الطائر الذي بلله القطر

قصة قصيرة      (1)

الطائر الذي بلله القطر

تعودنا مع مرور الايام ان لا نزعج بعضنا بالأسئلة او التساؤلات و لذا تأقلمت على النمط العاطفي بصعوبة . الذي لا مكان فيه للغيرة او الامتلاك صارت لقاءتنا محدودة تقتصر على المرة الواحدة خلال الاسبوع بعدما تخرجنا من الدراسة  او لا تكون كذلك وعندما نلتقي  نلتقي بشغف ولهفة حميمة ، ذات مرة عندما التقينا كانت تقول : انني احب الاستماع اليك  جئتك بجوع مسبق  اكون سعيدة اذا اختصرت معك يوما او يومين من الانتظار في حياتي  يوم واحد في الاسبوع  يعادل جزء كبير من العمر .

صار لقاءها لي عادة  ياخذ جزء كبير من تفكيري  طالما ورغم اني لا استطيع امتلاكها  او بالأحرى هي لا تستطيع امتلاكي  لكل منا طريقه الخاص لذا اكتفي بهذا اللقاء واكون سعيدا جدا عندما نلتقي . ميعادنا او الموعد الذي نلتقي معه  لم يرتبط بزمن  هذا الذي هو فترة من العمر تحددها السنين والذي لا علاقة له بالوقت  انما يحصل دون أي تحضيرات او الاعداد له  بل اغلب الاحيان يحدث مصادفة  هذا القدر المتناهي في الصغر والذي يكبر عندما يحقق احلام الاخرين  عندئذ نكون معا امام جدلية عجيبة  ننسى العالم ونفكر في الجدران الأربعة او الفسحة التي تحوينا وتعزلنا عن خصوصيات الناس  لأمر أو لهفة هي واحدة لنا نحن الاثنين  ربما نختلف اختلاف معين عن اولئك العشاق الذين تكون رغباتهم متفاوتة  جسدين مختلفين بضمان رغبة واحدة ، تجمعنا في كل لقاء السعادة السرية التي نمارسها دون قيد او شرط  حتما بشرعية الجنون . عندما لا ألتقيها أتحرق إليها شوقا  بحيث اعادل ذلك اليوم بحب الشهوات من النساء والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة  لو التقيتها معتبرا ان الوقت الذي يمر دون لقاء يعادل امدا طويلا .

التقينا للمرة الأولى في السنة الأولى من دراستنا في الجامعة /كلية اللغات/ قسم اللغة الانكليزية  كنا نتكلم اللغة الانكليزية بطلاقة  صدفة  هكذا كنا  ..الت :

I know not why I am so sad

(لا اعرف لماذا انا حزينة هكذا)

كان جوابي لها :

 Perhaps problems on your shoulders (ربما من مشاكل تلك التي تثقل كاهلك)

قالت :

This answer is easier than I thought

(هذا الجواب اسهل مما كنت اعتقد)

قلت مبتسما :

I smiled that you spoke

(ان هذا الزهو الذي تجلى في حديثك دفعني الى الابتسام)

خلال دراستنا اندلعت حرب الخليج الاولى واستمرت طوال فترة الدراسة  انتظرتها ذات يوم في ردهة الاستقبال لنادي الطلبة  جاءت بعد الانتظار الممل بعشرة دقائق  فسحت لها المجال في الجلوس  اكتملت دائرة الاصدقاء على الطاولة عندما جاء ثلة من طلبة شعبتنا  فصارت دائرة مستديرة تلونت فيها الاحاديث عن الحرب والجبهة  قال واحد منهم :

–           سيجندون الطلبة خلال العطلة الصيفية ولاسيما طلبة الجامعات .

رد عليه اخر :

–           وكيف لنا ان نحارب ونحن مثل النحل لم يتعلم الطيران بعد  الى ان تمارس المجاميع الصغيرة الطيران مع النحل الكبير  لمعرفة المعالم الضرورية الواجب معرفتها اذ المفروض بالحكومة ان تدرب الطلبة على السلاح وأساليب الحرب الحديثة قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة .

 قال اخر :

–           يا جماعة دعونا من احاديث الجبهة والحرب  واقترح عليكم  ان نذهب في سفرة الى مهرجان البرتقال في ديالى او مهرجان الربيع في الموصل  نغير جو  نشعر براحة تامة ونتمتع باشعة الشمس العراقية الجميلة وعندها اقرأ على مسامعكم قصيدة ((تحت الشمس ))

قال ثالث وهو ينظر الى الطالبات :

–           يا بنات عندي طريقة لفتح عقدة النصيب ..

–           قاطعته طالبة قائلة :

–           ما هي طريقتك يا (( برومثيوس)) لعلك تجلب لنا شعلة الضياء لتنير لنا الظلمة ..

ضحك الجميع على هذه المبادرة منها  رد عليها :

–           طريقتي كما وردت على لسان بتول الخضيري هي (( اعطاء الفتاة ورق السدر مقروء عليه سورة البقرة  تغتسل فيه  اما المتبقي  يجب ان يرمي خارج المنزل )) .

بينما نحن هكذا حتى طرق مسامعنا بيان عسكري مقاده احتلال جزيرة الفاو والخسائر التي تكيدها الجانبان.

بينما نواصل الاستماع  واذا بقذيفة صاروخية  اهتز لها بهو النادي بفعل الانفجار الذي حصل في البناية المجاورة لجامعة البصرة  تمزق من فيها  هرعت فرق الانقاذ وتكاثفت جهود الاهالي لإخراج الموتى الذين نزلت اسماؤهم في لائحة الشهداء غادرنا المكان على عجل  ونحن في الطريق  قال الذي تكلم اولا : سمعت ان منازل وسقف في مجمع سكني قد دمرت بالكامل  كما قتل مائة الف نخلة.. اجبته :

شائعات لا تصدق  هذه حرب نفسية يستخدمها العدو اثناء الحرب  لإحباط عزائم الجند في سوح القتال  الم تتذكر (( غوبلز )) وزير اعلام هتلر  عندما كان يبث الاشاعات الكاذبة عن انتصارات الرايخ وهو مهزوم  ثم صارت هذه النظرية مثل للكذب

 (( اكذب، اكذب  ثم اكذب حتى يصدقك الناس )).

انسحبت معها من المجموعة للتفرد مع وحدة العشاق لنخط فضاءات ملحة في ماهية الهوى والغرام  وصيرورة الأحلام  لتهبط علينا من كل صوب كغيث الربيع المنهمر  وتطلق انبعاثا من انفجار العواطف المتدفقة لحلاوة اللقاء العشقي للمحبين والحياة  لترتبط وتتعلق برباط وثيق على هذا الكوكب.

قلت ونحن نسير بمحاذاة شط العرب الذي انشلت فيه الحركة .

–           سأجمع قوى حبي اليك ايتها الحبيبة  واخذ اقلامي  لأدون في أوراقك ذكريات ألمي  وذلك في زوايا الليل  حتى انشرها في فضاء الحب الرحب  يسمعها العشاق المتجولون في صحراء الحزن والالم حتى تصبح صحراءهم فيما بعد  خضراء تنبت فيها اشجار الخير والجمال  ثم تتحول هذه الذكريات لتغمر صحراء ارواحهم وارواح الناس الاخرين  ليعلن الإنسان  ان صحراءه صارت تظم معرفة الدنيا لكل من يريد ان يعيش بسلام  ويرقد بسلام  واوزعها حتى في قبور الاموات  لتغدوا انفاسهم عميقة تغرق في بحار المحبة  لتلقفه امواج الحنين لبحار الانسانية فتنتشي تلك الانفاس وتزرع بذرتها  ليطغى الحب على كل الأحقاد  وما يتولد من شرور على وجه الارض!!!

ران الصمت  صمتنا لحظة  ينظر كل منا الى الاخر  عاودت الحديث قائلا :

–           عاهديني على الوفاء ..

–           لكن انا اختلف عن جين ايير …

–           بماذا !!!

–           إنا لا أشح عنك  وعن حبك  لأنك معبودي الذي احببته  قبل ان احب أي انسان  احببتك من كل قلبي  كما احببتني انت من كل قلبك  ولن ارحل عنك  الا بمشيئة القدر  وسأكون ملكك  ومن الاثم الا احبك  او لا اطيعك في كل ما تطلب مني  من الان انا رهينتك  بل خليق بي  في مثل هذه الحال  ان احبك اكثر مما احببتني انت  وان لا يبقى الحب مكبوتا في صدري  على ان يكون ذلك مصحوبا بكل الاحترام  انت ملاكي  في لك حبا عارما يشدني اليك  واضمر لك عاطفة متقدة  وان عاطفتك تجنح الي وتجذبني الى قلب حياتك  وينبوعها  سعادتي فيك تجعلني في كثير من الاحيان  ان اضمك الى صدري  بحيث تبلغ عظمتك درجة افخر بها  ويفخر بها الاخرون  طالما انت في الوجود  يصير لي اربعة وجوه  اثنان منهما انت بعظمك ودمك  والاخران  هما  ( انا ) وهو الوجود المجازي للإنسان حسب قول (هايدجر) اما الاخر فهو الوجود الاصلي او الحقيقي  والوجودية قائمة على اساس هذا الوجود  أي ان مبداها هذا الوجود  واقول ان وجوديني هو حبك  مبداها الاول والاخير  يا اغلى من في الوجود .. انتابتني نوبة هيستيرية جميلة من الفرح الغامر  صار بإمكاني لا اميز من اين انا  حتى رفعتها بكلتا يدي من على الارض  وطوحت بها في الهواء وهي تصرخ بفرح (( لا تفضحنا يا ولد  لا تفضحنا يا ولد)) .

خلال سني الدراسة  لم يفصلني عنها سوى الليل  اما النهار  انا معها بالكامل  سواء في الكلية او خارجها  عدا ايام الاجازة والسفر الى الاهل وكذلك العطل الربيعية والصيفية  صار الحب يكبر شيئا فشيئا  وصارت العاطفة تصهرنا بلهبها الطاهر المشبوب لكل الايام  ايقنت انها شقيقة روحي  تولعت بها ولعا جعل من المتعذر علي ان افارقها .

رحيم حمد علي –  العمارة