قصة قصيرة (1)
الشقة الملعونة
الجميع يقولون انها شقة ملعونة وكثيرون يقولون انها مسكونة.. وكل من سكنها اما يموت قتلا او بحادثة تؤدي به الى الموت.. فلم يستأجرها احد بعد ذلك.. حتى جاءت نرمين وهي في العقد الثالث من العمر.. مطلقة .. وموظفة في احد المصارف.. ليس لديها اولاد.. والشقة لا تبعد كثيرا عن المصرف الذي تعمل فيه..
وقد حذرها الجيران من السكن في هذه الشقة.. ونقلوا لها القصص والروايات التي كانت تحدث فيها.. الا انها لم تأخذ بكلام احدهم وكانت تعتبر ذلك مجرد خرافات واوهام لا صحة لها.. وكانت نرمين بطبعها اجتماعية ولها صداقات كثيرة من الذكور والاناث.. وكانت محبوبة من الجميع لدماثة خلقها ولسانها الدافئ العسل.. كما انها صاحبة نكتة ويحب الجميع تعليقاتها اللاذعة. اضافة لكونها موظفة مجتهدة وناجحة وطموحة وهذا ما جعلها تتقدم في السلم الوظيفي حتى اصبحت معاونة مدير المصرف.
وقبل ان تنتقل نرمين الى الشقة قامت بطلائها بالالوان المحببة لها وكذلك اعادت طلاء الشبابيك والابواب.. وبعد ذلك اخذت تنقل اثاثها شيئا فشيئا.. ووضعت نصبا للصليب طوله متر ونصف تقريبا عند مدخل الشقة وكانت قاعدته من النحاس المزخرف بالرسوم القديمة.. وكذلك وضعت صليبا في غرفة الاستقبال.. وعلقت بعض اللوحات الزيتية.. وفرشت الشقة بالكامل فكانت رائعة بكل ركن من اركانها. اما غرفتها فكانت تسميها غرفة الاحلام.. ففعلا كانت غرفة حالمة بالوانها واثاثها ومحتوياتها ولوحاتها وتحفياتها كما وضعت على الحائط وفوق رأسها على السرير تمثالا من النحاس الاسود صليبا..
وقبالة السرير علقت بلازما كبيرة حتى تطالع البرامج وهي نائمة في السرير.. والى جوارها على الكومدي وضعت مصباح منضدي على جانبي السرير.. وكذلك الحاسوب المحمول الخاص بها.. وخلف باب الغرفة علقت مرآة كبيرة وايضا علقت بعض ثياب النوم على جانب المرآة.. وقضت نرمين ليلتها في شقتها بعد ان انتهت من وضع لمساتها الاخيرة في الشقة.. اما الانارة فكانت خافتة وكانت فعلا شقة حالمة بكل اجوائها.. واندست نرمين في فراشها وادت صلاتها وهي في الفراش.. ونامت نوما عميقا.. وهي بثوب اخضر للنوم جعل منها شبه عارية.. اما عن قلبها وعواطفها.. فكانت عاشقة لزميل لها في العمل منذ اكثر من سبع سنوات.. وكان رئيس قسم التحويل الخارجي.. ويقاربها عمرا هادئا لطيفا محبوبا يقدم خدماته ومساعداته للجميع من دون كلل او ملل.. كان انيقا ويكاد يعرف الجميع حبه وهيامه بنرمين كما يعرفون ذلك عنها.. الا ان رغم ارتباطهما لم يظهرا ذلك علانية في عملهما..
وعند وصولها المصرف في اليوم التالي تلقتها زميلاتها ويسألتها عن كيفية قضاء ليلتها في تلك الشقة الملعونة فطمأنتهن بانها بخير ولا شيء هناك يذكر.. وانها جدا مرتاحة ومتفائلة ايضا فيها.. وكان اسامة يعامل نرمين كزميلة عادية في العمل ولكن ما ان ينتهي العمل حتى يخرجا معا.. وغالبا ما كانا يتناولا غداءهما خارجا.. ويتحدثان بكل شيء الا انهما لم يتطرقان لعلاقتهما ومصيرهما.. وكانت نرمين تعتمد على اسامة في قضاء كل طلباتها واحتياجاتها.. حتى اذا ارادت الذهاب لشراء شيئ او الى السوق اتصلت به ليكون معها.. ودارت عجلة الايام.. ونرمين في الشقة تجهز العشاء لنفسها وقد قاربت الساعة العاشرة ليلا سمعت طرقا خفيفا على الباب.. فذهبت لترى من الطارق فلم تجد احد.. فعادت ادارجها الى المطبخ وبعد لحظات عاود الطرق ثانية وباشد قوة من الطرق الاول فذهبت لتر من الطارق الا انها فوجئت بعدم وجود احدا.. وخرجت من الشقة والقت نظرة يمينا وشمالا الا انها لم ترى شيئا فعادت الى الشقة واغلقت بابها باحكام.. الا ان ذلك قد اقلقها.. ثم اخذت طبق الطعام وجلست في غرفة الاستقبال لتناول عشاءها وهي تطالع التلفاز وقد جعلت صوته عاليا بعض الشيء حتى لا تسمع شيئا.. وبالصدفة وقعت عيناها إلى اللوحة المعلقة على الحائط وكانت عبارة عن صورة زيتية لشناشيل عراقية قديمة.. فوجدت ان اللوحة تهتز يمينا وشمالا.. فقالت في نفسها لعل المكيف عال ويحركها الهواء.. والتفتت صوب المكيف فوجدت ان هواءه طبيعي واتجاه الهواء ليس على اللوحة.. فعادت تنظر الى اللوحة فوجدتها مستقرة فضحكت وقالت: انه يتراءى لها ذلك.. وواصلت تناول طعامها وهي تختلس النظر الى اللوحة فتجدها ثابتة في مكانها دونما حركة.. ثم نهضت واخذت الطبق معها لتتركه في المطبخ.. وعادت للجلوس في مكانها فسمعت خرير الماء في المطبخ فذهبت فوجدت ان الحنفية تقطر حبات الماء في المطبخ فذهبت فوجدت ان الحنفية تقطر حبات من الماء فاغلقتها باحكام.. ثم دخلت غرفتها لتجهز ثياب دوامها لليوم التالي.. فكانت حريصة على اناقتها فلذلك كانت تجهز كل ثيابها حتى الاكسسوارات والحذاء.. وكان في سرها ان كل ما ترتديه هو من اجل اسامة فقط.. واندست في فراشها.. بعد ان صلت صلاتها المعتادة.. وسلمت نفسها للنوم.. وبينما هي بين اليقظة والمنام سمعت اصوات الاواني في المطبخ وكأنها تضرب بالارض.. فرفعت رأسها من المخدة لتعرف من اين تأتي الاصوات. فتأكدت انها من المطبخ.. فما كان منها الا ان تنهض وتقفل باب غرفتها.. وترتمي باحضان الفراش لتنام وقد غطت رأسها حتى لا تسمع شيئا.. الا انها لم تذق طعم النوم وكانت ترتجف خوفا.. وغلبها النعاس في ساعات الصباح وقبل طلوع الفجر بقليل فنامت وما ان وصلت الدائرة حتى سارعت لتقص على اسامة ما كان معها ليلة امس من احداث.. فوعدها اسامة بان ذلك لم يحدث مجددا.. وانه سيعمل على ذلك.. لكن هي لا تدري كيف سيفعل ذلك.. وقالت له بانها لن تعود ثانية الى تلك الشقة الملعونة.. فطلب منها ان تذهب معه.. الا انها رفضت وقالت له بانها ستذهب مع زميلتها لمياء.. فقال لها: عندما انهى بعض الاعمال سأتصل بك واذهب معك الى الشقة..
محمد عباس اللامي – بغداد