الشاعرة المغربية نجوى المجاهد لـ الزمان
العرب بحاجة إلى ثورة ثقافية توازي الحراك الجماهيري
حاوره عبدالحق بن رحمون
نجوى المجاهد شاعرة مغربية لها آراء ذات اجتهاد ووعي في الحياة الثقافية والعلائق الاجتماعية والسياسية حولها. وفي هذا الحوار بعض تلك الآراء التي تكشف جانباً من تجربتها الشعرية ايضاً.
ما حكايتك مع القصيدة… وهل لك أن تروي لنا كيف تكتبينها والمراحل التي تمر منها؟
ــ أنا فصل من زمن الحكاية، ولحظة من زمن التيه، أخرج من جرح الظلام، وأزحف كي ألحق وهج السؤال، وأحفر تفاصيل حكاية في أفق المشتهى، كي تكبر وتشتعل وتزهر كما الحلم في أوجه، أكتبها، حكاية ووجعا اشتهاء لتلسعني بكل أنواع الحياة. إنها جمرة تسكنني كلما حاولت جاهدة أن أكتب ما رواه لي الخيال. إنها لحظة مخاض لا أعرف متى تأتي ومتى تنتهي، إنها تباريح الوجع ولاكتشاف في مدارج اللحظة .أنا لحظة تيه في ملكوت هذا الاغتراب، الذي انتشلني من داخل الرماد حتى صرت شظية تحكي عن صراخ كان مكبوتا داخل ذات عاشت كل مرارات الوجود.
حكايتي اسمها أنا، أنا الأنثى، الفراشة التي تحب الترحال في الخيال واللعب مع الظل، إلى أن يرسو بي المطاف على صدر رحب فوق الكلمات فتصير الحروف التي أكتبها كاملة بلون الوجع والتذكار.
ما موقع الخيال والصدق في تجربتك؟ وهل بمستطاعك أن تكتبي قصيدة كل يوم؟
ــ لا أستطيع أن أعيش بدون خيال، فهو دليلي لاكتشاف معالم القصيدة، فهو ذلك المعشوق الذي يسكنني دائما، إنه الوجه الذي أرسم ملامحه بكل أنواع اللغات، وبكل ألوان الفرح، وبكل شظايا النار، كي أصيره نصا يصرخ بمعاناة طواها الزمن ولم تنساها الذاكرة. أحاول أن أكون أكثر صدقا، في تجربتي التي ابتدأت منذ سنوات كانت مجرد خربشات على الورق. والآن أصبحت أكثر حنينا إليها إنها البراءة التي كنت أكتب بها وأنا صغيرة ثم توقفت لظروف لا أعرفها. لكن وجودي في محطتي الجديدة، كان أكثر اقترابا من الشيء الضائع في شساعة الحياة. الذي لا يكاد يحضنني بوجه آخر من أنثاي، حتى صرت حكاية يكتبها إحساسي بمحيطي الحالي. أحيانا لا أعرف من أين أبدأ ومن أين أنتهي، ولكن على وعي دائم بفعل الكتابة كقضية وحقيقة وتجربة وهم. أتسكع في متاهة الجنون، فيسرقني الخيال إلى فسحة جميلة، أتوق فيها إلى حكي أدق التفاصيل،أكتب عن سراب الحياة، وعن مدن تسكنني، وعن أهوال أبحرت فيها عميقا، إنه السفر في المدى البعيد. هي لحظة حالمة حين تلامسني، تهدهدني بأناملها، كي أولد من فوهة الخيال، وأرتمي في حضن الكتابة، بعد عناء جميل مثقل بصدق اللحظة. في القصيدة أجد خلاصي. أحيا عمرا آخر. أرتب فصولا أخرى، أجدد طاقة لم أكن أدركها، فتمنحني القصيدة التوهج في الزمن وتخلصني من كل أنواع الذل والمهانة.
ماهي المراحل التي تمر منها قصيدتك؟
ــ القصيدة لا تدق أبوابي، بل هي تفتح نوافذ صمتي على مصراعيها، لاتآتيني بالمواعيد كي أهيئ لها موائدة الدعوة. إنها تقتحمني بكل جرأة، لا أعرف من أين تمر، ولا أدري ماهي المعابر التي تقطعها كي تصل إلي .كل ما أعرفه أنها تعبرني، بكل جبروتها، وقوتها، وفضولها، ومتعتها كي تسكنني كالجذبة وتنتشلني من عمق ذاتي و عمق فوضاي ، ومن صلابة الخجل، إنها تتجلى صورة، وصوتا و تتأرجح بين فتنة الخيال وصدق البوح الصادق .إنها ترقص أمامي كالفراشة، تعلمني كيف أحلم، وكيف أطير فوق السحاب حاملة معي نبض الحرف، إنها تفيض في خيالي، كالحلم في يقظة عابرة، تهديني مدن العشق والسؤال، فتصير صمتا وحرفا وحنينا يخط معاناة صادقة. إنها تتنفس كل الكائنات داخل عوالم الغياب الذي يسكنني. أكتب قدري، وأهيم معه، فأصير بين يدي نص يلهو بي كما يشاء، أخضع لهذا الانكسار،ولا يخلصني منه إلا القصيدة. إنها مواجهة للقدر بكل الجوارح.
هل سبق لك أن ندمت على قصيدة لم تكتبينها بعد أو كتبتها في وقت مضى؟
ــ كالجرح في القلب لا يعرف الالتئام، كل مرة عدت فيها إلى صفاء نفسي إلا وطرحت هذا السؤال، الذي يشاكسني، إنها ملحمة الشك. دائما أحس أنني لم أكتب شيئا، فتخونني كل خيالاتي، لكنني كل مرة أحس فيها أن النص خذلني ولم يعد لي. دائما أجدني أعود إلى البداية، وأقول أنني لم أكتب بعد. كل نص يأخذ قطعة مني. يأخذ أنفاسي، مدني، عوالمي، فأحس أنني أهديت لهذا الكائن كل شيء. إنه تيه مسافر على صهوة الكتابة.
هل فعلا كل قصيدة كتبتيها توازي خصلة شعر بيضاء في رأسك؟
ــ الشعر كالعشق، إنه رعشة باذخة، تهزك وتهمس لك بوقار مدهش. إنه صيرورة الحياة. لاحياة بدون هواء، لا حياة بدون شعر. أحيانا أكون مهووسة بشهوة أن أكتب لكن لا أخط حرفا واحدا وأحيانا أخرى أحس بنزلة الشعر، كأنه يصارعني، يهزمني فأشتعل متعة، فتراني أنحت في الماء، أصب النار فوق ورقي كي يخرج النص من رموش الحرف ويسكنه الضياء، هكذا أكون قد صرت مدمنة شرب الخيال كي يخرج مصفى كالبياض. وتنحني القصيدة في محراب الكتابة.
شهد العالم العربي تغييرا في أنظمته، هل تنتظري مثل هذا التغيير والثورات في الثقافة والابداع، وهل سيطول موعد تحقيق ذلك؟
ــ لا يختلف اثنان حول غياب المثقف مما حدث في الوطن العربي مؤخرا، بل هناك رصد لغيابه بل وعدم قدرته حتى على استيعاب الحدث. غير أن هذا الحراك لن يمر دون أن يؤثر، هذه المرة بشكل معكوس، على المثقف بحيث سيدفعه إلى إعادة النظر في الكثير من قيمه وتصوراته، بل وعلاقته بالجماهير بشكل عام، والقارئ والمتلقي بصورة خاصة. لذلك نحن في أمس الحاجة إلى ثورة ثقافية، فكرية، معرفية وفنية توازي الحراك الجماهيري الذي لن يحقق ما نأمله، في ظل غياب مشروع ثقافي ومجتمعي وحضاري يساهم في صياغته المثقف.
/9/2012 Issue 4304 – Date 15 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4304 التاريخ 15»9»2012
AZP09