السياسة الممنوعة – كامل الدليمي
لم يعد مقبولاً أن تبقى دول الإقليم رهينة العجز السياسي والاقتصادي، أسيرة فوضى داخلية وتبعية خارجية تفتح أبوابها لكل عابر، وتجعلها ساحة صراع مفتوحة أمام القوى الكبرى. لقد أثبتت التجارب أن مجرد تهديد من الخارج يكفي لشل القرار الوطني، وإرباك الداخل، ودفع بعض الحكومات إلى التنازل عن سيادتها وكأنها ورقة ضعيفة في لعبة الأمم.لقد تحولت السياسة في منطقتنا إلى مسرح للارتجال، تتحكم بها ردود الأفعال والمصالح الضيقة، بينما تراجعت عنها الرؤية الاستراتيجية التي تصون المصالح العليا وتحمي الشعوب. الفوضى لم تعد طارئة أو عابرة، بل أصبحت نمطاً سائداً يتكرر من أزمة إلى أخرى بلا بداية معلومة ولا نهاية منظورة، والسبب أن الدول استبعدت مواطنيها عن دائرة القرار، وفشلت في بناء قوة داخلية صلبة تُحصّنها من الانهيار أمام أي ضغط خارجي.إن الطريق إلى الخروج من هذا المأزق لا يكون بالشعارات ولا بالخطابات الفارغة، بل بإعادة بناء منظومة القوة الوطنية على أسس راسخة؛ قوة تبدأ من اقتصاد منتج مستقل لا يقوم على الريع ولا على القروض المشروطة، وتمتد إلى مؤسسات عادلة نزيهة تحارب الفساد، وتستند إلى الكفاءة لا إلى الولاء. ولا بد أن تعود الدولة إلى شعبها، فهو مصدر الشرعية الوحيد، وبدونه لا يمكن لأي مشروع أن يصمد. كما أن الإقليم بحاجة إلى وحدة موقف حقيقية، فالتشرذم والانقسامات الداخلية لا تخدم سوى القوى الكبرى التي وجدت في هذا التفتت مدخلاً دائماً لفرض وصايتها وهيمنتها. السياسة الممنوعة في منطقتنا ليست تلك التي تسعى إلى القوة، بل تلك التي استسلمت للضعف وجعلت من التبعية قدراً محتوماً. وإذا لم تدرك دول الإقليم أن أمنها لا يُحمى إلا بإرادتها الداخلية، وأن مكانتها لا تُستعاد إلا بالمبادرة لا بالانتظار، فإنها ستبقى تدور في حلقة الأزمات، بينما يُكتب مستقبلها على موائد الآخرين .