العرب بين العض على الأصابع أو نكبة جديدة – مزهر الخفاجي
مضى على نكسة العرب الخامسة والخمسين عاماً، واقصد بذلك نكسة حزيران عام 1967.. التي خسر فيها العرب المعركة سياسيا وعسكرياً، وذلك حين تمددت على مساحة كل فلسطين ولم يطبق قرار الامم المتحدة المرقم 242 الذي ضَمِنَ تشكیل دولة فلسطين على اراضيها قبل أن تحتل عام 1967 أي أراضي 4 حزيران 1965 وعاصمتها القدس الشرقية.دخلت جيوش خمسة بلدان عربية و تكبدت ارواحاً ومعدات عسكرية كبيرة.. هذا الأمر هو الذي جعل التراث السياسى العربي يطلق على خسارة العرب هذه أسماء عدّة منها: نكبة حزيران أو هزيمة حزيران أو نكسة أو الوكسه الخامسة.
هذه المقدمة التاريخية لها ما يبررها، التي يمكن ان نلخصها بما يلي:
أولاً: غياب التخطيط الستراتيجي العسكري لقادة الحرب.
ثانياً: غياب البُعد السياسي في نتائج هذه النكبة وعدم استثمار قرارات الأمم المتحدة خاصة
القرار 242 الصادر بعد معركة حزيران.
ثالثاً: ضياع أو تخبّط وحدة الهدف العربي في تحديد أسباب ومُبررات تلك المعركة أي حرب
(حزيران- 1967) لدى أصحاب القرار من الحكام العرب جمهوريين أو ملكيين، قوميين أو رجعيين، مؤسسات سياسية أو عسكرية عربية، حيث كانت من نتائج تلك النكبة تقديم الرئيس جمال عبد الناصر استقالته، فضلاً عن التغييرات التي حصلت في
المشهد السياسي العربي، التي انعكست بالتالي على اعتناق القوى الوطنية الفلسطينية
العروبية منها أو اليسارية الى اعتماد مبدأ ( الكفاح المسلّح) كوسيلة لتحرير فلسطين
وكعقيدة للدفاع عن حقوق هذا البلد، وشيئاً فشيئاً ابتدأت اعمال المشاريع العربية
القومية على اختزال ملكية حركات التحرر الفلسطينية من فتح حتى الجبهة الشعبية و
الجبهة العربية وجبهة النضال الشعبي، فتحولّت هذه الفصائل نتيجة لذلك الى دكاكين
لبعض الزعامات العربية أو أدوات للضغط السياسي على هذه الحكومة العربية أو تلك.
ونتيجة لذلك اصبحت فصائل المقاومة الفلسطينية تتعرض الى تحريف سياسي وعسكري وشعبوي بمختلف الاتجاهات. وهكذا طردت هذه الفصائل ابتداءاً في أيلول الأسود من عمّان وثم طردوا عام 1982 من بيروت، ولوحقت بعد ذلك في الربيع الأسود من سوريا بعد أن تغيرت بوصلة توجهاتها الايديولوجية.
فتارةً لسوريا وأخرى لتنظيم الاخوان المسلمين، ثم عملَتْ الحركة الصهيونية بعد ذلك الى تصفية قياداتها من غسان كنفاني الى كمال عدوان ويوسف النجار وابو جهاد وابو نضال في مختلف المناطق. الى آخر العمليات الفاشلة لاغتيال زعيم المكتب السياسي لحركة حماس ( خالد المشعل) وتصفية زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ( أبو عمّار).
من المهم الإشارة الى أنّهُ يبدو ان حركة النضال الفلسطيني خضعت لثلاثة أشكال من الضعف ساهمت فيها:
1- الأدوات الأمنية والأستخبارية لاجهزة الكيان الصهيوني من خلال اختراق الفلسطينيين.
2- المؤسسات السياسية للأنظمة العربية التي حاولت ان تحولها من حركة للكفاح المسلح
ضد الكيان الى أداة من أدوات الصراع البيني ( العربي- العربي).
3- غياب وحدة الهدف السياسي والعسكري لقادة وزعماء حركات التحرر الفلسطيني، الأمر
الذي جعل بعض هذه الفصائل تتناحر فيما بينها، أو للمساهمة في تخوين بعضهم البعض.
إنّ السنوات الخمسون جعلت الوسط المحلي الفلسطيني يقتفي أثر الإسلام السياسي أو أن يضع كل أحماله في حاضنة الأخوان المسلمين كتنظيم حماس حتى حركة الجهاد، وان يرهنوا بعض مسلماته الفكرية الى الغطس في التحالف العقائدي مع تنظيمي حماس والجهاد بسبب الدعم والدفع او تنامي الشعارات الشعبوية. في منتصف الستينيات من القرن العشرين بسبب الدفع او تنامي الشعارات الشعبوية تمردت عددا من القوى والزعامات التقليدية لحركة المقاومة الفلسطينية حتى بدأت شيئاً فشيئاً الانفصال عن حاضنتها السياسية حتى استقلت عن الحكومة المحلية الفلسطينية.
هذا الإنفصال، كما تشير المصادر قد شجعت المؤسسات السياسية في الكيان الصهيوني رغبة منها في تفتيت عقد قوى الكفاح المسلح الفلسطيني، فضلا عن ضرب وحدة هدف السلطة الوطنية الفلسطينية في الصميم وهو اقامة دولتها على تراب فلسطين بعد 4 / حزيران / 1967.
وقد نجحت المؤسسة الصهيونية ان تتعامل مع قطاع غزة كأنها كيان مستقل، ولكن لم تفلح ولم تنجح كل المحاولات الفلسطينية في توحيد مؤسسات السلطة ولا التقريب بين الفصائل المسلحة: ( حماس، فتح، الجهاد، والجبهة الشعبية).
وقد تعامل الكيان المحتل وبعض أصحاب القرار العربي على أنّ ملف غزة هو ملف أمني واستخباري، الذي هو ليس إلا بعيداً عن فكرة نظام الدولتين المُستند الى قرار الأمم المتحدة ( 242) وقرار مؤتمر القمة العربية عام ( 1992)، التي سميّت ( المُبادرة العربية). التي نصّت على مبدأ نظام الدولتين، ووفق شِعار ( الأرض مقابل السلام).
فهل نحن الآن سوف نكون في مرحلة ( عض الأصابع)، حيث نصبح مستعدين الى نكبة فلسطينية عربية جديدة مع كيان غاصب ومجرم ومتوحش؟. فالخيارات المتاحة عند الكيان الصهيوني وامريكا والغرب قد تُحدّد بثلاثة سيناريوهات:
الأولى: التطهير أو التهجير وحكم قطاع غزة من قبل الكيان الصهيوني.
الثانية: بعد عملية التطهير ( من قيادات حماس) تسليم ادارة القطاع الى ادارات موالية
للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
الثالثة: تسليم ادارة قطاع غزة الى ادارة أممية- عربية ( قوات اليونوفيل) وتتعامل مع حركة
حماس والجهاد كما تتعامل بالوقت الحالي مع ( حزب الله).
في ظل هكذا سيناريوهات، كانت أرفع الاصوات من قبل بعض صانعي القرار العربي، خجولة مطالبة بما يلي:
1- وقف اطلاق النار.
2- رفع الحصار عن غزة.
3- تبادل الأسرى بين الجانبين.
بعد هذه البانوراما التاريخية السياسية، أقول أن أمام صاحب القرار العربي، قبل ان يعض على أصابعه أن يتوقع أمرَين:
أولاً: ان سياسة عدمم الرِضا الشعبي العربي ستهيء لقيام نظام عربي جديد وفوضى ليست
بالخلاّقة.
ثانياً: الاستعداد الى موجة أو موسم هجرة عربية فلسطينية جديدة سيكون محط رِحــــــــالها
( مصر، الأردن، ولبنان).
ثالثاً: إنّ عدم اغتنام فرصة الزعزعة التي أحدثتها احداث 7 اكتوبر يجعل العرب اكثر ضعفاً،
وسيجعلهم يندمون على اشتراطات سياسية قادمة، خاصة وان قادة الكيان حسموا
أمرهم في ضم غزة والضفة الى الكيان وطرد الفلسطينيين الى صحراء العرب أو الى
مناطقهم الرخوة من مصر مروراً بالدول العربية الأخرى حتى العراق.