
الإعلام الرقمي.. تطوّر طبيعي أم تهديد – ريا سعد
شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تحوّلًا جذريًا في المشهد الإعلامي، مع الصعود السريع للإعلام الرقمي وانتشاره الواسع عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي. هذا التحول أثار تساؤلات كثيرة حول مستقبل الإعلام التقليدي، وفتح باب الجدل: هل يُعد الإعلام الرقمي تطورًا طبيعيًا لمسيرة الإعلام، أم أنه تهديد حقيقي لوسائل الإعلام التقليدية؟ لا يمكن إنكار أن الإعلام التقليدي، كالتلفزيون والراديو والصحف الورقية، شكّل لعقود طويلة المصدر الأساسي للمعلومة، وتميّز بالمصداقية والتنظيم المهني والالتزام بالمعايير الصحفية. إلا أن التطور التكنولوجي وتغير سلوك الجمهور، خصوصًا فئة الشباب، دفع نحو البحث عن محتوى أسرع، أكثر تفاعلية، وأسهل وصولًا، وهو ما وفّره الإعلام الرقمي بوضوح. الإعلام الرقمي يتميّز بالسرعة الفائقة في نقل الأخبار، وإمكانية التفاعل المباشر مع الجمهور، إضافة إلى تنوّع المحتوى واختلاف أشكاله بين النص والصورة والفيديو والبث المباشر. هذه الخصائص جعلته منافسًا قويًا للإعلام التقليدي، بل وأحيانًا متفوقًا عليه في الوصول والتأثير. ومع ذلك، فإن هذه السرعة نفسها قد تكون سلاحًا ذا حدّين، إذ ساهمت في انتشار الأخبار المضللة والشائعات نتيجة ضعف التدقيق المهني في بعض المنصات الرقمية. من جهة أخرى، لا يمكن اعتبار الإعلام الرقمي تهديدًا مطلقًا للإعلام التقليدي، بل يمكن النظر إليه كتطور طبيعي فرضته المرحلة الرقمية. فالعديد من المؤسسات الإعلامية التقليدية نجحت في التكيّف مع هذا التحول من خلال إنشاء منصات إلكترونية، وتفعيل حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لتجمع بين مصداقية الإعلام التقليدي ومرونة الإعلام الرقمي.في المحصلة، الإعلام الرقمي لم يأتِ ليُلغي الإعلام التقليدي، بل ليعيد تشكيله ويدفعه إلى التطور. فالعلاقة بينهما لم تعد علاقة صراع بقدر ما أصبحت علاقة تكامل، حيث يبقى الإعلام التقليدي مرجعًا للثقة، بينما يوفر الإعلام الرقمي مساحة أوسع للانتشار والتفاعل. ويبقى وعي الجمهور وقدرة المؤسسات الإعلامية على التوازن بين السرعة والمصداقية هو العامل الحاسم في مستقبل الإعلام بشقيه.


















