المتكهرب


المتكهرب
فاتح عبدالسلام
هناك مَن يقول بسهولة أن وجود وزير للكهرباء في الحكومة العراقية هو نكتة كبيرة مجلجلة القهقهات ، وثمّة مَن يزيد على ذلك بالقول أن قبول أي شخص بمنصب وزيرالكهرباء هو النكتة الأكبر.
هذه الأراء ليست من فراغ وليست تهكمية ضد شخص أو جهة ، هي توصيف دقيق للوضع. ذلك أن اصلاح قطاع الكهرباء هو أمر أكبر من أية حكومة مرت على العراق في خلال أكثر من عقد. تعيين وزير للكهرباء في الحكومات العاجزة عملية تهيئة كبش فداء حتى موعد تفاقم الأزمة عندما يأتي موسم الصيف وتراوح درجة الحرارة في العراق فوق الخمسين وتكاد الأمور تنفلت من عقالها.
إذن ما العمل ، هل من المعقول أن لا يكون في العراق وزير للكهرباء؟ الصحيح أن يتم النظر الى أن هناك وزارة للكهرباء تحت رعاية جماعية من مجلس الوزراء ،بحيث تكون هناك للحكومة مهمتان الاولى بسط الأمن والثانية الكهرباء. كيف يمكن أن يحدث ذلك وفاقد الشيء لا يعطيه.
الكهرباء هي مشكلة تراكمية من حيث ادارتها كأزمة كبرى. الأساس فيها أن أحداً لم يفكر ،لماذا لم تطالب الحكومات السابقة في بغداد، وهي جائفة من السوء كلها، الولايات المتحدة التي كانت تحتل البلد بأن تتولى اصلاح الكهرباء بوصفه عصب الحياة في العراق الخارج من الحصار والحروب قبل أن تخرج . لكن يبدو أنّ واشنطن كانت تدرك خطورة اللعب بالكهرباء فسحبت يدها من كل الاسلاك مع انسحابها عسكرياً.
هل الكهرباء ملف داخلي تستطيع التصرف به الحكومة كيف تشاء؟، ألم يكن هناك مليارات من الدولارات في الخزينة قبل الأزمة النفطية كانت تكفي لإعمار القطاع المدمر؟. هل يعقل أن تنجز الحكومة اعمار الكهرباء من الألف الى الياء ، وهي تستورد الكهرباء من ايران بالعملة الصعبة ، ولا أحد يفكر مجرد تفكير في إغضاب ايران. أسئلة مترابطة علينا أن لا نغفل عنها عند الحديث عن مصير الكهرباء ومصير البلد معها.
انقطاع الكهرباء وغليان الرؤوس من الحر القاتل والغضب المستعر في قلوب الناس، هي نتائج الفساد الذي نخر الدولة العراقية ويكاد يلغيها لصالح مشاريع الأفراد المحتمين بمشاريع الأحزاب الطائفية لتمرير مزيد من الصفقات المدرة للملايين في البنوك الأجنبية.
العراق غارق لا ينفع اصلاح الكهرباء في انقاذه. هناك مَن يقول أنّ هذا الكلام يأس وأن التفاؤل واجب. هل عاش العراقيون حالة يأس واحباط أكبر مما يعيشونها اليوم، وكيف يكون شكل اليأس ولونه وحجمه إذا كان حال العراقيين الآن ليس يأساً. هل ينفع تنفيس الغضب في التظاهرات تحت الشمس في اصلاح الحال؟
لو كان وزير الكهرباء من غير تلك الفئة التي تنفع في تنفيس الغضب هل كان بعض المحتجين ليخرجوا الى التظاهرات. أليس الوضع الأمني لنصف العراق منهارا ومنتهياً ، لماذا لم يخرج أحد ليحتج. أعرف ان الجنوب آمن ظاهرياً لكن قوافل الجنائز اليومية تدقق جرس الخطر باليوم مائة مرة، أليس العراق واحداً؟.. بل ما معنى أم يكون العراق موحداً اذا كان الجنوب لا يشعر بحرائق الشمال إلا عندما تلتهم شيئاً من ثوبه.؟
أزمة العراق أكبر من أزمة الكهرباء التي لم يعش مثلها بلد على وجه الأرض. أزمة الكهرباء ستزول لكن الأزمات الكبيرة التي صنعها سياسيون وعملاء أجهزة مخابرات اقليمية ستستمر وتولد الكوارث.
رئيس التحرير

لندن

مشاركة