الزيدي يضع قياسات للزمن العصيب

فنان كويستيان رواية تبهر القراء

الزيدي يضع قياسات للزمن العصيب

عبد الحسن علي الغرابي

ما كنت أتوقع أن أول جملة في لحظة البدء بقراءة رواية ـ فندق كويستيان ـ أبهرني الروائي خضير الزيدي بفطنته ونباهة حسه ، ونظرته الثاقبة التي تميزه عن الكثير من أبناء جيله ، الجملة الأولى لها وقع في نفسي ، توقفت أتأمل أبعادها المحزنة، وهو ملم ويعي ما يقول (في هذه اللحظة بالذات تجاوز عمري الخمسين سنة عراقية .. وعندما أقول عراقية فقد عنيتها تماما ..) في هذه اللحظة أعادني للوراء لستينات القرن المنصرم عندما كنت أقرأ رواية سارتر دروب الحرية الجزء الثالث الحزن العميق .. كان الزيدي يعنيها تماما ، (السنة العراقية) تختلف عن السنين في كل بلدان العالم اليوم ، عيون الراوي تنقل الواقع بامانة و بصدق ، يصف المكان ب (الجمرة) يقصد بذلك بغداد مسرحه من فندق كويستيان حتى شارع المتنبي ، العاصمة كانت بركان يلهث بالموت والدمار مثلما يصفها بطل الرواية ناصر رشيد فوزي ، كرة نار متوهجة تتدحرج ليهرب أهلها يتزاحمون على المطارات والكراجات ،والناس في بغداد لاتطيق بعضها البعض ، النزاع الطائفي والتناحر قائم على قدم وساق ، ما كان ناصر نصف مجنون ونصف عاقل ليوقعه الروائي بين المطرقة والسندان ، هذا ما يؤكد وجودية الكاتب بتمرد شخصيات روايته في وضع مأزوم ، ألا أن الحب لرباب ومخطوطة الرواية (حديث الريم) استهوى جنون كاكا ناصر بالعودة الموقته ليؤكد القول الشائع ومن الحب ما قتل ، عاد البطل متحديا بجنونه كل ما يجري على ارض الجمرة ، قد يتبادر للذهن أول الأمر أن رباب ترمز الى بغداد قلب الوطن الملتهب في خيال المتلقي ، الواقع أنها سيدة أرملة لازالت تعيش في جنوب غرب كرخ بغداد ، جمعتها الصدفة بالبطل أثناء البحث عن جثة زوجها المفقود بحرب ألثمان ، أحبها لتكون سببا لنهاية مفجعة ترميه في براد الطب العدلي ..

ص 94 (رباب حسن تسكن في بغداد لها أخوة يعملون في سوق الكواز في الشورجة .. متزوجة من أبن عمها حاتم علوان .. زوجها تخرج من كلية الادارة والاقتصاد والتحق فور تخرجه كحال أقرانه في الخدمة العسكرية الاجباريه في حرب الثمان لمدمره ..) رباب التي تعلق قلب كاكا ناصر بحبها من طرف واحد ، وهي بطلة روايته (حديث الريم) المركونه في احد زوايا دار نشر بشارع المتنبي كانت سببا آخر بعودته من المانيا العراقي الذي يحمل الجنسية الالمانيه ، ليتحول ناصر رشيد فوزي الى بندول يتحرك في جحيم بركان بغداد أيام فوق السبعة بين فندق كويستيان وشارع المتنبي ، للبحث والمتابعة وولعه في سرد الذكريات التي شكلت أعمدت بناء رواية الحزن العميق .. الزيدي بخياله الخصب وضع قياسات للزمن العصيب وفق لعبة السبعة المحظوظة ، صنف السنين العراقية السود في حرب الثمان سنوات بتحت السبعة ، سنين الموت والدمار واحتدام الصراع الطائفي عام 2007 بفوق السبعة وأتقن اللعب بمهارة وأدار حراك اللاعبين وشخص من قفز بانتهازيه كبهلوان يعرف من أين يؤكل الكتف أو كما وصفه الكاتب (رزق البزازين)

الفصل 22 ص 141 (قفز حماده من عالم تحت السبعة الى عالم الفوق برشاقة كبطل لسباق الموانع  حاله حال الكثيرين الذين فرضت ظـــروف البلد الجديدة وتحـــــولاته .. تعلم قفز الموانع والانتقام السـري بكل الطرق المتاحة ..) أرخ ووثق المؤلف بهذا المنجز معانات مريرة عاشتها بغداد وهي تئن من جرح عميق دامي وسط معارك طاحنة وحوادث قتل وتفجيرات وتناحر طائفي ، عصابات منظمه ، سيطرات وهمــــــيه ، خطف واغتصاب ، فوضــــى خـــــلاقه ، يصـــفها الكاتب : نحن نعيش في ســــنة السبـــعة المنحوسة ، ما دونها غـــــائم وما فوقها ليــــل معتـــــم ..

يوم 31 \ 10 \ 2013 جرى الاحتفال بتوقيع رواية (فندق كويستيان) في قيصرية شارع المتنبي وكان لي من الطيب نصيب .. نبارك المؤلف المتالق بهذا المنجزالمختوم بتوقيعه الكريـــم