السلم المجتمعي.. على من تقع المسؤولية؟ – نورهان شيراز

نورهان شيراز

من المسلم به أن المسؤولية عن حفظ الأمن والاستقرار في أي دولة تقع ضمن صلاحيات القيادة العسكرية العليا، مثل القائد العام للقوات المسلحة، ووزيري الدفاع والداخلية. ومع ذلك، فإنه في بعض الأحيان، نلاحظ تراجعًا أو تغييرات في التوجهات السياسية والعسكرية لبعض الدول، وهو ما قد يؤثر على الوضع الأمني في المنطقة.

على سبيل المثال، إيران قد تخلت مرارًا وتكرارًا عن بعض أطرافها وأذرعها في المنطقة العربية، بما في ذلك العراق، مما يثير تساؤلات حول تأثير ذلك على السلم المجتمعي.

في السياق ذاته، وقع حادث مثير للجدل في الأيام الأخيرة، حيث تلقيت اتصالًا هاتفيًا من مدير ناحية المنصور، وهو الاتصال الثاني من نوعه، بسبب منشور يتعلق بالمركز الإعلامي لشهداء بسبب استقطابي الجهات الأمنية وعسكر المركز الإعلامي للشهداء، بالإضافة إلى تدمير متحف الشهداء والأرشيف، وذلك أثناء زيارة قائد عمليات بغداد الكرخ، الذي كان مبعوثًا من قبل وزير الداخلية. وقد طمأن هذا المسؤول وجهاء وشيوخ العامرية وعوائل الشهداء بأن وزير الداخلية سيسحب كافة الجهات الأمنية من المكان ولن يسمح بتحويل المركز الإعلامي إلى “سجن” للتسفيرات الخاصة بالأجانب.

هذا الموقف يعكس حجم الإشكاليات التي يعاني منها العراق، مدينةً ونظامًا سياسيًا، حيث نكبت المدينة مرتين: الأولى في عام 1991، والثانية في حادثة مقهى دبي. ومن غير العدل أن تتعرض هذه المدينة لنكبة أخرى، كما ورد في حديث السيد مدير الناحية.

لقد حذرت سابقًا من أن المركز الإعلامي قد يتحول إلى مكان للتسفيرات، وهو ما أكدته من خلال المرصد. وفي ما يتعلق برسالة تلقيتها من مدير الناحية، فقد طلب مني شطب المنشور الذي انتقدت فيه هذه المسألة، مشيرًا إلى أنه ينفذ تعليمات وأوامر رئيس مجلس المحافظة. وهنا يطرح السؤال: هل المركز الإعلامي هو ملك خاص لمدير الناحية؟

إن هذا التساؤل يقودنا إلى مسألة مهمة حول صلاحيات مديري النواحي والاقضية في العراق، خاصة فيما يتعلق بالمراكز والمرافق العامة. لماذا لا توجد دوائر حكومية واضحة لمديري النواحي التي تمنحهم حق التصرف المطلق في الأماكن العامة؟

يجب التنويه هنا إلى أن المركز الإعلامي لشهداء ملجأ العامرية ليس ملكًا شخصيًا لمدير الناحية. بل هو جزء من موقع تاريخي حافل بالأحداث. يعتبر هذا المركز تابعًا إلى وزارة الثقافة، باعتباره مقتطعًا من مقتربات الملجأ ويشمل قاعة كبيرة لمتحف الشهداء. بالإضافة إلى ذلك، يتبع هذا الموقع، ضمنًا، إلى وزارة الداخلية، ويخص الدفاع المدني الذي يشرف على الملجأ رقم 25، وهو مكان يشهد على جريمة إبادة جماعية، حيث تعرض لهجوم خلال حرب الخليج.

منذ تلك اللحظة، أصبح هذا المكان ملكًا للدولة، تحديدًا وزارة المالية. ومع ذلك، هناك شرط مهم يتعلق بالحماية الدولية لهذا المكان، نظرًا للعديد من القضايا الدولية المرتبطة به، وهو ما أكدته لي منظمة العفو الدولية.

ومن هنا، يطرح السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يجوز لمدير ناحية أو رئيس مجلس محافظة أن يتصرف في أمور تمس أمن المجتمع؟ وهل من المنطقي أن يكون صوت هؤلاء المسؤولين أقوى من الأصوات التي تهدف لحماية المجتمع وسلامته؟ الجواب يظل معلقًا، لكنه يشير إلى ضرورة حماية الأمن المجتمعي من سطوة هؤلاء المسؤولين المحليين.

وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على ضرورة تحقيق السلم المجتمعي كحل للأزمات والتداخلات بين الإدارات. فليس هناك ما يعلو على صوت الوطن، ويجب أن نتذكر دائمًا أن التبعية لأي جهة خارجية تعني الخيانة. وإن تهديد السلم المجتمعي هو أخطر أنواع الخيانة.

الأمن المجتمعي لا ينبغي أن يكون في أيدي الأشخاص الذين يسعون إلى خدمة مصالحهم الشخصية أو الإقليمية، بل يجب أن يكون هدفًا مشتركًا يسعى الجميع لتحقيقه من أجل مصلحة الوطن والشعب العراقي.

مشاركة