الاختبارات التكنولوجية تنهي استخدام الحيوانات في ابتكار الأدوية

باريس‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬شهدت‭ ‬إدارة‭ ‬الغذاء‭ ‬والدواء‭ ‬الأميركية‭ (‬اف‭ ‬دي‭ ‬ايه‭ ‬FDA‭) ‬منعطفا‭ ‬حاسما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬ابتكار‭ ‬الأدوية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التخلّي‭ ‬تدريجيا‭ ‬عن‭ ‬اختبارات‭ ‬الأجسام‭ ‬المضادة‭ ‬وحيدة‭ ‬النسيلة‭ ‬على‭ ‬الحيوانات،‭ ‬وهي‭ ‬علاجات‭ ‬تستخدم‭ ‬تحديدا‭ ‬لمعالجة‭ ‬الأورام‭ ‬وأمراض‭ ‬معقدة‭ ‬أخرى‭.‬

‭ ‬ويرمي‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬إلى‭ “‬تسريع‭ ‬عملية‭ ‬ابتكار‭ ‬الأدوية‭”‬،‭ ‬وخفض‭ “‬تكاليف‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬وبالتالي‭ ‬أسعار‭ ‬الأدوية‭”.‬

وأكدت‭ ‬إدارة‭ ‬الغذاء‭ ‬والدواء‭ ‬أن‭ “‬آلاف‭ ‬الحيوانات،‭ ‬بينها‭ ‬كلاب‭ ‬وقردة،‭ ‬ستُنقَذ‭ ‬سنويا‭ ‬بفضل‭ ‬اعتماد‭ ‬هذه‭ ‬الأساليب‭ ‬الجديدة‭”. ‬وقد‭ ‬فتحت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬المجال‭ ‬لبيع‭ ‬الأدوية‭ ‬المُبتكرة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالحيوانات‭.‬

وبدأت‭ ‬راهنا‭ ‬تتخذ‭ ‬خطوات‭ ‬فعالة،‭ ‬إذ‭ ‬تعتزم‭ ‬إطلاق‭ ‬برنامج‭ ‬تجريبي‭ ‬يتيح‭ ‬لمصنعي‭ ‬الأجسام‭ ‬المضادة‭ ‬وحيدة‭ ‬النسيلة‭ ‬إجراء‭ ‬الفحوص‭ ‬الكاشفة‭ ‬عن‭ ‬السمية‭ (‬تُجرى‭ ‬قبل‭ ‬إجراء‭ ‬التجارب‭ ‬على‭ ‬البشر‭) ‬من‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬اختبارات‭ ‬على‭ ‬الحيوانات‭.‬

وتأتي‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تخطط‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬لإلغاء‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬وظيفة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬والهيئات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والوكالات‭ ‬الصحية،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬مخاوف‭ ‬بشأن‭ ‬تأخير‭ ‬إصدار‭ ‬الموافقات‭ ‬على‭ ‬الأدوية‭ ‬الجديدة‭.‬

وعلى‭ ‬أوروبا‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬تحدّد‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬الإجراءات‭ ‬اللازمة‭ ‬للتخلص‭ ‬تدريجيا‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬على‭ ‬الحيوانات‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬سلامة‭ ‬المنتجات‭ ‬الكيميائية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأدوية‭.‬

لا‭ ‬تزال‭ ‬القوانين‭ ‬الأوروبية‭ ‬تشترط‭ ‬إجراء‭ ‬اختبارات‭ ‬على‭ ‬الحيوانات‭ ‬قبل‭ ‬إصدار‭ ‬ترخيص‭ ‬ببيع‭ ‬الدواء‭ ‬أو‭ ‬المنتج‭.‬

إلا‭ ‬ان‭ ‬الابتكارات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬توفر‭ ‬بدائل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأبحاث‭ ‬الطبية،‭ ‬بحسب‭ ‬لجنة‭ “‬برو‭ ‬انيما‭” ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تسريع‭ ‬التحوّل‭ ‬نحو‭ ‬البحوث‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستعين‭ ‬بالحيوانات‭.‬

وتشكل‭ ‬هذه‭ ‬الابتكارات‭ ‬فرصة‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬النماذج‭ ‬الحيوانية‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬بالتنبؤ‭ ‬بالسمية‭ ‬لدى‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬50‭% ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬بحسب‭ ‬الوكالة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفرنسية‭ ‬للأبحاث‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬تُعدّ‭ ‬العضيات‭ – ‬وهي‭ ‬أنظمة‭ ‬زراعة‭ ‬خلايا‭ ‬تنتج‭ ‬نسخا‭ ‬ثلاثية‭ ‬الأبعاد‭ ‬مصغرة‭ ‬من‭ ‬العضو‭ – ‬والأعضاء‭ ‬على‭ ‬الشرائح‭ ‬الكترونية،‭ ‬والتي‭ ‬تحاكي‭ ‬عمل‭ ‬العضو‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬بطاقة‭ ‬الذاكرة،‭ ‬أدوات‭ ‬تجريبية‭ ‬جديدة‭.‬

وهذه‭ ‬التقنيات‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬اختيار‭ ‬الجزيئات‭ ‬واختبار‭ ‬فعاليتها‭ ‬ودرجة‭ ‬سميتها‭ ‬باستخدام‭ ‬كمية‭ ‬قليلة‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬البيولوجية،‭ ‬وتتحدث‭ ‬عنها‭ ‬منظمات‭ ‬أبحاث‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬انها‭ ‬استجابة‭ ‬لقانون‭ ‬عن‭ ‬التجارب‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬الحيوانات‭.‬

ويبقى‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬سيتم‭ ‬أخذ‭ ‬هذه‭ ‬الأساليب‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬المفوضية‭ ‬الأوروبية‭ ‬بشأن‭ ‬تقييم‭ ‬المخاطر‭ ‬الكيميائية،‭ ‬والتي‭ ‬يُتوقَّع‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭.‬

و‭”‬كيف‭ ‬ستقوم‭ ‬هيئات‭ ‬تنظيم‭ ‬الأدوية‭ ‬بدمجها‭ ‬في‭ ‬معاييرها‭ ‬لقبول‭ ‬طلبات‭ ‬التسويق‭”‬،‭ ‬بحسب‭ “‬برو‭ ‬أنيما‭” .‬

تقول‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ “‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬أوروبا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬مبتكرة‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬المنافسة،‭ ‬فيتعين‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تتبع‭” ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬اتخذته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والهند‭ ‬التي‭ ‬ألغت‭ ‬إلزامية‭ ‬إجراء‭ ‬الاختبارات‭ ‬على‭ ‬الحيوانات‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬ابتكار‭ ‬الأدوية‭.‬

وكانت‭ ‬هولندا‭ ‬قد‭ ‬اتخدت‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬افتتاح‭ ‬مركز‭ ‬انتقالي‭ ‬وطني‭ ‬مخصص‭ ‬لطرق‭ ‬استبدال‭ ‬التجارب‭ ‬على‭ ‬الحيوانات‭ ‬والحد‭ ‬منها‭.‬

يعتبر‭ ‬مختبر‭ “‬ميرك‭” ‬الألماني‭ ‬أن‭ “‬من‭ ‬الضروري‭ ‬وضع‭ ‬خارطة‭ ‬الطريق‭ ‬هذه‭ ‬بواقعية‭”‬،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أنه‭ “‬نجح‭ ‬في‭ ‬خفض‭ ‬عدد‭ ‬الحيوانات‭” ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬أبحاثه‭ “‬بنسبة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬20‭%” ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الماضية‭.‬

ويضيف‭ ‬إنّ‭ “‬التحدي‭ ‬والعائق‭ ‬الرئيسيين‭ ‬لا‭ ‬يتمثلان‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬البديلة‭ ‬في‭  ‬ذاتها،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬الطويلة‭ ‬والبيروقراطية‭ ‬لقبول‭ ‬الأساليب‭ ‬البديلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السلطات‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭”.‬

وبينما‭ ‬بدأ‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الحيوانات‭ ‬في‭ ‬الأبحاث،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬تُعدّ‭ ‬سابقة‭ ‬لأوانها‭ ‬في‭ ‬الجراحة‭ ‬التنظيرية‭ ‬داخل‭ ‬الجسم‭ (‬القلب،‭ ‬والجهاز‭ ‬الهضمي،‭ ‬وأمراض‭ ‬النساء‭…)‬،‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬إجراؤها‭ ‬جزئيا‭ ‬على‭ ‬الحيوانات‭.‬

وحتى‭ ‬اليوم،‭ ‬لا‭ ‬توفر‭ ‬النماذج‭ ‬المختبرية‭ ‬والمحاكاة‭ ‬الحاسوبية‭ “‬استجابة‭ ‬لمسية‭ ‬واقعية‭ ‬للجراح،‭ ‬ولا‭ ‬يمكنها‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬النزف‭ ‬المرتبط‭ ‬بالثغرات‭ ‬الوعائية‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح‭”‬،‭ ‬بحسب‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الفرنسية‭ ‬للطب‭.‬

مشاركة