أين مني أنا؟ – هدير الجبوري

أين مني أنا؟ – هدير الجبوري

ذلك السؤال الذي ينهش روحي كلما صمت العالم من حولي، كلما هدأ الضجيج في الخارج، واشتعل الضجيج في داخلي.

أين ذهبت تلك الطفلة التي كنتها؟ أين تبخّرت ملامح صباي بين سطور المسؤوليات التي كُتبت على جبيني منذ نعومة أظافري؟ لم أعرف معنى أن ألهو بلا خوف، أو أن أرتب أحلامي بلون الطفولة، أو أزرع أمنياتي على مهل كمن يعرف أن له متسعاً من العمر لينضج.كبرتُ فجأة …لا لأن الوقت ألحَّ علي، بل لأن الظروف لم تتركني طفلة بما يكفي.كبرتُ لأنني كنت مطالبة أن أكون سنداً، وظهراً، وعاقلة في عمر اللعب والبكاء لأسباب تافهة.

عشتُ القسوة قبل أن أعرف الحنان.عرفتُ معنى أن تكون مسؤول عن غيرك، وأنت بالكاد تعرف نفسك.

كيف يمكن لقلب صغير أن يتسع لقلق الكبار؟ كيف يمكن لروح غضة أن تحمل بما لا يقوى عليه حتى من شابوا؟

أُجبرت أن ألبس ثوب النضج، وأنا ما زلت أتعثر في طولي…أُجبرت على الصمت حين كنت أحتاج إلى الصراخ…

وأجبرت على التجلد، وأنا أحلم أن أنهار بين أحضان الامان …سُرقت  مني لحظات كنت أستحقها.

سرقوا مني زهرة شبابي، لأنهم رأوا فيّ القوية… القديرة… المتماسكة، ولم يسألني أحد: ماذا تريدين؟

كل ما أردته … أن أكون بخير، أن يُسمح لي أن أضع رأسي على كتف أحدهم وأبكي، دون أن يطلبوا مني تفسيراً أو حلاً.

واليوم…كلما نظرت في المرآة، لم أعد أتعرف عليّ. تراني امرأة تُحسن التصرف، تُتقن الصمت، تُخفي وجعها بابتسامة باهتة…لكنني في العمق، أبحث عني… عن تلك الصغيرة التي سُرقت منها البراءة، واستُبدلت بالهموم.

أين ضاع عمري؟ سؤال يُطارحني في كل ليلة.هل ضاع بين التضحيات التي قُدمت دون مقابل؟ أم بين الأحلام التي أجلتُها حتى ذبلت وماتت؟ أم بين الأدوار التي لعبتها فقط ليرتاح من حولي؟

 لست نادمة…لكن في داخلي خيبة، وفي عينيّ عمرٌ ما عشته كما كنت أستحق.ولستُ وحدي… أعرف أن هناك كثيرات مثلي، كبُرن قبل الأوان، وتحملن ما لا يُحتمل، فصِرن نساء يشبهن الصخر…لكن تحت ذلك الصخر… قلب صغير، ما زال يبحث عن دفء لم يجده، وعن حنان لم يذقه.

هل تأخر الوقت لأعود إلى ذاتي؟ ربما… لكنني اليوم أكتب لأقول إنني لم أنسَ تلك الطفلة في داخلي…

وإن طال الغياب، سأظل أبحث عنها، علّني أجدها يوماً، جالسة في زاوية الحنين، تنتظرني.

مشاركة