الغريم ـ عصام القدسي

الغريم ـ عصام القدسي
هذا القط، من أين جاء؟ ومتى؟ وكيف تسلل إلى بيته؟. كلما تأمله، راودته خرافة أن روحا عاشقة تسكنه، تنافسه في حبه لزوجته الجميلة الغضة. ذات صباح رآه أول مرة، ماثلا أمامه، بجسمه المكتنز، وفرائه الأبيض كالسحاب، وذيله الغليظ يتلوى، ليرسم دوائر في الهواء.كان يتطلع إليه بفضول وصلف، لم ير فيه قطا سويا، فوجهه مثل وجه رجل، وعيناه فيهما غموض غريب، تغيران ألوانهما من لون إلى لون آخر بسرعة مذهلة. فهما قوس قزح يبهت أحيانا، ويحتد أخرى، ليعبر عما يجول في خاطره وما يحس به. ذات ليلة كانا جالسين، يشاهدان التلفزيون، والقط يجلس بالقرب منهما، متظاهرا بالنعاس.سألها عنه فقالت، وهي تبتسم كطفلة رغم بلوغها الثلاثين ـ تغار منه..
قال بلهجة مازحة ـ نعم. انظري إليه كيف يتطلع إليك بشهوة عارمة. قالت ضاحكة ـ انه حبيبي.
ولم تكد تتم كلامها، حتى رأى القط يقفز إلى حجرها. وما أن أستقر فيه حتى راح ينظر إليه بتشف.رآها سعيدة به، فلم يعترض على وجوده. وفسر أحيانا، تعلقها به، بسبب حرمانها من الأطفال، لأسباب يعرفها هو قبلها. وتركه على سجيته يتنقل في البيت مثلما يشاء. اجل تركه وشأنه، ولكنه لم يغب عن باله لحظة. فكلما أمعن النظر في تصرفاته أزداد يقينه بأن هذا القط، تسكنه روح رجل مولهة بزوجته، يغازلها أمام ناظره. فأزداد مع الوقت غيرة منه وحنقا عليه. فهو يراه دائما ملتصقا بها، يتبعها بجسمه المكتنز، وذيله الذي يرفعه بوجهه كهراوة وهو يهرول وراءها من صالة الضيوف إلى غرفة الجلوس إلى المطبخ.. وإذا رآها منشغلة بأعمال البيت، جلس على مؤخرته يراقبها بوله غريب،فإن أنكشف عن ثوبها، من جسدها الأبيض الممزوج بحمرة صافية، توقدت عيناه والتهبت كمصابيح ملونة، وتلوى وتثاءب ثم عاد لمراقبتها من جديد، وباهتمام مريب. لقد أصبح القط بمرور الوقت، شغله الشاغل ومصدر قلقه، بعدما أخذ يتمادى،حينما راح يتسلل إلى غرفة نومهما ويرى من زينتها ومفاتنها ما يرى. وكم مرة رآها تهمس في أذنه بشيء لا يعرفه وإذا سألها، ضحكت وقالت
ـ هذه أسرار بيني وبينه، لا نقولها لعذول مثلك.
ذات ليلة دب الخلاف بينهما، حينما رأى القط يسبقه إلى السرير، ويندس إلى جانبها، فتحضنه وتغيب بمشاعرها عما حولها.
أذهله ما رأى وصعد الدم إلى رأسه وراح يغلي كالمرجل. ولم يلبث أن انفجر ليلتها، فصرخ بوجهها، وتناول منفضة السجاير، أمامه، ليضرب بها القط الذي أجفل وقفز من جانبها، ووقف على حافة السرير، يراقب بارتباك ما يجري، ولما انحدرت الدموع من عينيها وقف ـ القط ـ متوترا نافشا فراءه يتفرس بوجهها، ثم يحول نظره إليه وقد ارتسمت على وجهه نظرة شرسة، ظن لحظتها أن القط سيتحول بسحر خفي، إلى نمر ينقض عليه ويهشمه بمخالبه. لكنه لم يلبث أن قفز من حافة السرير بخفة ورشاقة إلى الأرض،وانسل من الفتحة الصغيرة لباب الغرفة إلى الخارج.
اختفى القط. ولم يعد يراه بعد تلك الليلة. أذن هو كان يفهم كل ما يجري حوله.وربما كان على علم بخفايا الأمور. وكاد ينسى ما حصل، خصوصا إن زوجته لم تتطرق إلى الموضوع إلا مرة أو مرتين بعد الحادث. ثم سكتت عنه. نعم كاد يكون كل شيء طبيعيا بينهما، لولا الشرخ الذي تركه ذلك القط الماكر بينه وبين زوجته. فهو يراها حزينة، وان حزنها يزداد كل يوم وثمة شيء مشترك بينهما قد انكسر منذ رحيله عن البيت. وأحس بالندم على ما فعل. وتمنى أن يعود، وكم سخر من أوهامه التي قادته إلى فعل ذلك. وكم فكر أن يهيم في الأرض بحثا عنه.ولكنه أخيرا ترك للزمن أن يصلح ما تصدع. مر وقت طويل، وكادا أن يبدءا من جديد، ويعود ذلك الانسجام القديم بينهما والشوق المتواصل رغم إنهما لم يفترقا قط. حتى عاد يوما من عمله، ليجده ماثلا أمامه بفرائه الأبيض وعينيه الملونتين بألوان قوس قزح. رآه يتشبث بطرف ثوبها، وهي تفتح له الباب بابتسامة طالما افتقدها فيها. فهتف وهو يمد يده للقط مصافحا، وليداري قلقا فاجأه ـ أهـــــلا.
AZP09

مشاركة