
الدولة الكردية والدولة العربية
فاتح عبدالسلام
لو رجعنا الى البيانات والتصريحات السياسية التي كان البيت الأبيض يصدرها عام في أيام حرب عاصفة الصحراء لتحرير الكويت من غزو النظام العراقي السابق ، لوجدنا مفردات مبكرة كانت تشدد على وحدة أراضي العراق بالرغم من أن النظام كان خارجاً من حرب كبيرة مهزوماً بامتياز. وبالرغم من ان الحديث عن خيار تقسيم العراق كان يبدو غريباً لا محل له من الاهتمام في ظل وجود انظمة عربية قوية لم تهتز يوماً وأولها كان النظام في سوريا.
اليوم لا تزال الولايات المتحدة بعد ربع قرن من الزمن تتحدث بنفس الثقة عن وحدة أراضي العراق من دون الخوض في تفاصيل كثيرة ، في الوقت الذي يشير كلامها الى واقع مختلف تحاول القفز عليه أو تحاول أن لا تبدو في واجهة الصورة .
عملياً، لم يعد العراق موحداً منذ أول حكومة جاءت الى بغداد بعد الاحتلال الامريكي . حيث كانت المحاصصة القاعدة التشريعية الحقيقية التي فرضت واقعاً جديداً في العراق لا يمت بصلة الى العراق الموحد إلا من خلال عناوين المناصب الكبيرة في الدولة ، وهي عناوين لم يجر ملؤها بشكل يقنع العراقيين بالرغم من الانتخابات وبعض الألعاب التي تدور في فلك الديمقراطية السياسية النخبوية المختارة والمقننة.
اقليم كردستان العراق كان الأوضح في طروحاته منذ البدء وتحدث عن حقه في الفيدرالية التي ينص عليها الدستور المقر في بغداد كما تحدث عن حق تقرير المصير المؤجل لاعتبارات دولية واقليمية للأكراد كأمة لها عمق تاريخي وجغرافي ولغوي وتكويني مستقل بذاته لكنه مندمج في التشكيلة السياسية العراقية طوعاً أو كرهاً في خلال العقود الأخيرة لاسيما منذ حكم البعث عام .
عندما كانت الأمور غير واضحة ومتأرجحة في ظل وجود القوات الامريكية المهيمنة كان مشروع اقليم جنوب العراق على الطاولة وفي درج قيادات سياسية في الجنوب للتلويح به عند الضرورة ، وحين استقرت السلطة وبايحاء من ديمقراطية مقننة ومفصلة على القياس بيد أحزاب وأشخاص وأتباع أصبح الخيار السياسي هو الدولة المركزية التي تكاد لا تعترف بالنص الاتحادي في الدستور إلا مضطرة وبشكل عابر .
شخصان في واشنطن اليوم من الحقبة المظلمة في العراق يروجان لاقاليم جغرافية في نينوى والأنبار، في مسعى للحاق بالركب المغادر الى محطات جديدة في حياة العراق . وهذا تقسيم في التقسيم .
لا أحد يجرؤ على أن يكون مثل الكرد الذين يطالبون بحقهم التارخي الضائع في قيام دولتهم ويعلن علن قيام الدولة العربية الموحدة في العراق. كل ما يتم عرضه في الموصل والانبار ومناطق اخرى هي مشاريع للذين طواهم الزمن ويعيشون في الاوهام ويريدون مقارنة وضعهم الاداري والشعبي الهش بما يمتلكه الاقليم الكردي من استقرار وثبات ووضوح في الرؤية.
رئيس التحرير
لندن


















