
المعادلة الدولية الجديدة – جاسم مراد
بعد مؤتمر هلسنكي في فنلندا بين ترامب وبوتين ، تغيرت المعادلة الدولية ، واصبح الاقرار وان لم يكن معلنا لكنه واضح ، بان العالم يعيش وفق قطبية ثنائية امريكا وروسيا ، إن لم تكن ثلاثية تضاف اليها الصين ، فالعالم الذي تحكمت به الولايات المتحدة الامريكية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، تحول الى عالم مكبل بالازمات والاختراقات والحروب والحصارات ، فالامم المتحدة التي تشكلت بعد انهيار عصبة الامم وانتهاء الحرب العالمية الثانية ، لم تعد لها قيمة وسطوة لقراراتها على المنظومة الدولية ، فكثيرا ماخرقت قراراتها الولايات المتحدة الامريكية ، وكثيرا ماحركت جيوشها واساطيلها واحتلت بلداناً بدواعي حقيقية أو مصنوعة بكذبات لتحقيق اهداف استعمارية ، وكذلك حلفاء امريكا ومن بينهم اسرائيل التي لم تلتزم ولا مرة واحدة بقرار دولي .
اجتماع هلسنكي هو اعتراف امريكي بشراكة روسيا في قيادة العالم ، وبغض النظر عن رفض بعض اعضاء الكونغرس لهذا الاعتراف ، فان الاحداث الدولية عموما سيما احداث الشرق الاوسط وكوريا والصراعات الاقتصادية اثبتت بدون روسيا الاتحادية ليس من الممكن معالجتها ، وكان اكثر القضايا الحاحا هو الارهاب الكوني في سوريا بدعم امريكي اوروبي وبعض المنظومات العربية ، حيث تمكنت روسيا والحلفاء الايرانيون وحزب الله والمقاومون من محاصرته وطرده تدريجيا من المناطق الاكثر حساسية خاصة مناطق الغوطة الشرقية والمناطق المحيطة بها وكذلك مخيم اليرموك ، مما غير المعادلة واجبر كل الاطراف للاعتراف ضمنا بالهزيمة .
إن هذه التحولات التي جعلت من سوريا الدولة ، محورية الاستقرار في الخارطة العالمية بحكم التأثير الروسي ، اجبرت واشنطن لايجاد صيغ التعاون والتنسيق مع روسيا على المستويين العسكري والسياسي ، يضاف الى ذلك تأثير روسيا والصين في المسألة الكورية الشمالية ، وما اضيف لهما من قوة وفعالية تجمع بريكس وشنغهاي من فعالية اقتصادية وجيوسياسية ، حيث اشار الى ذلك الرئيس الصيني عندما اكد إن التحالف الاستراتيجي الصيني الروسي يشكل اهم تحالف عالمي حيث تمتلك الصين اكبر نسبة سكانية في العالم واقتصاداً مزدهراً متنامياً وتمتلك روسيا اكبر مساحة جغرافية في كل العالم اضافة لتطورها العسكري والاقتصادي المؤثر .
اجتماع هيلسنكي ، لم يكن اختيارا مريحا للادارة الامريكية ، وإنما هو اختيار اجباري بحكم ماتمثله روسيا من قطب دولي يحترمه العالم وتثق به معظم شعوب الكرة الارضية ، ولقد كان لدورة الفيفا الرياضية لعام (2018) وحضرها حسب الاحصائيات العالمية اكثر من اربعة ملايين زائر، وكانت من افضل الالعاب الاولمبية العالمية على الاطلاق ، ولم يحث فيها شجار ينغص الانفس ، رغم كل محاولات الغرب وامريكا لتخريبها إلا انها نجحت نجاحا باعتراف المتابعين والمختصين وبحضور اكثر من (20) رئيس دولة ، هذا الامر يحسب لروسيا وقيادتها وتطورها الاقتصادي والمجتمعي والعسكري .
الكولونيالية الغربية الامريكية اصبحت مرصودة في تحركاتها ، ومحور المقاومة صار حارسا وشاهدا على اختلال موازين القوى ، وبالتالي فان المعادلة الدولية الجديدة ‘ هي ليست تلك التي غزا فيها الغرب دولا ومجتمعات واقتصاديات ، فالعالم في تغير مستمر ، وموازين القوى باتت تقف على جبهات متقابلة ، فلابد من التهدئة ، وتحديد المسارات وهذا مايحدث فعليا ، فلا امريكا والغرب واسرائيل والارهاب تستطيع ان تقرر الوضع في سوريا ومحيط منطقة الشرق الاوسط ، بل الاكثر تقريرا وتحديدا لمسافات التعاون هي روسيا وسوريا وايران وحزب الله وجبهة المقاومة بكل تفاصيلها ، وهذا التحول يضاف كقوة مؤثرة للقطبية الدولية الثانية التي يمثلها الاتحاد الروسي والصين وجبهة شنغهاي . لعل من المفيد التأكيد بان الرفض الذي مثله بعض شخصيات الحزب الجمهوري الامريكي ومعهما الحزب الديمقراطي للقاء بوتين ترامب ، لايغير من المعادلة الجديدة شيئا وإنما يضيف حتمية تطور المعادلة بين القطبين العالميين الروسي والامريكي ، ولعل من يخسر في هذه التغيرات العالمية هي الدول التي تسبح في المنطقة الرمادية ، ولم نر حتى الان دور روسيا في المنطقة العربية وامكانية التعاون والتنسق معها .


















