فصل ثان
الله لايقتل يسوعاً
شوقي كريم حسن
-دائما / أجد نفسي لاترغب بالنظر اليه، ما ان اقترب منه حتى تأخذ بكل وجودي الذي بات اشبه بحطام بيوت الخراب ، رامية بي الى عمق ارتباكها وأحزانها، لم اعد احلم بتلك الوجوه التي كانت تحيط بهجتي وآمالي وتلقي بي اليها ، بحبور عشاق الزمن الذي كانني // لشدما تربكني الازمان التي عشتها، ابصرها من علو اندهاشي وخيبتي فأجد ان ثمة ما يجعلنا نشعل ارواحنا بقصص السعادات والحبور، قصص كنا نملأ شوارع الليل بامطارها التي ما كانت تقبل الصمت او الانتظار/، لقد حاولت مرارا اقناع انفاسي بأن تهدأ ، وخطاي بأن تستقر ، لكنها تتفق على ان تقوم بكل ما يمكن ان يخالف إرادتي ، // حين عدنا من اخر مراسيم تشييع الاوقات وجدتني غير انا، كنت اكره تلك المدينة التي نزعت ثيابها وغدت عارية مثل عجوز مجنونة، حين تجن المدن لايمكن ان تبقي على شيء غير خراب الارواح ونواحات النسوة اللواتي ادمن السواد والترقب \\يتحطم جبورتي وقوتي، لهذا اجدني مستسلما، طائعا، الوذ بصمتي الوقح ، والذي يتحول الى نباح مسعور// انا لا امثل دور الكلب .. بل اعشق تلك الكلاب التي تبوح بضجيجها وهي تسحل ليل وحشتنا وراءها ، لهذا تجدني احاول تقمص دورالكلب بوفاء واخلاص وامتنان // ماان الجأ الى وحدتي وانهزامي ، السؤال باذخ الفطرة، يصب جام غضبه فوق لمة الرأس، فاشعر بسعير الكرهيات تلفحني بسياط انانيتها وجنونها، أنبح فليس ثمة غير النباح يأوي أحلامي ، أنا كائن مجبول على النباح ، حين يشعر بالكراهيات تحاوطه، والجنون يلعق باطن قدمية ،يحاول الانفلات داخل صحارى نفسه الامارة بالاضطراب والفوضى، الم متعي الصغيرة التي تشبه حصى ملاعبنا الطفولية وابدأ برميها الى حيث استطيع ان اصل بهواي، اتكور عند حواف عبوديتي وأساوم مباصري على رؤية اشياء ما كنت ارغب برؤيتها ، قبل تهشمي الذي اعيشه، اغمضت عيني وحثثت خطاي على العبور، الى حيث كنت احاول الوصول جاهدا، لكن ثمة اياد خفية ، اياد اتعبتها الحكايات وألاعيب الاقول، اخذتني اليها، فجأة وجدتني اسيح داخل ذلك العالم الذي لم االفة من قبل، عالم اعرفه، واشعر معه بالطمأنينة والرضا، لكنه يبدو مثل علامات سود بعيدة ، تشير عليّ بالاقتراب، الايادي التي تحولت الى وجوه ، رفعتني الى علو، ثم مالبثت ان هبطت بي الى قعر عتمة، لاادري كيف ذكرتني بعتمة الغرف الحمر ، ومخاوفها، ثمة اشارات لا توحي بشيْ، وعلامات تؤكد مسارات المكان وغرابته، قال الواقف عند الباب نصف الموارب وهو يضحك ببلاهة رجل اجتاز المحنة للتو .
– ــــ ها انت تجيء؟
اغمضت عيني وفتحتهما على الاتساع الذي غدا بلون الدم، قال الرجل الذي اجتاز المحنة للتو .
ـــ انتظرناك طويلا ,,, لماذا تأخرت؟
لاادري بماذا اجيب ، فلقد عجزت ذاكرتي عن ملاحقة كل الازمنة التي عشتها، حاولت الوصول الى لب السؤال ، لكن الاجابات سحلتني مثل جرو تائه الى حيث تريد ، لاادري ماالذي حدث فعلا، ولا يمكن لااحد ان يعرف ماحدث، فلقد باتت الاشياء تحدث فجأة، وتاخذنا الى حيث لانريد فجاة، لتعلن انتماءنا الى الامكنة المعتمة الكثيرة الضجيج فجأة ، // منذ كانت المسافة مجرد لحظات ابتهاج/ كنت ارتمس بطين اوهامي/ ارسم كل ما يحــــلو لي من اشكال ارغب بوجودها قربي، اشياء صارت الان بعيدة المنال / .
هزني الرجل الساكن مثل جذع نخلة ميت .
ـــ مالك … لم انت صامت ؟
قلت بصوت خلته ات من خارج حنجرتي، صوت بارد مضطرب ، موشوم بعلامات من الخوف والحيرة والارتباك .
ـــــ لاادري…؟
تعالت الاكف بالتصفيق، والافواه بالضحكات ، والعيون بالقلق، والوجوه بالاكاذيب // عالم لامعنى له ، لانه يسكن مواطن اسرارنا المتفسخة، غير القادرة على لملمة بقايا حيواتنا//.
قال الذي اجتاز المحنة للتو.
ــــ لاتدري ماذا… كان عليك ان تعرف انك مهيأ للمجيء ؟!!.
ـــ كنت اعرف ولكن ليس بهذه الصورة…. لقد رسمت للمجيء فضاءات متعددة كنت امحوها دون شعور مني بالضياع، مسارات ، ومسارب ملونه لاني لااعرف غير الامال التي توصلني الى ما ارغب .. كنت احاول ان ادقق خطاي ، وان اجعلها اكثر اتزانا وحيطة، لكنني خسرت هدوء الاشياء التي كانت تحيط بيّ.. ومعها خسرت تلك الخطى التي تعلمت كيفية الاتزان والانتظار، والبوح لطرقاتها بعلامات الوجود.. اعترف لقد باغتني الامر… ووشمتني اللحظة باوشام اكرهها .، انا لااحب الوان العتمة الفاقعة التي تتيبس ما ان تضربها رياح الصراخ ، وتلحسها اتربة سيارات الاسعاف المارة بجنون شيطاني، ليس ثمة من خيار… ولحظة وجدتني ارتمي الى وجودي تطايرت كل تلك الامال التي ما لبثت ان تحولت الى مواويل حزينة وثغاب، وزيق تشق، واثداء تتدلى، وشعور تتناثر، و( احوه…. احوه … يازين الرجال… وصاحب الغيرة) تلك الارتجاجات المتلاحقة جعلتني لا افكر باحتراقات الروح، أنا الذي ما هجر التفكير لبرهة وقت، كانت افكاري تمثل وجودي العطر كله، الاحزان كلها، اقرفص عند اول ركن فارغ اجده يلوح ليّ، واظل امص ذلك الثدي الثلجي الذي ياخذني بهدوء ماكر الى حيث الاسئلة التي لاتعرف معاني الاجابات، السؤال وجود حاد، وجود يشبه وجود نخلة وحيدة باسقة وسط صحراء، فما الاجابات؟ . // يقول الذي علمني الخديعة والمكر،ــ ان الاجابات عجز… !!//
// وتقول التي لاتعرف معاني انوثتهاــــ الاجابات خجل الزمن وفوضاه //.
ويقول الذي يقف عند حافة العتمة ، وهو يلوح بسكين عبثه ـــ لا فائدة .. الاجابات صمت الغرابة ورضاها //.
تظل الافكار تحوس، ويظل الخدر الساحر يتلطلط بين ثنايا دورق روحي التي لاتريد ان تعي مهامها، اجدني الان محاصرا بكل تلك الخرافات التي كانتني، ابحث عن وجودي الأخر وجودي الحقيقي ، بين ركامات من الانقاض والأشلاء، واليافطات السود، وعربات ألاستهجان ، عند الجدار المقابل ، الجدار الذي كان يثير غضبي ، اجدني وقد تحولت الى ما يشبه اللعن، ثمة كلامات تؤكد ضياعي وسط لجج الغربة التي لا اريدها ، الى الأبد // يوم وضع عمي يافطة أبي على ذات الجدار، شعرت روحي اللينة الطينية، ان أبي ذهب الى حيث لا يريد ولايمكن له ان يعود البته، وحين وضعت يافطة عمي على ذات الجدار… شعرت بكراهية لا توصف لكل الجدران التي صارت تسجل ذاكرتنا وهي تبتسم بشماته، وفجأة اجدني الان وقد فاضت شطآن النعي لترمي بي الى حيث جرف لايمت ليّ بصلة، //. الوحدة، التحدي، الانهزام، الجنون ، لحظات الاشتهاء، حاولت استنهاضي، حاولت مساعدتي في ايجاد السؤال الذي تحول الى ما يشبه الخرق البالية التي لاحها دخان شواء الارواح، لكنني شعرت بالعجز. قال الرجل الذي اجتاز المحنة للتو ـــ تبدو وكأنك لاتعرف الامر؟
قلت ـــ بل لااعرفه تماما ؟
قال ، وهو يخفي فمه بين يديه ليحول صوته الى ما يشبه العاصفة .
ـــ كيف هذا .. وأنت الذي كنت تلاحق فوضانا وآمالنا معا.. كيف هذا وأنت من رسم لنا الطرقات ولونها بالفجيعة؟
صرخت ، ـــ لاادري.. لاادري؟
// لاادري هذه ….جعلتني اتلمس حواف الجدار الذي راح يلطم خديه وهو ينز بدم لا لون له، الجدران التي حاصرت وجودنا وتحولت الى رقيب يحدق بخطواتنا وزيعد انفاسنا ،ادمنت الدم حتى باتت لاتعرف الوانها،،، الجدران مصائب اعمارنا الضائعة بين موت مؤجل وانتظار محسوب الانفاس / تبتهج حين تلامس خشونتها يافطات النعي وتقهقة محاولة اثارة دهشتنا لكننا ما نلبث ان نغادرها تاركين حسدها يصب جام غضبة فوق مساحات السواد التي تلوثت بالاكاذيب، تظل ساهرة من اجل ان تبشر بالرحيل دون ان تميز او تحنج اوحتى ترفض / الجدران وحدها من يجب ان نلوذ اليها لنعرف سر كل تلك الايام التي باتت دونما ملامح واضحه/ حين يغدو ثمة ملمح ليوم نشعره آمنا ، وتنفجر حناجرنا بضحكات مجلجلة، نرتمي الى بحور من القلق، وتهمس ارواحنا ـــــ ربنا اجعلها ضحكات خير؟
وكأن الرب يرفض ان نضحك/ الرب لايريد منا سوى ان نؤدي دور الضحية الخاسرة ابدا ، مثل معسكرات التدريب القديمة رحنا نستعد ونستريح من اجل ان نتعلم كيفيات استحداث الموت واستقدامه، نبهرج ذواتنا لانها لاتعرف اللحظة التي تمحو ارثها لتتحول الى مجرد شيء تاسود عند جدار يعرفنا جميعا / اشعر ان للجدران احتفالات سرية تعد من خلالها تلك النسيانات التي تذروها الرياح بعد يومين او اكثر بقليل، / حين مرت خطاي عند ذاك الصديق الاليف ، التفتت رقبتي، فوجدتني الوح مستنجدا، باحثا عن خلاص اعرف انه لايجيء ابدا، تدقعني خطاي بعيدان لكني اتشبث بوجودي، اتشبث باحلامي التي راحت تلوم ايامي وانهدار اتها عند ضفاف الغرابة والجنون/ يقول الذي اجتاز المحنة للتو ـــــ مالك لاتفكر بغير ما ترغب؟
قــــــــلت ـــ وبمــــاذا تريــــــــــــــــدني ان افـــــــكر؟
// ضحكت الافواه.. الاكف صفقت… الزغاريد تعالت رويدا(( حوه … حوه .. ليش مغرب واحنه النفخر بيك )) اضحك…. اضحك …. واريدكم ان تضحكوا ايضا… اي فخر هذا الذي يدعونني اليه ، وقد اكلتني خشونة جدران الاسمنت ورمت ببقاياي الى فضلات الطرق التي غدت شبه مهجورة ما ان يحل ظلام المواجع، وتنــــــــعق غربان فلواتنا الباحثة عن دم يلوث اعماقها بنجاسات الوهم… اضحك مرة تلو اخرى فلــــــــــيس ثمــــــــــة امامي غير ان انفجر ببراكين سخـــــــــريتي وانا اراهم يمــــــــرون بمحاذاتي كل هنيهة وقـــــــــت من اجل تلويث الجدران التي هي نحن ،بكلـــــــــــمات وداع اخيرة، كلمات خرساء لاتوحي بشيء ، سوى اننا يافطات ســـود تنتظر رياح اتية من بعيد لتحيلها الى مجـــــــــــرد نسيانات تتكرر!!



















