كلب شرس. ترددت في البدء ولم أجازف. ثم قلت مهلاً يتعود عليك . العطر ينفذ إلى كل خلايا جسدي. اللطافة جعلتني أفقد التوازن. أغرق الماء واجهة القصر المرصوفة بالسيراميك. ولما سألتها نوع العمل قالت ألا تبدل زينب بـ ريا يا عبودي؟
عندها أرتفع لهب كاوي من جمجمتي. فرحت. خيل لي أن القطط تموء. تداخلت الصور. زينب. ساره. ناديه. وريا. عسله هي التي أغوتني صغيراً. أنا ذلك المقصي من يصدق؟
في الظل مكاني. الأقصاء حقيقتي.
أنا عبودي المهمش الممسوح من الحساب. أثأر لكرامتي. أنا لقيط المزابل. من نسل العواهر. نعوت ونعوت أثأر ممن يا ترى. جميعهم . جميعهم. أولئك الذين أسقطوني من الحساب. أرادوا مني التلاشي ولكن أليس قدح ماء تحمله كفي عمل مشرف؟
أليس تلميع آنية. ترتيب أزهار. غسل سجاده. هو عمل أستحق عليه الثناء؟
لماذا أذن؟
خرطوم الماء بيدي وريا أمامي أنقعتها ولم تعارض ضحكت من فرط سعادتها. ماءت القطط أنتظم المواء وكان القبو يتسع ويتسع وأحلق في جو أثيري ويشتد لهاثي وأغيب في حلم جميل.
/5/2012 Issue 4205 – Date 21 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4205 التاريخ 21»5»2012
AZP09

مشاركة