الشرطة المجتمعية بين علم الإجتماع والقانون الجنائي

الشرطة المجتمعية بين علم الإجتماع والقانون الجنائي

 

 

عبد الوهاب عبد الرزاق التحافي

 

في يوم السبت 28/حزيران / 2014 قرأت خبراً في جريدة (المدى) عنوانه (الشرطة المجتمعية تشكو تجاهل انشطتها من الاعلام والمواطنين) فهمت منه ان في وزارة الداخلية العراقية مديرية شرطة تخصصية هي (مديرية الشرطة المجتمعية) وان مديرها برتبة – عقيد – وانها باشرت اعمالها منذ عدة سنوات ، وهي تحظى بدعم ومساندة قيادة وزارة الداخلية ….

 

وفي نهاية الخبر ورد تعريفاً للشرطة المجتمعية وصف (الشرطة المجتمعية) بانها (قوة امنية شعبية) وانها (تعد وسيطاً بين مراكز الشرطة ومؤسسات المجتمع ونخبه) وانها (تهدف تحقيق اكبر قدر من المشاركة الحقيقية بين الشرطة والمجتمع في تحمل المسؤوليات الامنية على وفق مفهوم الامن الانساني الشامل) و (خلق حالة ثقافية من الامن الاجتماعي) . وواضح عندي ان هذا التعريف للشرطة المجتمعية متأثر بحقيقة واهمية الادوار الاجتماعية للشرطة الى جانب ادوارها الادارية المانعة للاجرام وادوارها القضائية المكرسة لمعاونة القضاء في كشف الجرائم …. كما ان هذا التعريف للشرطة المجتمعية منطلق من الوعي بحقيقة كون الشرطة جزء من المجتمع تتاثر به وتؤثر فيه ، ولا يستغني أي مجتمع عن الشرطة كما لا تستغني الشرطة عن تعاون المجتمع ……

 

وفوق ذلك فان اساتذة علم الاجتماع في كلية الاداب العراقية كانوا اسبق من غيرهم في وصف الجريمة بانها (مشكلة اجتماعية) ولها اسباب اجتماعية ، حيث اصدر الاستاذ الدكتور المرحوم عبد الجليل الطاهر في سنة 1954 كتابه (التفسير الاجتماعي للجريمة) . وكان من تاثير الوعي بالاسباب الاجتماعية للجريمة ان تصاعد الاهتمام بالدفاع الاجتماعي ضد الجريمة من قبل (قسم منع الجريمة) في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في هيئة الامم المتحدة منذ منتصف العقد الخامس في القرن الماضي ، كما تم في سنة 1960 تأسيس المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة من اجل العمل على دراسة اسباب الجريمة وسبل مكافحتها وارساء قواعد التعاون بين الشرطة الجنائية في البلاد العربية . ص1

 

وفي سنة 1975 عندما عقد مؤتمر الامم المتحدة الخامس لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين في جنيف بسويسرا بحث موضوع (الادوار البارزة لجهاز الشرطة وغيره من وكالات تنفيذ القانون) ، واكد اهمية العلاقة بين الشرطة والمجتمع …. ويجب ان تتضمن برامج تدريب رجال الشرطة موضوعات الاخلاق وحقوق الانسان والعلوم الاجتماعية .

 

وباعتقادي ان وصايا هذا المؤتمر عن علاقة الشرطة بالمجتمع فتح ابواب الدعوة لتأسيس فرع جديد من فروع علم الاجتماع هو (علم اجتماع الشرطة) …

 

وكانت الدكتورة ناهدة عبد الكريم اول من طرح موضوع (علم اجتماع الشرطة في الوطن العربي) في مقالة نشرتها في دورية شهرية اجتماعية صادرة عن قسم الدراسات الاجتماعية في (بيت الحكمة) ببغداد – حزيران 1998 .

 

ثم كتب عميد الشرطة ناظم احمد حسين في مجلة الشرطة العراقية – العدد / تشرين اول 2002م دراسة اوسع بعنوان (لماذا علم اجتماع الشرطة) اكد فيه اهمية تأسيس (علم اجتماع الشرطة) كفرع من فروع علم الاجتماع الجديدة .

 

اما دراستنا التي نشرتها لنا مجلة (الامن والحياة) اصدار جامعة نايف العربية للعلوم الامنية بعددها الصادر في آب / 2004 بعنوان (علم اجتماع الشرطة والمحفل الاجتماعي الاممي) ، فقد ساندنا فيها دعوة الدكتورة ناهدة عبد الكريم والعميد ناظم احمد حسين بضرورة استحداث فرع جديد لعلم الاجتماع باسم (علم اجتماع الشرطة) وضرورة تدريسه في كليات ومعاهد الشرطة في البلاد العربية …. واوضحنا ان تصعيد الاهتمام بالادوار الاجتماعية للشرطة ، وبالاسباب الاجتماعية للاجرام وبالدفاع الاجتماعي ضد الجريمة ينسجم وعناية الامم المتحدة بتأسيس (المحفل الاجتماعي) الذي عقد مؤتمره الاول في 14 / 8 / 2002 .

 

ان تأسيس (مديرية شرطة اختصاصية) في وزارة الداخلية بجمهورية العراق خطوة تقدمية تدعونا لتصعيد العناية بالموضوعات الاتية :-

 

ص2

 

اولاً / مسؤولية الشرطة المجتمعية في مكافحة الجرائم الاجتماعية . فمن المعلوم ان قانون العقوبات العراقي النافذ حالياً رقم 111 لسنة 1969 ، تميز عن غيره من قوانين العقوبات في الدول العربية ، بتناول موضوع (الجرائم الاجتماعية) بوصفها من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة وذلك بالمواد من 370 – 392 ، وحدد الجرائم الاجتماعية بانها:-

 

– الامتناع عن الاغاثة 370 – 371

 

– الجرائم التي تمس الشعور الديني 372 .

 

– انتهاك حرمة الموتى والقبور والتشويش على الجنائز والمآتم 373 – 375

 

– الجرائم التي تمس الاسرة  376 – 380 .

 

– الجرائم المتعلقة بالبنوه ورعاية القاصر وتعريض الصغار والعجزة للخطر وهجر العائلة 381 – 385 .

 

– جـــــرائم السكر 386 – 388 .

 

– لعب القمار 389 .

 

– التسول 390 – 392

 

ومنذ عدة سنوات اكدنا ضرورة العناية بمكافحة الجرائم الاجتماعية مثلما تصاعدت العناية بمكافحة الجرائم الاقتصادية …

 

فهل يبقى الكفاح ضد الجرائم الاجتماعية من ضمن مسؤولية الشرطة المحلية باطار مسؤوليتها العامة عن مكافحة الاجرام ام يكون الكفاح ضد الجرائم الاجتماعية من مسؤولية (الشرطة المجتمعية).؟؟ ص3

 

ثانياً / نالت مشكلة (جنوح الاحداث) عناية مؤتمرات الامم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين ، منذ عقد مؤتمرهم الاول في جنيف سنة 1955 ، ثم تطورت العناية بصدور (مبادئ الامم المتحدة التوجيهية لمنع انحراف الاحداث) والتي اضحت معروفة بـ(مبادئ الرياض التوجيهية) الى جانب (قواعد الامم المتحدة بشأن حماية الاحداث المجردين من حريتهم) الصادرة عن مؤتمر الامم المتحدة التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين الذي عقد في كوبا عام 1990 .

 

ومنذ عام 1981 وفي دراستنا عن (الشرطة ورعاية الاحداث)التي نشرت ضمن (مجموعة بحوث واعمال الحلقة الدراسية الخاصة بوقاية الاحداث من الانحراف / تشرين ثاني / 1981 – مطبعة الشرطة – بغداد – 1983) تناولنا (الواجبات الاجتماعية لشرطة رعاية الاحداث) ، واوضحنا ان الشرطة جزء من المجتمع ، ونجاحها في عموم واجباتها مرهون بتعاون الجمهور معها ، ومن اجل نجاح شرطة رعاية الاحداث في اداء عموم واجباتها القضائية والادارية عليها ان تعمل بنشاط في اطار المجتمع ، وان توجد صلات اجتماعية ايجابية مع الاجيال الجديدة لتزيل ما علق باذهانهم من موروثات الماضي من تصورات مضادة للشرطة ………

 

واكدنا ان اهم الواجبات الاجتماعية لشرطة رعاية الاحداث:-

 

1)         الاسهام في إلقاء محاضرات على طلبة المدارس بما يعزز في نفوسهم روح احترام القانون ومحبة النظام .

 

2)         تشجيع اقامة جمعيات اصدقاء الشرطة في كل قرية وناحية وقضاء بالتعاون مع المنظمات الشعبية ومراكز الشباب.

 

 3)        المشاركة في اعمال مجالس الاباء والمعلمين في المدارس للتعرف على مشاكل الطلاب والتعرف على من يتكرر غيـابه عن المدرسة بدون علم ذويه.

 

4)         اجراء الدراسات عن ظروف الاحداث الجانحين الذي يتم ضبطهم وتحديد اسباب التشرد وسوء السلوك واشعار الجهات المختصة لمعالجتها . ص4

 

فهل ستتولى (الشرطة المجتمعية) واجباتها الاجتماعية في رعاية الاحداث على وفق هذه الاسس ام ستترك كل مديرية شرطة تؤدي واجباتها الاجتماعية باطار توجيهات الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية ؟

 

ثالثاً / منذ تأسيس الدولة العراقية انيط بوزارة الداخلية مسألة منح اجازات تأسيس النقابات والجمعيات بما فيها الاحزاب على وفق ضوابط حددتها القوانين النافذة في حينه…

 

ثم اصبح للاحزاب مديرية عامة في ديوان وزارة الداخلية انيط بها مسؤولية تنفيذ قانون الاحزاب الى جانب (مديرية قسم) تسمى (مديرية الجمعيات) ترتبط بمديرية الداخلية العامة .

 

والان اصبحت لمنظمات المجتمع المدني ، وزارة مسؤولة عن متابعة اعمال تلك المنظمات على وفق قواعد قانون صدر بخصوصها .

 

فما هو دور (الشرطة المجتمعية) في متابعة اعمال منظمات المجتمع المدني ، وما هي سياقات التعاون بينها كممثلة لوزارة الداخلية ووزارة منظمات المجتمع المدني ؟

 

الموضوع جدير بالدراسة لايجاد آلية عمل منظمة لمتابعة اعمال منظمات المجتمع المدني ……

 

رابعاً / في العراق ، حالياً ، قانونان مهمان جداً لتحقيق الامن الاجتماعي هما :-

 

–           قانون الرعاية الاجتماعية رقم 26 لسنة 1980 .

 

–           قانون الحماية الاجتماعية لسنة 2013 .

 

وتتولى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تنفيذهما ويكون من المصلحة العامة ان يناط بالشرطة المجتمعية التحقيق بأية انتهاكات لاحكام هذين القانونيين وعلى وفق ما يحال لها من الجهة المختصة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ..ص5

 

خامساً / في وزارة العدل مديرية عامة لرعاية القاصرين ، ومديرية عامة للاصلاح  الاجتماعي (السجون سابقاً) ، ومجلس لرعاية الاحداث…

 

وجميع هذه الادارات تمارس ادوار مهمة في تحقيق الامن الاجتماعي ، ومن المفيد ان تنسق الشرطة المجتمعية مع تلك الادارات في المهام المشتركة وعلى وفق السياقات القانونية النافذة . ان نجاح أي تشكيل امني يقاس بدرجة نجاحه في تحقيق اهدافه في خدمة الوطن والشعب ، وباطار التنفيذ الانساني للقانون……

 

وبصدد شكوى مسؤول الشرطة المجتمعية العراقية من ضعف اهتمام الاعلام بنشاط مديريته .. اذكر للتاريخ إني في سنة 1974 اصبحت عضواً في هيئة تحرير مجلة الشرطة في شعبة العلاقات في مديرية الشرطة العامة .. وكان من ضمن واجباتي متابعة طبع المجلة في مطابع دار الثورة للصحافة والنشر .. وفي احد ايام مراجعتي لمطبعة جريدة الثورة وجهت نقداً لادارة الجريدة عن اهمال تعريف الرأي العام باهمية ادوار الشرطة العراقية في خدمة الشعب ومكافحة عصابات الاجرام وحفظ النظام العام ، واهمال بيان معالم التقدم في قوانين ونظم عمل الشرطة ، ونشاطها الدؤوب بمنع اسباب الاجرام … وبعد عدة ايام من توجيه هذا النقد امام مدير المطبعة استدعيت لمواجهة مدير التحرير الذي طلب مني ايضاحات تفصيلية عن انتقادي لسياسة جريدة الثورة بعدم العناية الاعلامية باجهزة قوى الامن الداخلي فأوضحت له وجهة نظري تفصيلا … وبعد ذلك قال لي (انا أؤيد وجهة نظرك و عليك اقناع مسؤولي قسم الدراسات في الجريدة اذهب وقابلهم) .. وفعلاً استقبلني ثلاث كتاب في قسم الدراسات وجرى معي وزميلي ملازم اول اسامة ثابت الالوسي حديثاً موسعاً عن الشرطة واهمية واجباتها وضرورة خدماتها للشعب والوطن واتفقنا جميعاً ان على الشرطة حتى تكسب تأييد الرأي العام ان تحسن خدماتها للشعب وتطور اجراءاتها في مكافحة الاجرام  بان تمنع الجرائم قبل وقوعها وترتقي باساليب التحقيق وتنبذ الى الابد التعذيب والمعاملة القاسية الماسة بكرامة الناس حتى لو كانوا متهمين بارتكاب جرائم …. عند ذاك ستجد الشرطة ان وسائل الاعلام تتابع اعمالهم ، وتثني على جهودهم ، وتشيد بخدماتهم الجليلة للشعب والوطن وتضحياتهم لتأمين سيادة القانون في الدولة والمجتمع …

 

 

{ محام ولواء شرطة متقاعد