أوزبكستان تعزز مكانتها كثالث أكبر منتج للحرير في العالم

نورافشون‭ (‬أوزبكستان‭) (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬في‭ ‬بداية‭ ‬كل‭ ‬صيف‭ ‬في‭ ‬أوزبكستان،‭ ‬تحصد‭ ‬زبيدة‭ ‬بارداييفا‭ ‬شرانق‭ ‬دودة‭ ‬القز‭ ‬التي‭ ‬تُحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬نسيج‭ ‬ثمين‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬طويلة‭ ‬وغير‭ ‬فعّالة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬تعهّدت‭ ‬تحديثها‭ ‬الدولة‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬وثالث‭ ‬أكبر‭ ‬منتج‭ ‬للحرير‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

وفي‭ ‬حديث‭ ‬إلى‭ ‬وكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس،‭ ‬تقول‭ ‬بارداييفا‭ ‬من‭ ‬نورافشون‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬العاصمة‭ ‬طشقند‭: “‬كل‭ ‬المراحل‭ ‬تتم‭ ‬يدوياً،‭ ‬وأكثر‭ ‬خطوة‭ ‬تتّسم‭ ‬بتعقيد‭ ‬هي‭ ‬رعاية‭ ‬دودة‭ ‬القز،‭ ‬ثم‭ ‬حصاد‭ ‬شرانقها‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬جودتها‭”.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬شجرة‭ ‬لوز،‭ ‬وبأصابعها‭ ‬التي‭ ‬أكسبتها‭ ‬خبرة‭ ‬40‭ ‬عاماً،‭ ‬تزيل‭ ‬بارداييفا‭ ‬شرانق‭ ‬بيضاء‭ ‬من‭ ‬أغصان‭ ‬مجففة،‭ ‬تحتوي‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬خيط‭ ‬حريري‭ ‬يبلغ‭ ‬طوله‭ ‬كيلومتراً‭ ‬واحداً‭ ‬في‭ ‬المتوسط،‭ ‬تفرزه‭ ‬يرقات‭ ‬الفراشة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تدجينها‭ ‬قبل‭ ‬قرون‭ ‬وتحمل‭ ‬اسم‭ ‬دودة‭ ‬القز‭.‬

وخلال‭ ‬موسم‭ ‬تربية‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الفراشات‭ ‬الممتد‭ ‬بين‭ ‬نيسان‭/‬أبريل‭ ‬وحزيران‭/‬يونيو،‭ “‬يشارك‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬العملية‭”.‬

يقطّع‭ ‬الرجال‭ ‬أغصان‭ ‬التوت‭ ‬لإطعام‭ ‬الفراشات‭ ‬بينما‭ ‬تهتم‭ ‬النساء‭ ‬باليرقات‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬عناية‭ ‬مستمرة،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬توضح‭ ‬المرأة‭ ‬الستينية‭.‬

ويتطلب‭ ‬التحوّل‭ ‬إلى‭ ‬نسيج‭ ‬ثمين‭ ‬بضع‭ ‬خطوات‭ ‬أخرى‭ ‬بسبب‭ ‬قوته‭ ‬ونعومته،‭ ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬تعريض‭ ‬دودة‭ ‬القز‭ ‬لدرجات‭ ‬حرارة‭ ‬عالية‭ ‬حتى‭ ‬تُقتَل‭ ‬في‭ ‬شرانقها‭.‬

ثم‭ ‬يتم‭ ‬تجفيفها‭ ‬وإسقاطها‭ ‬في‭ ‬ماء‭ ‬مغلي‭ ‬حيث‭ ‬تظهر‭ ‬الخيوط‭ ‬ثم‭ ‬يتم‭ ‬نسجها‭.‬

وفي‭ ‬مزرعة‭ ‬مجاورة،‭ ‬تمزّق‭ ‬ديدان‭ ‬صفراء‭ ‬ذات‭ ‬رؤوس‭ ‬سوداء‭ ‬أوراق‭ ‬التوت‭ ‬بشراهة‭.‬

وتقول‭ ‬بارداييفا‭ ‬محاطةً‭ ‬بنساء‭ ‬أخريات‭ “‬بعد‭ ‬الحصاد،‭ ‬نسلّم‭ ‬الشرانق‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭”.‬

مع‭ ‬أنّ‭ ‬تربية‭ ‬دودة‭ ‬القز‭ ‬لإنتاج‭ ‬الحرير،‭ ‬وهو‭ ‬تقليد‭ ‬متوارث‭ ‬في‭ ‬أوزبكستان،‭ ‬حُرّرت‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬رئاسة‭ ‬تشافكات‭ ‬ميرزيوييف،‭ ‬تبقى‭ ‬خاضعة‭ ‬لسيطرة‭ ‬الدولة‭ ‬وتُعدّ‭ ‬نشاطاً‭ ‬لا‭ ‬يدرّ‭ ‬مبالغ‭ ‬كبيرة‭.‬

وكل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الشيوعي‭ ‬المخطط‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬1991،‭ ‬ثم‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الزعيم‭ ‬السابق‭ ‬إسلام‭ ‬كريموف‭.‬

ويقول‭ ‬الخبير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الأوزبكي‭ ‬يولي‭ ‬يوسوبوف‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬إن‭ “‬صناعة‭ ‬الحرير‭ ‬تُدار‭ ‬باستخدام‭ ‬أساليب‭ ‬موروثة‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬السوفياتي،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬المزارعون‭ ‬يُجبرون‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬الشرانق،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬مَن‭ ‬كان‭ ‬لديهم‭ ‬مزارع‭ ‬توت‭”.‬

بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬جانوبيل‭ ‬تاتشيبيكوف،‭ ‬وهو‭ ‬مزارع‭ ‬في‭ ‬نورافشون،‭ ‬تلقى‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ “‬ثلاثة‭ ‬صناديق‭ ‬من‭ ‬بيض‭ ‬دودة‭ ‬القز‭” ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الأوزبكية‭.‬

ويقول‭ “‬إذا‭ ‬كنتُ‭ ‬محظوظاً،‭ ‬فسأحصد‭ ‬150‭ ‬كيلوغراماً‭ ‬من‭ ‬الشرانق،‭ ‬ما‭ ‬سيحقق‭ ‬لي‭ ‬ستة‭ ‬ملايين‭ ‬سوم‭”‬،‭ ‬أي‭ ‬نحو‭ ‬487‭ ‬دولاراً،‭ ‬وهو‭ ‬مبلغ‭ ‬يعادل‭ ‬ضعف‭ ‬راتبه‭ ‬الشهري‭.‬‮ ‬

وحتى‭ ‬لو‭ ‬ألغى‭ ‬الرئيس‭ ‬ميرزيوييف‭ ‬العمالة‭ ‬القسرية‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬القطن،‭ ‬تبقى‭ ‬شرانق‭ ‬دودة‭ ‬القز‭ ‬الأوزبكية‭ ‬ممنوعة‭ ‬من‭ ‬الاستيراد‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بسبب‭ “‬استخدام‭ ‬العمالة‭ ‬القسرية‭ ‬في‭ ‬إنتاجها‭”‬،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬نفي‭ ‬طشقند‭ ‬لجوءها‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭.‬

ويقول‭ ‬يوسوبوف‭ ‬‮ ‬‭”‬إنّ‭ ‬عوامل‭ ‬الإجبار‭ ‬المُمارسَة‭ ‬على‭ ‬المزارعين،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أسعار‭ ‬تحددها‭ ‬الدولة،‭ ‬تتسببان‭ ‬بمشاكل‭ ‬في‭ ‬الإنتاجية‭ ‬والجودة‭”.‬

لكنّ‭ ‬الخبير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬يؤمن‭ ‬بوجود‭ “‬أسباب‭ ‬للأمل‭ ‬في‭ ‬حدوث‭ ‬تغييرات‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬إنتاج‭ ‬الحرير‭ ‬في‭ ‬أوزبكستان‭”‬،‭ ‬والذي‭ ‬يشهد‭ ‬نمواً‭ ‬عالمياً‭.‬

ويقول‭ “‬لقد‭ ‬أمر‭ ‬الرئيس‭ ‬بإصلاح‭ ‬القطاع‭ ‬اعتباراً‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2025‭ ‬لاعتماد‭ ‬آليات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬السوق،‭ ‬ونأمل‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬تحوّلاً‭ ‬ثورياً‭”.‬

وبحلول‭ ‬عام‭ ‬2027،‭ ‬يريد‭ ‬ميرزيوييف‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬قطاع‭ ‬الحرير‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬القطاعات‭ ‬لناحية‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬إذ‭ ‬يساهم‭ ‬اثنان‭ ‬من‭ ‬الأوزبكيين‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬نحو‭ ‬35‭ ‬مليوناً‭ ‬في‭ ‬الحصاد‭ ‬الموسمي،‭ ‬بينهم‭ ‬العاطلون‭ ‬عن‭ ‬العمل‭.‬

وترغب‭ ‬أوزبكستان‭ ‬التي‭ ‬أنتجت‭ ‬26‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬الحرير‭ ‬عام‭ ‬2023،‮ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬مكانتها‭ ‬كثالث‭ ‬أهم‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬بالعالم،‭ ‬خلف‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬اللتين‭ ‬تمثلان‭ ‬نحو‭ ‬95‭% ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي،‭ ‬بحسب‭ ‬اللجنة‭ ‬الدولية‭ ‬لتربية‭ ‬دودة‭ ‬القز‭.‬

وأمر‭ ‬ميرزيوييف‭ ‬أيضاً‭ ‬بزيادة‭ ‬أسعار‭ ‬شراء‭ ‬الشرانق‭ ‬وزراعة‭ ‬التوت‭ ‬والإعفاء‭ ‬الضريبي‭ ‬للمربيين‭ ‬ومجموعات‭ ‬المزارع‭ ‬لجعل‭ ‬الإنتاج‭ ‬مربحاً‭.‬

والهدف‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬دعم‭ ‬الصادرات،‭ ‬وتحديداً‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬الأوروبية‭ ‬ودور‭ ‬أزيائها‭ ‬الفاخرة،‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬مواد‭ ‬أوّلية‭ ‬ولكن‭ ‬كمنتج‭ ‬نهائي‭ ‬أيضاً‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تفعله‭ ‬مريم‭ ‬نيازوفا،‭ ‬مؤسسة‭ “‬توموش‭ ‬تولا‭” (‬الألياف‭ ‬الفضية‭ ‬باللغة‭ ‬الأوزبكية‭) ‬التي‭ ‬تشكّل‭ ‬إحدى‭ ‬الشركات‭ ‬الأوزبكية‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬توفّر‭ ‬دورة‭ ‬كاملة‭ ‬لإنتاج‭ ‬الحرير،‭ ‬بدءا‭ ‬بتربية‭ ‬الديدان‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬الملابس‭ ‬والفراش،‭ ‬في‭ ‬كاتاكورغان‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬سمرقند‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬حوالى‭ ‬400‭ ‬كيلومتر‭ ‬من‭ ‬طشقند‭.‬

وتقول‭ “‬اشتريت‭ ‬سنة‭ ‬2020‭ ‬معدات‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬الأقمشة،‭ ‬وكان‭ ‬الأمر‭ ‬صعباً‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬المتخصصين‭”‬،‭ ‬مستذكرة‭ “‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الركود‭” ‬في‭ ‬عهد‭ ‬كريموف‭.‬

وتظهر‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬تفاؤلاً،‭ ‬وتقول‭ “‬نصدّر‭ ‬أصلاً‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬والصين‭ ‬وأذربيجان،‭ ‬ونأمل‭ ‬أن‭ ‬نصدر‭ ‬قريبا‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭”.‬

مشاركة