ابنة الكروم

hassan-nawab

كلام مسموع

حسن النواب

قانون منع استيراد الخمر وصناعتها في البلاد ، أثار ردود فعل كثيرة بين شرائح المواطنين ، وبرغم أن رئيس البلاد أعلن بشكل صريح عن تحفظه على هذا القانون الذي خرج من مجلس النوّاب بطريقة مخاتلة ومريبة ، غير أن تحرير بعشيقة قبل أيام ، أعاد الأمل لعشاق ابنة الكروم ، بوصفها مدينة اشتهرت في صناعة الخمور المحلية ، بل أن أسعار الخمور انخفضت في متاجر بيعها العلنية والسرية بعد تحرير بعشيقة ؛ كما أن صديقنا المحبوب سعد الصالحي وهو طبيب خبير بعمليات تجميل الوجه ومبدع بكتابة نثرياته المشرقة ؛ نشر على صفحته بالفيس بوك صورة لكأس طافحة بنبيذ شهي ؛ احتجاجا على تحريم الخمر من قبل مجلس النوّاب ، وعرفنا منه أن نبيذ تلك الكأس كان من صناعة يده وبنسبة كحول مرتفعة تجعل حتى الصخر ثملاً ؛ مثلما دعاني هذا القانون المتعسف بحق الحريات الشخصية الى استذكار سيرتي مع ابنة الكروم ، اذ كنت طالبا في اعدادية زراعة كربلاء ، وكان من ضمن المنهج في المرحلة الثانية درس الصناعات الغذائية ، وكان استاذ هذه المادة من أهالي النجف ، ومن هذا الدرس تعلمنا صناعات محلية متنوعة ومنها صناعة النبيذ ، غير ان الأستاذ « ض» لم يكتف بالدرس النظري لصناعته ، إنما حرص على تطبيقه عملياً بعيداً عن أنظار إدارة المدرسة ، وكان يعرف بهذا السر مجموعة من الطلبة المقربين اليه كنت أحدهم ، وكنّا نتناول النبيذ البنّي في جلساتنا الليلية ، وحين يسألنا أحد الطلاب الفضوليين عمّا نشربه ، نخبره ؛ اننا نشرب الخل لقتل الدود الذي في بطوننا ؟! وحين أخذتني الحرب الى السواتر الأمامية ، كانت تصل من ضمن الأرزاق في جبهة شرق البصرة كميات كثيرة من العنب الأسود ، وخطرت لي فكرة استخدام الفائض من العنب بصناعة النبيذ ، وبعد التشاور مع بعض الجنود من أنصار الخمر ، شرعت بتنفيذ فكرتي ونجحت من تخمير اكثر من عشر لترات في زمزميتين ، كان لا بد من الإنتظار لمدة اسبوعين على أقل تقدير حتى ينضج الخمر وترتفع نسبة الكحول فيه ، وكان الجنود يترقبون نضوجه ويحرسون  الزمزميتين اللتين طمرتهما في حفرة بعيدة عن ملاجئنا ، لم يبق سوى يومين حتى ندشن ذلك الخمر ونرفع أنخابنا في جبهة الحرب ، لكن هجوما ضاريا شنه العدو الايراني بدد حلمنا ، وأجبرنا على ترك مواضعنا منكسرين ، ولا أدري هل ان الايرانيين استولوا على غنيمة الخمر ؟ ام ان الزمزميتين لما تزل مدفونتان تحت الأرض حتى هذه الساعة ، ولكم ان تخيلوا خمرة معتقة لأكثر من ثلاثين سنة مازالت تنتظر من يعثر عليها في شرق البصرة ؟ وحين سجنت لمدة ثمانية شهور في معتقل الفرقة الأولى بمدينة الديوانية ، كررت مغامرتي بصناعة النبيذ باستخدام الدبس ، لكن مأمور السجن بعد مرور شهرين استغرب من كثرة شرائي لعبوّات الدبس ، ويبدو أن الوشاة أخبروه بما كنت أصنعه وهذا يعني أن عقوبة قاسية تنتظرني ، الا وهي الحجز بقبو ، أظل قابعا فيه لساعتين بوضع القرفصاء ، لكن الحظ وقف معي ، اذ كان مأمور السجن من المدمنين على ابنة الكروم ، استدعاني الى غرفته وبعد استجوابي ، اعترفت له بحقيقة ما صنعته ، واذا به ينهض ويقبلّني وعلى وجهه امارات سرور وبهجة ، وهكذا اصبحت أسهر معه في غرفته آخر الليل ، نتناول خمرا من صناعة يدي ؟ لكن الذي مازال يجول في رأسي هو مصير الزمزيتين المطورتين في شرق البصرة ، ربما عندما أزور البلاد سأذهب الى هناك مفتشا عنهما ، فموضع دفنهما كان مقابل مخفر زيد ، ويمكن العثور على الزمزميتين ، لست مجنونا بتوقي لمعرفة مصير الزمزميتين ، اذا ما عرفتم ان سعر لتر من خمر معتق لأكثر من ثلاثين سنة يتجاوز المئة الف دولار ، ولست مغاليا اذا قلت ربما يكون سعره اكثر من ذلك ، أجل هناك خمر منسي في شرق البصرة لا يقدر بثمن .

مشاركة