
إستطلاع عن بيلاروسيا (5)
الإعتزاز بالعصر السوفيتي يتجسّد
في الموقع السياحي
خط ستالين ولكل تجربة أخطاء
حمدي العطار
لا يمكن أن نعد القومية الروسية قد تعاملت بمثالية وأنسانية متناهية في أدارة السيطرة والحكم على القوميات غير الروسية في ظل الاتحاد السوفيتي! هناك حقوق قومية تم مصادرتها وفرض مقاييس وقواسم مشتركة من أجل وحدة الكيان ومركزيته ومناعته لكي لايتعرض الى اضطرابات وأحتجاجات ذات طابع قومي أو أثني وحتى ديني!فالبعض يتذكر بأن تلك الشعوب قد أجبرت لتعلم اللغة الروسية والتحدث فيها بالاماكن العامة والرسمية أما لغتهم القومية (الأم) فيمكن ممارستها في البيوت وبشكل شبه سري!وبنفس الوقت تتلمس المساعدة الاقتصادية والمالية وفرض النظام والقانون الذي أدى الى بناء تلك الدول والفضل يعود الى كونها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي!في عهد ستالين وقبل الحرب العالمية الثانية لم تكن مسألة (حقوق الانسان) قد وجدت حتى تضغط بشكل كبير على الحكومات، لذلك كان ستالين يمارس خرقا لهذه الحقوق من أجل الحفاظ على النظام وتحقيق الاستقرار!
ستالين والثورة الشيوعية
أكثر شخصية قيادية شيوعية تعرضت الى النقد وتحدث الجميع عن أخطائها ونسي الكل أنجازتها هي شخصية ستالين،تلك الشخصية الثورية التي اقتربت من الموت لأكثر من مرة وهو يصطدم برجال البوليس السري الروسي،وتعرض للسجن والنفي الى سيبريا عدة مرات وفقد زوجته وحبيبته بمرض السل كما كاد يفقد حياته بهذا المرض! أنقذ حياة لينين قائد الثورة،وهو من قام بتمويل الحزب ماليا من جمع التبرعات والسطو على بنك فيه اموال عائلة القيصر،وفي مجال العمل حينما كان مبدعا اراد صاحب المعمل ان يصرف له مكافأة له رفض استلامها وطلب ان تكون مكافأته زيادة اجور كل العمال وعندما رفض صاحب المعمل طلبه قاد أضرابا للعمال ادى الى طرده من العمل واعتقاله!
نجاح ثورة لينين
لا يمكن تلخيص حياة ستالين وتجربته في الحزب الشيوعي وقيادة الدولة السوفيتية بكلمة واحدة (دكتاتور)فهو لم يأت للحكم من المؤسسة العسكرية عبر انقلاب عسكري بمساعدة دولة أجنبية،كما أنه لم يستلم الحزب والسلطة بما يملك من دهاء سياسي وتنافس مع اقرانه ليكون في المركز الاول للحزب!فمن الناحية النظرية يعد ستالين المؤسس الحقيقي لجريدة البرافدا (الحقيقة) الشيوعية،كما أنه وبتكليف من لينين كتب مقالات عن (الماركسية والمسألة القومية) سنة 1913 ،كما عين المفوض الأعلى لشؤون القوميات ووظيفته هي الاشراف على المناطق التي تسكنها القوميات غير الروسية،تم اطلاق اسم مدينة بتروغراد (ستالين غراد) في عهد لينن ،وليس كما هو شائع بأن الاسم قد تغير من لينين غراد الى ستالين غراد في عهد ستالين،فضلا عن جهوده في تحويل الاتحاد السوفيتي من مجتمع زراعي الى مجتمع صناعي وقاد الانتصار على دول المحور ونقل الاتحاد السوفيتي الى مرتبة القوى العظمى!
تمجيد ستالين
اثارت زيارتنا الى خط ستالين في بيلاروسيا تلك الذكريات ،حيث يجهل بعض شباب روسيا البيضاء فضل ستالين في تحرير بلدهم من الالمان وتحقيق النصر على النازية، ويتلخص موقفهم من ستالين في عدم احترامه لحقوق القوميات والانسان!فالبعض يرى في بانوراما معركة (دنيبر) وخط ستالين العسكري كمتحف واقعي للمعركة الفاصلة بين جنود السوفيت وجنود هتلر على الاراضي والسهول الخضراء لبيلاروسيا ،قائلين بأن هذا المتحف يمجد ستالين الشخصية القاسية والدكتاتورية التي قامت بتصفية قيادة الحزب الشيوعي والكثير من القيادات الحزبية تحت شعار (من يخطأ يعدم)!
سنة 1922 تكونت الامة السوفيتية من اربع جمهوريات أشتراكية هي (جمهورية روسيا-جمهورية أوكرانيا-جمهورية روسيا البيضاء- جمهورية وراء القوقاز)
وبعد موت لينين سنة 1924 تقلد ستالين منصب سكرتير الحزب وتم ادارة الدولة من قبل كامنيف وزينوفيف وستالين ،وطرح ستالين رؤيته في التخلي عن الثورة العالمية وقام بطرد تروتسكي 1927 وابعاد كامينيف وزيتوفيف لينفرد بالسلطة سنة 1929 .
ترد الجميل الى ستالين
بيلاروسيا تتجاوز كل الاخطاء والسلبيات وتحتفظ بذاكرتها الجمعية فضل ستالين والجيش السوفيتي بمساعدتها للتخلص من الاحتلال النازي الالماني،وتنشى متحفاً طبيعياً للمواجهة العسكرية في احدى معارك الحرب العالمية الثانية ، وتطلق عليه (خط ستالين)
تبعد منطقة المواجهة خط ستالين 34 كم عن العاصمة مينسك، بأتجاه الحدود مع روسيا وهو آخر خط دفاع سوفيتي في المعركة الفاصلة مع الالمان ،وعلى طول الطريق بين العاصمة وخط ستالين كأن هناك من فرش الارض بالبساط الاخضر وجعل الاشجار على جانبي الطريق تستقبل الزوار،الدخول الى معسكر خط ستالين بمبلغ 15 روبل ما يعادل 7 دولارات ،على يسار البوابة الرئيسة تمثال لرأس ستالين يحرص الجميع على التقاط الصور معه ،ومن ثم نتجول بالخنادق التي كان الجنود السوفيت يتمركزون فيها تجنبا من الشظايا ،ونلتقط الصور مع المدافع والدبابات والطائرات الحربية وكذلك هناك غنائم الاسلحة الالمانية ، ومخلفات من المقتنيات العسكرية المحترقة ،كما يوجد مدرج ومنصة للاحتفال بالدفعات التي تتخرج من الكلية العسكرية لتحاكي الماضي المجيد، هناك مجموعة من الجنود والمجندات بملابسهم العسكرية التي تشبه ما كان يرتديه الجنود السوفيت في الحرب العالمية الثانية ووسط اغان واناشيد روسية حربية يتم تجربة اطلاق قنابل من المدافع ورصاصات من البنادق الموجودة في المعسكر.
تجربة فريدة ونادرة يعيشها السائح ليتذكر مآسي الحرب العالمية الثانية التي قدم فيها السوفيت 27 مليون شهيد كما انها فرصة لمشاهدة نماذج من التقنيات والاسلحة الحربية العسكرية ومعدات الدفاع وسماع التاريخ العسكري لبلاروسيا .والصور تحكي تلك المآثرة التاريخية.
نهاية إلاستطلاع
أقتربت الرحلة من نهايتها،وبيلاروسيا كلما مكثت فيها أكثر كلما أكتشفت جمالها بشكل أفضل،ففي البداية كان التذمر من أجراءات المطار وتأخير منح الفيزا، لكن جمال الطبيعة وطيبة الناس وحسن استقبال الاجانب ينسيك ما عانيته في مطار مينسك،صادفنا خلال اقامتنا في بيلاروسيا مناخ الفصولاً الاربعة قبل يومين كان الجو ممطر وبارداً واهم ما في بيلاروسيا هو النظافة والقدرة على تصريف مياه الامطار فورا! امس ونحن نتسوق من المول كان الطقس حاراً فوق 30 درجة!برنامج الرحلة لم يكن هو الافضل فهناك اماكن لا تستحق الذهاب اليها واضاعة الوقت فيها مثل (المكتبة الوطنية) التي لا يمكن الدخول اليها بل رؤيتها من الخارج،ومناطق اخرى تمثل وسط البلد يمكن ان نزورها عصرا،كما ان الذهاب الى القرية الشعبية دودوتك وخط ستالين مهم جدا، وعدم وضع متحف الفنون ودار الاوبرا ضمن المنهاج خطأ كبير.
يبدو لي تجربة السياحة في بيلاروسيا تحتاج الى اعادة تنظيم واهتمام من قبل السلطات في ذلك البلد ومن قبل الشركة المستقبلة للسياح العراقيين في مينسك.
كما أن لغة التفاهم معهم تحتاج دائما الى مترجم لأن أكثريتهم لا يجيدون اللغة الانكليزية ! بعد ساعات نغادر بيلاروسيا الى بغداد،!
ونأمل أن تفتح بيلاروسيا سفارة في بغداد وقد نكون نحن الاكثر عددا بين كل السياح من العالم الى بيلاروسيا!
لتنتهي بيروقراطية منح الفيزا والانتظار لساعات في المطار! فالانطباع الاول للسائح يؤثر بشكل كبير على نفسيته تجاه البلد الذي يزوره!!
أنتهى


















