مشكلة في كل الأحوال
العلاقة بين الأدب والسياسة الألمانية
توماس كرافت
ترجمة – فضيلة يزل
لم تعد الدعوة لـ ” مساندة المثقفين في السياسية ” التي ما زال ماكس فريتش يطالب بها ، قائمة : كما كتبت في عام 2000 ، في مقدمة العدد ( الانفتاح ، عن الأدب في التسعينات). بعد ذلك مباشرة طرأ تصحيح محدد في المسار الذي بدأ يعلن عن نفسه. في أحد أحدث الأصدارات من مجلة أكزينت Akzente (أي؛ اللهجات، 2001 ) ، في سبيل المثال ، دعا نوربيرت نيمان وجورج أم. اوزوالد المؤلفين الإلمان الشباب للتعبير عن وجهات نظرهم حول الصلة بين الأدب والسياسة. وقرأنا في المقدمة : ” على الرغم من ان الموضوعات السياسية لم تختف من الأدب، فإن الأمثلة شائعة عن المناقشة الأدبية للظروف السياسية التي لم يكن من الممكن تمييزها حتى الآن”. في هذا العدد تواصل المقدمة ” المحاولة التي تتعهد بتشكيل فسيفساء من الآراء حول مجالات المشاكل والصراعات السياسية والأستفسار عن العلاقة بين السياسة والأدب التي لازالت ممكنة في الوقت الحاضر”. هذه المناقشات مألوفة وكأنها شاهد من العصور الماضية، وتبدو من أول نظرة مثيرة للدهشة، نوعاً ما، في ظروفنا الحالية.
الأمساك بالواقع من خلال اللغة
“عودة إلى الواقع” ، أحدهم يرغب بالبكاء، وفي الوقت ذاته يسأل: الى أين في هذا الوقت؟ يريد توماس هيتيش(1964) في سبيل المثال، ببساطة ان يحاول ” فهم العالم من خلال إمكانيات الأدب كلها”. وفي الوقت الحاضر يطلق مفهوماً مثل ” المصداقية” في صميم منهجه للكتابة، وهو لم يمر على عمله حتى الآن خمس او عشر سنوات ، كما هو مفترض. فبالنسبة له وللعديد من كتاب جيله، ان تحويل الأدب الألماني مرة أخرى إلى ميدان النشاط السياسي ضمن مفاهيم مثل “الميثاق” أو “اليوتوبيا” التي ما زالت يرددها غونتر غراس وهينرتش بول وسيغفريد لينز وممثلي ثورة الطلاب عام 1968 ، ليست مشكلة. بل المشكلة تتمثل بالإمساك بالواقع الاجتماعي من خلال اللغة وفق عوالم الحياة ومعطياتها. لقد هاجم مارسيل باير (1965) في خطاب القاه عند استلامه جائزة هينرتش بول ذلك النوع من الكتاب الملتزم الذي يشترك في كل قضية سياسية، إذ يعتبر باير اللغة مهددة بأساءة استخدامها عندما تصبح لغة أداتية، فهو يفضل الاهتمام بالقضايا السياسية والاجتماعية دون التخلي عن مواطن جمالية أو فنية معينة. ذلك يعني عدم القفز على المناقشة السياسية بصوت يستهدف اثارة الشعور العام كلياً ، بل من الأفضل وصف الظاهرة، في الغالب بصيغة تذكير استفهامي .
البحث عن اثار الأدب في المألوف
لم يعد الأدب في الوقت الحاضر مهتماً بكتابة السيرة الذاتية، إذ يروي الكثير من المؤلفين الشباب سنوات مراهقتهم ضمن المحيط الأسري. ربما لأن السيرة الذاتية الخاصة بالمؤلف تبدو الشيء الوحيد الذي يمكنه الأستناد اليه بشكل كاف، فهؤلاء المؤلفون يشعرون ان بإمكانهم اثبات صحة ما كتبوا، في حين يظهر الوعي العام باختفاء الموضوع أيضاً ليمكنهم من تتابعاته السردية. ان التأكيد على هوية محطمة مفترضة لا تعود على نحو غير نموذجي إلى تحول أدب القرن، وبحث أثاره في الذات ضمن الأجواء المألوفة، فالأدب الخاص والحميم، موجه ضد المزاج السائد للأزمة.
لقد ابدى روبرت ميناس (1954)، وجولي زيه (1974) وتانجا دوكيرز (1968) وجهات نظرهم عن علاقة الأدب بالسياسة في مناقشة صغيرة في ربيع عام 2004.
وقد رثا ميناس ذلك، بعد سقوط جدار برلين عام 1989 ، لضياع هدف وجوهر الباعث التاريخي. فمع نهاية الاشتراكية، على أية حال، التي قد يكون تدهورها البديل الإيديولوجي والقوى الموازنة للرأسمالية والعولمة المنهارتين. فإذا لم يعد الفنان يرى نفسه جزءاً من حركة المنطق العالمية، فسيتراجع إلى نقطة معروفة لنا تاريخياً فقط من عصر ما قبل التنوير. ويجد نفسه في عالم لا يعاني من انشقاق الرأي حيث لا توجد تناقضات او بدائل او خيارات. بمعنى محدد يعود ثانية إلى العصور الوسطى، لذا يرى ميناس انه على الكتاب ان يتصرفوا كما يتصرف المفكرون ذوي الأفكار الهرطقية المبتدعة، فهو ينتقد بقسوة كل أولئك المذنبين بأحداث حالة التوتر في العالم، ويحطم احتكارات الرأي ويعزز وعي المجتمع. مع ذلك ، يبقى الفن فناً ولن يكون في خدمة السلطة السياسية. على الرغم من ذلك، ينبغي ان يسأل الفنانون أنفسهم في هذا النوع من العالم ان كانوا يودون ان يكون لهم تأثير فيه. وفيما إذا كان الفن يعكس حالة العالم. لذا على الفنانين ، وفقاً لميناس، ان يحدثوا تغيرات كي يكون لهم تأثير في العالم. لقد لاحظت جولي زيه بدلاً من الفتور اتجاه الأحزاب والسياسة بين الكتاب ( كما هو الحال بين باقي افراد الشعب) ، ترى أنه على الكاتب ان يكون وراء الخطاب العام الذي يضطلع به الأختصاصيون والصحفييون. على الرغم من ذلك، قالت زيه : ينبغي ان يكون للأدب منظوره العالمي الذي يكون مماثلاً للمنظور السياسي، و “ينبغي ان يسد الفجوة التي فتحتها الصحافة” وقد اتهمت تانجا دوكيرز زميليها بقصور النظر، بعد كل ذلك، أذ وجد في السنوات الأخيرة عدداً كافياً من النصوص المكرسة للموضوعات السياسية. لقد اعترفت زيه، على أية حال، بان وجهة نظرهم كانت موجهه تقريباً وبشكل خاص الى ماضٍ يقع في حقبة زمنية جيدة أصبحت بعيدة عنا الآن. وهذا ليس صحيحاً تماماً فهي تطرح نفسها من خلال تلميح بسيط عن روايـة (عيد الورود) للكاتب ليندر سكولز التي تعالـج موضوع مجموعة الجيش الأحمــر ( منظمة ارهابية سياسية في إلمانيا من الستينات الى 1998). وكانت الرواية الأخيرة لكرستوفر هين، مثالاً أخر ينطبق على هذه الحالة إذ تضمنت خلفية تاريخية مماثلة.
انها لمشكلة، في كل حال من الأحوال، حيث تبدأ السياسة وحيث تنتهي. وهذه لا يمكن ان تكون مشكلة تتعلق بالكتابة ببساطة عن الأوساط السياسية، كما في سبيل المثال، في كتابة ولفغانغ كويبين (1909 ـ 1996) ودايتر لاتمان (1926) اللذين حاولا مرة ان يكتبا عنها، ولا يمكن ان تكون في طرح قوائم ومناهج تشريعية في أسلوب أدبي. وعلى الضد من ذلك ، حين يتم التمسك بالسياسة كالالتزام وتعبير عن وجود كل فرد، وكنسيج لحياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية معاً، فأنها في الواقع تُنقش في أدبنا بطرق متعددة. ولهذا يكون الأدب أكثر من بديل مؤقت وشي أخر أكثر من وسيلة للبيانات أو التصريحات . فالأدب باللغة الألمانية، على الأقل وحسب الفهم الذاتي لدى مؤلفيه، لا يقود حياة تنحصر في بيئة معينة، بل يؤدي وظيفته كأداة موجهة لحركاتنا. ومن هنا، يكون موجهاً لحركاتنا السياسية أيضاً.