الأبناء ثمرة لأخطاء الآباء

عندما يختار الروائي عمراً كونياً

الأبناء ثمرة لأخطاء الآباء

اسعد اللامي

ما زلت اعتقد ان الروائيين يعيشون اعمارا مضافة ، بمحض اختيارهم يمضون في هذا الاتجاه ، هاجسهم الترحال في مسالك الايام مستنبطين تأريخا مغايرا  للتاريخ الرسمي الذي درجنا عليه ، الرواية هي قول ما لم يقله التاريخ ، هي بسط الحوادث اليومية للافراد والجماعات باسرارها الدفينة وبدقائقها البسيطة العابرة ولكن المعبرة عن الحياة الفعلية بشكل دقيق، الرواية هي كشف للأخطاء وملاحقة لاهثة  للمنعرجات التي قادت الى ما نحن عليه اليوم .احيانا بل غالبا ما تجد روائيا بعمر ارضي لكنه يختار لنفسه عمرا كونيا خارج السياقات المتعارف عليها للاعمار !

 كيف يتم ذلك ؟

 يتم ذلك من خلال الرواية  بالطبع !

 او ليس باهضا هذا الاختيار ؟ الا يبدوالروائي وكأنه يحمل على منكبيه احمالا متعبة

اتكون فكرة الازلية هاجس الروائي وهو يسعى قدما في هذا الاتجاه

مرة كان بورخس العظيم يدب على عصاه غارقا في سديم غبشه وصادفته امرأة على الرصيف الاخر لاحد شوارع بوينس ايرس وصرخت فيه بورخس انت ازلي ، ابتسم بورخس ابتسامته الموحية واجاب المرأة شكرا سيدتي ولكن اعفني من هذه المهمة الصعبة .

اعتقد ايضا ان الروائيين يسكنون في برج عال ، البرج يدور على محور ، حركته بطيئة جدا ، يسمح لهم برؤية الجوانب والارجاء ، وبالطبع فأن البرج مقسم الى طبقات يكون المكوث فيها حسب درجة الاستاذية والابداع ، المعلمون الكبار في الطبقات العليا للبرج وهكذا نزولا الى الطبقات الادنى ، حركة البرج لا تكاد تحس ولكنه يدور فتتكشف لهم في الاسفل تواريخ البلدان ، بانوراما كونية هائلة تتيح لهم الاغتراف من احداثها ومن ثم صياغتها وفق مقادير محسوبة في غاية الدقة ، خلطة سرية خاصة بكل منهم توابلها الخيال الخصب والتلاعب السحري بالحوادث اليومية للافراد والخروج بها الى مستوى مقارب للاحداث الكبرى للجماعات .

واذا كان لنا ان نأخذ مثالا من استاذ كبير في فن السرد الروائي فلنا في اطفال منتصف الليل ، رائعة سلمان رشدي …

كانت الهند امة كبيرة وحدث ان ولدت امرأة فيها ، ذات لحظة تأريخية كبرى طفلة باهرة الجمال تصيب من ينظر الى وجهها بالبرص ، فما كان من الأم الا ان تودع ابنتها عند عجوز ريفية في مكان بعيد ولكن اللعنة ظلت مستمرة ، المزيد من البرص ،المزيد من التشويه ، عندها ارتكبت العجوز غلطة العمر ، حملت مشرطا وشوهت وجه الصغيرة بحزين قسما وجهها الى ثلاثة اقسام ! الهند وباكستان وبنغلاديش .

نحن ايضا روائيو البلاد ننظر من اعلى البرج ، اسفلنا تاريخ ارضنا السعيدة بفرنها العظيم ينبئنا بأن ثمة خطأ حدث في لحظة ما هو الذي قاد الى سلسلة متصلة من الاخطاء اودت بنا الى ما نحن عليه اليوم من خطأ كبير .

نحن ثمرة الاخطاء الكبرى التي ارتكبها الاسلاف . وابناءنا سيكونون ثمرة مرة لاخطائنا التي ترتكب كل يوم ، وعلى الرواية ان تقودنا عبر دهاليزها السرية المشوقة الى كشف المسكوت عنه ، الى تسليط الضوء الساطع والقوي وانارة تلك البقع المظلمة التي افضت الى ثقب السواد الكبير

الرواية كشف محموم للاخطاء الكبرى ، هي ليست معنية بتقديم النصائح مثلما يفعل كتاب المقالات اليومية ، جل هم الرواية هي الكشف واثارة السوأل تبع السوأل ، بما يجعل ذهن القارىء مفتوحا على الف احتمال واحتمال ، مشاركا حقيقيا في اعادة انتاج النصوص وتأويلها على الف وجه ووجه ، هكذا افهم العمل الروائي على انه زفرات متتباعة وحرائق متصاعدة تسهم في اذابة الاقنعة النحاسية التي يختبىء خلفها الوجه الغامض للحقيقة المتنازع على امتلاكها بين المتبجحين بتأريخ مثقل بالرزايا والهموم…

هكذا كان هاجسي وانا اكتب شباك امينة ، هل نجحت ؟ ذلك متروك للقارىء بالطبع .