الرمزية والتناص عند التميمي – نصوص- كريم جبار الناصري
في مشروع قرائي ونقدي لمجموعة كتاب عرب على صفحات الفيس بوك (مجموعة القصة القصيرة جدا في العراق )نتطلع على نصوص وقراءات جادة في توجهها النقدي لمعاينة النــــــص تحليلا وتفكيكا وهذا ما لمســــــناه في قراءة الكاتبة والناقدة هيفاء مــــــجدلاوي من مصر لنص القاص كامل التميمي من العراق وارتأينا ان نستعيد قراءتها لتكون بين الصحف الــــــورقية لبــــــيان التفاعل الثقـــــافي والأدبــــي .
– النص –
سوداء…؟!
أقسمَ الولاةُ أنْ لا يقرَبوا “الشّجرةَ” … فانْسحبَ الشّيطانُ مِنَ المعركةِ…! الرعيّةُ مازالوا يبحثونَ ورَقٍ يخصِفونَ به جراحاتِهم. بدأت الناقدة حديثها عن عنوان النص والدلالة السيميائية للعلامات فقالت :
عنون الكاتب النص بعنوان سوداء وأشار إليها بعدة نقاط ثم علامة استفهام وكأنه يترك للقارئ منذ الوهلة الأولى أن يتفكر بما يعنيه القاص من مدلول لتلك الكلمة سوداء تعني مؤنث الأسود جمعها سوداوات وسود ..
وأكدت على تناول الرمزية في النص :استخدم الكاتب الرمزية منذ الوهلة الأولى للنص ونستدل هنا بتوظيف الألوان كعنصر من جماليات النص لما يعكس مدلوله في نفسية الإنسان وتأثيره الفيزيولوجي عليه ..اللون الأسود قد يدل على الحزن ، الخطيئة ، الظلام ، القسوة وقد ورد اللون الأسود 7 مرات في القرآن الكريم ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، فأما الذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ) آل عمران آية رقم 106″ .. بدأ الكاتب في بداية النص بالفعل الماضي (أقسم الولاة) وهنا تشديد على جدية الأمر وجلله حتى أنه بدأ بالقسم بما لا يحيل إلى الشك والريبة لن يقرب الولاة الشجرة ، وكأنه يعود بنا إلى أصل الخليقة من آدم وحواء عندما كانا في الجنة وأمرهما الله عز وجل لا تقربا هذه الشجرة وهي الخطيئة التي نزلا بموجبها إلى دار العناء والبلاء من جهد ومشقة بعد نعيم الجنة والراحة كعقاب ونتيجة لتلك الخطيئة ( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )” سورة البقرة آية رقم 35 ،..
فيما أوضحت دلالة التناص في تلك الآية :إنه تناص يرمز فيه للبعد الحسي والإدراكي فالولاة أقسموا أن يكونوا من الصالحين لن يخطــــئوا ولن يتلاعبوا بل سيأمرون بالعدل والإحسان ويقيمون الميزان لينعم الرعيـــــة بالحياة وكنـــــتيجة لتلك القسمة انسحب الشيطان من المعـركة ، ..
وأعطت راءيها بمضمون النص :الكاتب هنا يصف حال الوطن وطنه الذي يعيش أحداثه ويستنشق هواءه وبصفة أعم حال أمتنا العربية بأكملها وكأنه لسان حاله يقول انسحب الشيطان برمزية التدخل الأجنبي من الوطن وتولاها ومسك زمام أمورها من وعد بالإصلاح والصلاح وازدهار الوطن ، يكمل القاص ليدخل في تماهي مع صورة أخرى لتتمازج مع الحال الرعية ، الرعية ما هو حالهم … ماذا أصابهم ما زالوا يبحثون عن ورق التوت التي قد تستر عورتهم وتخصف جرحهم الدامي من قتل وتجويع وترويع من تهجير وتفجيرات وما زال البحث مستمرا أين الخلاص أين المفر ، الشيطان الذي يتحكم انسحب لكن الأمن والأمان لم يعد ولا ألاستقرار .. أعود لتناصه مع القرآن في بداية نصه هل يريد العودة لمظلة تحمي الإنسان والإنسانية يشير إلى بداية البشرية وأن الإنسان مكن حقه العيش بكرامة ورغد هكذا خلقه الله عز وجل وأن لا يهان ، ذكر القاص ما زالوا وهي استمرارية الحدث والمعـــاناة والبحث عن ورق توقف ذاك النزيف الدامي وتلك الجراحات العميقة في جسد الوطن وأبناءه.وأثنت على الكاتب في توظيفه للرمزية : أجده من خلال توظيف الرمزية العالية وكأنه يتساءل ويفكر لماذا يحدث كل هذا إذا كان الولاة بكل نزاهة وشفافية سلموا نفطهم وخيرات بلدهم وثروته إلى الغير ولن يقربانه وأستدل على الشجرة أنها مثمرة ومعطاءة وخيّرة ولـــــكن ليست لهم فالرعية يعانون من فقر ونقص في الماء والكهرباء والحصول على نفط هو بالأصل ملكا لهم لا يِسمح لهم بالاقتراب منه ، ..نص جميل ووظف فيه الرمزية بمستوى عال حتى يشرك القارئ بخبايا النـــــص وما بين الســـــطور بجذبه ويجعله يفكّر ويتفكّر تحياتي للقاص المبدع كامل التميمي وأسأل الله الأمن والأمان لكل وطننا الـــــــعربي وأمتنا العربية كافة .

















