الهيتي في تربيعه الشعري
التسامي الإنساني القائم على التخيل – نصوص – علوان السلمان
الشعر..حالة من التسامي الانساني القائم على التخيل لخلق نص يتجاوز جغرافية المكان والمالوف فيختصر المسافات..
والشاعر سبتي الهيتي في نصه الشعري التشطيري(زيارة لرحاب الحسين)المنشور على صفحات الف ياء الزمان العدد 4964 في30/11/2014..والذي يتماهى وقصيدة الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد(في رحاب الحسين) تربيعا شعريا..كونه نصا نسجته قامة شعرية واضافة خلاقة لمسيرة الشعرية الحديثة.
والتي فيها يمزج الشاعر بين العناصر التاريخية ليبثها في بوتقة الرؤى المعاصرة بسردية تاملية مبنية على الوصف..فضلا عن استلهامه الواقعة الكربلائية باعتماد ثنائية(الذات والموضوع)(الحضور والغياب)(الماضي والحاضر) بصور ومشاهد توزعت على امتداد النص مما دعا الشاعر الهيتي لتشطير النص وتربيعه كاشتغال شعري وليد لفن النقائض الذي بلغت ذروته في العصر الاموي مع جيل(الفرزدق وجرير والاخطل..)..مرورا بالمطارحات و المعارضات التي يحاكي فيها الشاعر شاعرا آخر في وزن قصيدته وقافيتها وموضوعها والغرض من ذلك هو الحرص على التفوق في الصياغة والصور والمعاني..وانتهاء بالتشطير والتربيع..اللذان يشكلان فنا من فنون البلاغة وزخرفة القول..الا وهو فن البديع الذي هو احد ثلاثة علوم بلاغية(البيان والمعاني والبديع الذي يعني بالمحسنات اللفظية كالجناس والمعنوية كالتورية..ومن اشهر القصائد التي شطرت وخمست قصيدة البردة للبوصيري وقصيدة(ياجارة الوادي)لاحمد شوقي وقصيدة(الحب المكتوم) للعباس بن الاحنف التي شطرها وربعها الشاعر محمد فايد عثمان .منها…
ابكي الذين اذاقوني مودتهم ماء زلالا وعيشي بينهم رغد
اطوي النهار على عشقي لهم بددا واحجب الهم عنهم لا يرى بدد
واسهر اللـــــيل ارعى نجم طلعتهم حتى اذا ايقظوني في الهوى رقدوا
وهذا يعني حضور النص(الغائب) الذي مطلعه..
ابكي الذين اذاقوني مودتهم حتى اذا ايقظوني في الهوى رقدوا
في اللحظة الشعرية كونه يشكل ارضية لحظة الكتابة يسهم الشاعر المشطر في توسيع مساحته ومعناه مع تحكم في الايقاع النفسي وتفتح البؤر الدلالية المنبثقة من البناء الفني(العمودي)الذي هو الفضاء الارحب بنظر الشاعر في استيعاب العصر وايقاعه وتنوع تجاربه وهواجسه ومتطلباته..
قدمت وعفوك من مقدمي جريحا ودمعي على معصمي بقلب تصـــــــدع مما اراه ووجه خجــــــــــــول بدون فم
قصدتك والله رغم الهوانحسيرا اسيرا كسيرا ظمي
قدمت لاحرم في راحتيك فبينهما لن يراق دمي
وبينهما سعة من خــــــــلاق تفيض بها نعمة المنعم
وزغب الحواصل بي يحتمون سلام لمثواك من محرم
فالنص يقوم على الصورة الشعرية الاداة التي تكشف عن اصالة التجربة الشعرية وتشكل جوهر العمل الشعري وفيها تتحقق ذات الشاعر موضوعيا كون الشعر(صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير)كما يرى الجاحظ الذي قرن القصيدة بالصورة التي تشكل الرابط بين جزئيات النص الذي من خلاله تتم صياغة الالفاظ صياغة حاذقة تهدف الى تقديم المعنى تقديما حسيا وتشكيله على نحو صوري يشكل والايقاع بنية النص الشعري ويسهم في اثراء دلالاته..لذا ارتبطت صور الشاعرالفنية التي هي(رسم قوامه الكلمات) على حد تعبير الشاعر الانكليزي سيسل دي لويس..بالجانب الحسي..البصري الذي اسهم في اظهار مجالات الجمال وتصوير المعنويات والمجرد من الاشياء..مما دعا الى تمازجها والمصادر الخارجية(حسية/موضوعية)بالذات الشاعرة التي توظف وسائل التعبير الفني من اجل تفجير طــاقات اللــــغة وامكاناتــــها الكــــامـنة في الدلالــــة والتــــركــــيب والايقــــاع..
قدمت وعفــــــــوك من مقدمي بصدر عليل وقلب ظمي
ففي (هيت) ارهب اهلي الغزاة وخرب بيتي بها العلقمي
وافزع طفـــــــلي بها الغاصبون فجئتك امشي على معصمي
لقد قـــــلت للنفـــــس هــــــذا طريقك فـــــيه مشيت ولم تندمي
وخلفك سارت نفوس اباة تثور بها نخوة المكرم
فقلت لها هو هذا الخلاص لاقي به الموت كي تسلم فالشاعر في نصه التشطيري الذي هو(لعبة من التداخلات المنفتحة والمنغلقة في آن)على حد تعبير (دريدا)..يضفي وجها فنيا لتجربته الشعرية التي تحققت في منجزه الذاتي البعيد عن تجربة الاخرين..اذ يعمد الشاعر الى تشطير القصيدة مراعيا تناسب اللفــــظ والمعنى بين الاصل والــــفرع..ومذ كنت طفلا وجدت الحســــين عزاء مهيبا مــــــع الماتم
عظيما يبارك حزن النفوسويحنو بعطف الاب الارحم
فايقنت ان رحاب الحسينحساما ترصع بالانجم
فالشاعر يفصح بتعبير دقيق عن شخصية(الحسين)المنارة المشرئبة التي تعانق عنان السماء فكانت فعلا رامزا بابعادها الاجتماعية والنفسية والفكرية..فتمثلها نصه واعيا وثاقبا لتجربة الواقع الموضوعي بمظاهرها التاريخية والاجتماعية والثقافية عبر لغة مكتنزة بتشكلها التعبيري وادائها الادبي والتي تكشف عن قدرة في صياغة الافكار والمشاعر والانفعالات والموقف من الحياة بتميز ودقة في التعامل الخلاق مع اللغة واساليبها البلاغية(االجناس/الطباق/المقابلة/التكرار..)لخلق الصورة الشعرية التي تسهم في نبش الخزانة الفكرية وتحقق المتعة والمنفعة..وعناصر الموسيقى الشعرية بدءا من الوزن والقافية ومعطيات الواقع والتراث بمختلف عناصره لتحقيق وظيفتين اساسيتين:اولهما الوظيفة الفنية المنحصرة في محاولة الشاعر ان يجعل كل ما يضيفه للنص الاصلي في مستواه ابداعيا ومن ثم الاسهام في توسيع دلالاته ومعانيه..وثانيهما الوظيفة التواصلية.. بجعل ما يضاف للنص الاصلي محققا لبعده الاجتماعي والانساني المقصود.. وبذلك قدم الهيتي نصا شعريا بانوراميا مشاركا ومتجاوزا للمالوف في نسجه وبلاغته بحـــــكم اتقانه نظم الكلم والقوافي وقــــــراءة ذاكرة التاريخ والمزاوجة بين الازمـــــنة بحـــــس وجــــــداني مــــع قــــدرة على التــــــصوير بخيال محلق ومتماهي والمــــفـــهوم الانساني.



















