الأغنية السبعينية ظاهرة لن تتكرر وثورة ثقافية شاملة

إبداع ومبدعون ومحطات لعقود من الزمن الجميل في القرن العشرين

 الأغنية السبعينية ظاهرة لن تتكرر وثورة ثقافية شاملة

حيدر شاكر الحيدر

بغداد

وفي بداية السبعينات ظهر صوت ريفي جديد انه ستار جبار ذلك الصوت الجنوبي من مدينة الناصرية مع زميل له لم يحالفه الحظ انه صوت فتاح حمدان الذي اشتهر الاثنين الاول باغنية (افز بالليل ابنص الليل) والثاني (كصة المودة) في عام 1972 تم تشكيل فرقة الانشاد العراقية وفي هذه الحقبة الزمنية تم تاسيس مجموعة مطربي الريف وتلك الاصوات الجميلة كاصوات (عبد الحسين اللامي) و(جواد وادي) و (عبد الزهرة مناتي) واخرون بعام 1978 شكلت فرقة النهار الجديد التي شكلها الفنان فاروق هلال والفنان حيدر شاكر وضمت المطربين سحر عبد الغفار العاني ورعد بركات وكريم هميم وسامي هيال وفريد محمد علي .. عشر سنوات زاخرة بالنشاط والابداع وبالاصوات.

ان الغناء السبعيني حقيقة الامر هو مكمل لتلك العقود التي سبقته والواقع يشير ان ملحني الخمسينيات والستينيات كان ثقلهم حاضرا  بهذا العقد امثال عباس جميل/ محمد نوش/ ناظم نعيم/ واخرون اضافة الى التركية على مدرستين معروفتين ظهرت مع مطلع هذا العقد متمثلة بمدرسة القرغولي ومحمد جواد اموري ومحسن فرحان وجعفر الخفاف.

اكيد ان هؤلاء الملحنين تاثروا باقرانهم الملحنين الذين قدموا لنا موضوع غنائي اثر كثيرا بمدارس جيل السبعينيات وهؤلاء بدورهم اضافوا التجديد للاغنية تماشيا مع ما وصلت  اليه الاغنية العربية . من تقدم بالاضافة لتلك الاسماء لابد ان نتذكر الفن البصري العريق ومبدعيه امثال حميد البصري ومفيد الناصح. ونامق اديب وباسلوبهم المتطور الا ان الثلاثة البصريين بسبب السياسة وهجرتهم خارج العراق ابتعدوا عن الاضواء الا انهم تركوا ابداعاً تتذكره الاجيال بحنين كبير ولكي اكون منصفاً هنالك اسماء كبيرة لها الاثر الواضح وكانت بحق اسماء يشار اليها وبمنجزاتها بالتقدير وساهمت بتلك المتغيرات بمجالس الغناء والموسيقى من هؤلاء عقيل عبدالسلام الملحن والموزع وعازف القانون البارع الذي استمر عطاؤه من عقد السبعينات  ليومنا هذا وان كان بعيداً عن الاضواء انه موهبة فذة وهناك الموهبة التي قلبت الموازين  بقيادة الفرقة الموسيقية في الاذاعة والتلفزيون انها متعددة المواهب فهي من لحنت وهي من اعدت بل هندسة الكثير من الاعمال الغنائية منذ نهاية الستينات ليومنا هذا انها موهبة المايسترو والموسيقار حسن الشكرجي مدير عام دائرة الفنون  الموسيقية والذي تحدث عنه لاحقا، ان اسماء اخرى كخليل ابراهيم/ وكنعان وصفي/ وقصي بشير/ كلهم سنظل نذكرهم ونحترم انجازاتهم: ظلت الحان القرغولي واموري هي الاكثر رواجا باصوات حسين نعمة/ فاضل عواد وفؤاد سالم/ سعدون جابر/، رضا الخياط/ حميد منصور/ وقحطان العطار/ ومائدة نزهت/ وامل خضير/ واديبة / وسهام / ومي اكرم/ الا ان  بالمقابل  ظلت اسماء المطربين امثال عباس حسن/ وعباس العطار/ وفتاح حمدان/ وكمال محمد فخري عمر/ / وسامي كمال/ وعلاء الحداد/ والمطربة فينوس تضيف شيئا للغناء السبعيني لكنها لم ترتق الى اصوات الى ما ارادته  هي او ما فرضه الواقع والعلاقات عليها وعلى تقييمها.. لو أسأل  من المطربين اللذين ذاع صيتهم بالسبعينات  ولم يقلد احد اقولها بلا تردد انه الراحل سعد الحلي الذي قدم الاغنية الشعبية بقالب جديد ونكهة خاصة انها النكهة الفراتية الاوسطية ظل هذا الاسم محافظا على لونه حتى اخر سنينه.

 هل ان عقد السبيعنيات اراد ان يقول للاجيال الحالية والاجيال التي عاشت تلك الفترة هل من منافس ليقدم الافضل سؤال اجابته متروكة للقارئ ان اغاني البنفسج/ ودوريتك ويا حريمة/ وعزاز/ وحاسبينك/ وسومري/ وسالت عنك/ وحلوة يالبغاددية/ وعاشكين/ تعيش في الوجدان واغاني ايكولون غني ابفرح/ ورحال/ ولو غيمت دنياي/ اضافات ما اجملها/ وتبقى تلك الروائع الاخرى (خسرتك يا حبيبي) و (يا هيلة يا ام الوردات) و(الورود) للراحل صلاح عبد الغفور هوية تتحدث عن صوت هذا الفنان الذي غادرنا الى جوار ربه ليكون حاضرا معنا بفنه واخلاقه.. اما اسماء ناظم نعيم ومحمد نوشي/ وفاروق هلال/ وعباس جميل/ وياسين المراوي وحسين السماوي وجعفر الخفاف، واحمد الخليل/ بالعطاء الزاخر اما الشعراء اللذين عاشت نصوصهم الغنائية معنا امثال زامل سعيد فتاح، وعريان السيد خلف/ وحسن الخزاعي وناظم السماوي  وطاهر سلمان / وداود الغنام/ وبشير العبودي/ كاظم اسماعيل الكاطع/ وقاسم البديري وغازي شجيل/ وعبد الكريم مكي/ وجبار الغزير، واسعد الغريري قصص غنائية بحد ذاتها ومكمل لنجاح تلك الاغاني. وشهرت مطربيها  والاجمل من ذلك لكل شاعر هوية غنائية بحد ذاتها سؤال جديد هل ان العام 1969 هو بداية عقد السبعينات  اقول نعم العام (1969) الى العام (1979) هو عقد  السبعينات لنجعل من الاغاني التالية (يا نجمة) (واترك هوة الحلوين). (والبنفسج/ ويانجوم صيرن كلايد) بداية عهد جديد من اسلوب اللحن  والاغنية وانتهى ذلك العقد عام 1979.

اذن لماذا نحن كثيرو التحدث عن السبعينات ليس بمجال الفن الغنائي بل بمجالات الحياة الاخرى وما سر التميز بتلك الفترة.

لكي تكون الاجابة شاملة ومفيدة ونظرا لكثرة الاراء والدراسات التي اعتبرت الغناء السبعيني ظاهرة لن  تتكرر اضم صوتي لتلك الآراء وبنفس الوقت لي وجهة نظر بذلك  العقد الذي كنت قد عملت به اكيد ان السبعينات هي ثورة ثقافية لم تقتصر على تطور الاغنية بل كانت الفنون الاخرى مزدهرة كالمسرح والسينما والنتاج الثقافي يعيش عصرا جميلاً الا ان الاغنية هي الاقرب للانسان على اختلاف مستواه وثقافته فهي مهمة اين ما يكون  بقدر جمالية  الغناء السبعيني الا ان التراث العراقي  باغانيه الخالدة  كان بعيداً عن عقلية الملحن العراقي لذا نرى ان سمة (الهجين الغنائي) حاضرة بمعظم الالحان ليس عيبا ولكن لنا تراثنا الغني  لناخذ دول العالم اجمع ومنها مصر وتراثها الكبير الذي حضر عند جميع الملحنين باطار واسلوب متحضر حاكى الاجيال العربية عامة.. في ذلك العقد عاشت الاغنية العربية ازدهارا وتطورا كبيرا لقد ظهر اكثر من  مطرب ومطربة كما ان اسلوب التلحين تغير وتغيرت اساليبه كما كان عليه بعقدي الخمسينات والستينات فالكلام والايقاع والجملة الموسيقية والمقدمة الموسيقية التي طرأ عليها اسلوب جديد لنستذكر اغاني هاني شاكر/ وعفاف راضي/ ومحمد رشدي/ وشادية/ لم يقتصر نمط الغناء الجديد على عبد الحليم حافظ بل  شمل بقية المطربين . هذه في مصر . اما اغاني الخليج فلقد ابدع المطربين في الكويت كثيرا امثال شادي الخليج/ عبد الكريم عبد القادر/ وعبد المحسن المهنى/ ومصطفى احمد/ باغاني (ردي الزيارة/ ومسموح يلي/ ودكول نسيت الراح/ وعوافي ، وروائع اخرى واغان للمبدع محمد عبده/ وطلال المداح من السعودية، كل تلك المتغيرات استفاد منها الملحن العراقي  للتمازج مع الحانه ولتكون من الجديد   بذلك العقد لذلك كانت النكهة للاغنية السبعينية هي تحصيل حاصل لتطورات مدارس غنائية مختلفة باسلوب ملحني تلك المدارس التي ذكرتها اصبحت اغانينا السبعينية تاخذ رواجا عربيا اكثر حيث كان الصوت العراقي  يبدع كصوت انفرادي او بمجموعة نذكر فرقة الانشاد العراقية ونذكر مطربيها المميزين امثال عامر توفيق، فؤاد فتحي، جاسم الشيخلي، اكرم عبدالله، واخرون نذكر الفرق الاخرى كمطربي الريف.. نذكر زيارة الفرق الفنية للعراق واسماء المطربين والمطربات العرب واقامة الحفلات ببغداد. وايضا نستذكر برامج الاطفال والاهتمام بها كما ان تاسيس معهد  الدراسات النغمية ومساهمته بتلك الفترة وذلك  الاهتمام بتراث العراق  الموسيقي وبتخرجه اسماء مرموقة من المطربين والعازفين.

اذن الاهتمام ببناء الفرق الانشادية  والغرض من تاسيسها والتلاقي مع الفنانين العرب من خلال زياراتهم للعراق وتحديدا لبغداد حفز الملحنين  والمهتمين بانتاج الموسيقى والغناء بتاسيس الفرق الموسيقية التي كانت تجمع بين طياتها الخبرة والاكاديمية بين العازفين اصحاب الخبرة والشباب وخريجي معاهد الفنون الجميلة والدراسات  النغمية ، اذن الغناء السبعيني  هو نتاج لتطور موسيقي وغنائي.

الا ان المعيب بتلك الفترة ظلت الاسماء  نفسها وظل الموضوع واحد لفئة معينة  من الملحنين واندثرت مواهب كثيرة  ولم يسمح لها بالظهور وبالاخص بمجالي الغناء والتلحين ولو كانت مؤسسات  اعلامية غير الاذاعة والتلفزيون لكان الحديث عن ظهور الكثير من هؤلاء المبدعين اللذين لم تر النور مواهبهم فظلت في الخفاء بعبارة اخرى لم يسلط الضوء عليها اعلاميا لنستذكر بعض الاصوات منها: سامي كمال/ وكمال محمد/ وفخري عمر/ والاصوات الجميلة التي ظهرت مع فرقة الانشاد العراقية التي اسسها الراحل روحي الخماش امثال عامر توفيق صاحب الحنجرة الذهبية وجاسم الشيخلي/ وفؤاد فتحي يضاف اليهم اصوات / اكرم عبد الله، عبدالرحمن علي/ وشعبان صباح/ ورشاد احمد/ ولم يقتصر التهميش على الاصوات بل شمل ملحنين كبار وهم مدارس تلحينية  تحسب اليهم امثال نامق اديب ومفيد الناصح فهذان الاسمان لهما بصمة رائعة  بتاريخ الاغنية لاكتب عن انجازاتهم تذكروا اغاني (تايبين لياس خضر) و (مشكورة لفؤاد سالم) و(مالومك لحميد منصور ولحن لقحطان العطار اضافة الى اصوات خليجية اما الملحن مفيد الناصح  فمن  الحانة (سومري)، وبحر عينك / وشوك الغريب/ والعمر ليلة/ هذه الاغاني كانت باصوات فؤاد سالم/ فاضل عواد/ عباس حسن  ومازال بعطائه  المستمر ليغني من الحانه مطربين عرب من لبنان وسوريا. لقد هاجر الملحنان العراق، بسبب افكارهم وانتمائهم الفكري وغابوا منذ زمن طويل.

وعن موضوع الاغنية السبعينية ما لها وما عليها ومن منطق النقد البناء  يتحدث الخبير الموسيقي والمايسترو عبد الزراق  العزاوي حين التقيته بمقر اتحاد الموسيقيين وكنا نتحدث عن عقد السبعينات اخبرني ان هذه الفترة على الرغم من الابداع فيها الا ان معظم  الملحنين ابتعدوا عن الموروث  الغنائي العراقي بل راحو يتاثرون بالاغنية المصرية واقصد ان معظم الاغاني التي كنا نسمعها حينذاك متاثرة بموسيقى  بليغ حمدي على سبيل المثال كما ان الكثير من المواهب طمرت ولم تاخذ فرصتها الحقيقية اذكرك بالفنان جعفر حسن الذي ظلت اعماله ممنوعة من البث واذكرك بشيء مهم ان مطربي الستينات والخمسينات كانوا منسيين تماما  الم يكونوا هؤلاء  جزءاً من تراثنا الموسيقي ذكرت عيوب  وقصور السبعينات مثلما تحدثت عن ابداعها. لقد حصل تطور وتغير  على الاغنية العربية خاصة المصرية باعتبارها محط المتابعة والاستماع لها كونها تعيش مع المواطن العربي وهي معروفة باختلاف مدارسها التلحينية وحاضرة  باسماء كبيرة من لملحنين واجيال المطربين، بعقد السبعينات اصبح الغناء المصري الطويل الذي عرفته مصر بعصر ام كلثوم يتغنى باصوات كثير خذ على سبيل المثال عبدالحليم حافظ/ ووردة الجزائرية/ وفائزة احمد/ ونجاة الصغيرة/ . وكان البناء اللحني يختلف بتلك الاغاني عما كان  يغنى بالستينات، حتى الغناء اللبناني تغير اسلوبه. ان الثقافة الغنائية   بسبعينات  القرن الماضي اعتقد انها شملت اقطار اخرى من الوطن العربي الم يكن ذلك الانفتاح والتواصل مع الذائقة العربية  كفيلا  ومحفزا  لملحنينا ان يقدموا انفسهم للوطن العربي بل اصبحت الحانه محط اعجاب المتذوق  العربي الذي يعلم جيدا  بتراثنا الغنائي.

الغناء اللبناني هو الاخر اضاف لمستمعيه في العراق نكهة حداثة  وتطور حقيقي للغناء العربي فالكل يعلم بدور المدرسة الرحبانية  وفيروز وبتلك الفرق الانشادية التي تغني تداخل الاصوات بذلك الهارموني الجميل حفزت ملحنون بروائع الاغاني اذكر منها / يا حريمة / البنفسج/ حاسبينك/ يالجمالك سومري التي فازت  كاجمل اغنية عربية وهي من الحان مفيد الناصح وشعر حسن الخزاعي. ويا  نجوم صيرن كلايد/ و ظل ملحنو عقد الخمسينات والستينات يبدعون ايضاً  ويقدمون انفسهم بعطاء متجدد مع ملحني عقد السبعينات   كانت اسماء  احمد الخليل/ عباس جميل/ محمد نوشي/ محمد عبد المحسن/ فاروق هلال/ قاسم عبيد واخرون تلك الاسماء وعطاؤها جعلت من الملحنين  السبعينيين امام مسؤولية المحافظة  على ذائقة العراقين وتطويرها نحو الافضل ليثبتوا للمستمع العراقي والبغدادي انهم امتداد لزملائهم.

لذلك كان النتاج الغنائي مدروساً بدقة ومحسوباً له الف حساب تماشيا مع الزمن الجديد وتطوراته.. حقيقة لابد ان اذكرها ان العقد السبعيني  تظافرت جهود كثيرة من اجل الارتقاء به نحو الافضل  خذ على سبيل المثال المعاهد الفنية معهد الفنون الجميلة والدراسات النغمية ومدرسة الموسيقى والبالية. ووزراة الشباب التي  تبنت الاهتمام بالموسيقى والغناء. وعندما اذكر وزارة الشباب  تحديداً مراكز الشباب  وكان دور مراكز الشباب وبيوتها اماكن لاحتضان ورعاية المواهب عن طريق دعم الوزارة ومؤسساتها للفن بكل تفاصيله ومنه الفن الموسيقى الذي استقطب له الاساتذة والخبراء فكانت هي الاخرى  ساهمت بدفع  الثقافة الموسيقية. ولو عدنا لذلك الزمن وتلك الاسماء التي كانت مراكز الشباب  لها الفضل بتقديمها كاسماء اضيفت للحركة الموسيقية امثال /علاء مجيد/ سرور ماجد/ كريم هميم/ سامي هيال/ وكريم حسين/ ووحيد علي/ وجواد محسن/ وعبيد خميس / اضافة الى   اسماء من المحافظات العراقية الاخرى  هكذا كانت الثقافة الموسيقية حاضرة بقوة بذلك العقد المميز والذي نذكره سنيناً بعد سنين.