أمة بلا كتاب.. إلى أين؟ – إبراهيم باسل غانم

أمة بلا كتاب.. إلى أين؟ – إبراهيم باسل غانم

في زمنٍ باتت فيه العلاقة بين الشباب والكتاب علاقة واهية، تهيمن مواقع التواصل الاجتماعي على اهتماماتهم بصورة طاغية، فارضةً نمطًا سريعًا ومختصرًا من المحتوى الذي يعتمد على الصورة والفيديو بدلًا من الكلمة المكتوبة. هذا التحوّل أسهم في إضعاف صلة الأفراد بالكتاب، خصوصًا لدى فئة الشباب التي مالت إلى الاستهلاك السريع على حساب القراءة العميقة.

إن مسؤولية معالجة هذا التراجع لا تقع على المؤسسات الرسمية وحدها، بل تمتد إلى الأسرة التي تُعد الحاضنة الأولى للطفل منذ نشأته. فغياب القدوة داخل البيت ساهم في إضعاف علاقة الأبناء بالكتاب الورقي؛ إذ نادرًا ما يرون ذويهم يقرؤون، مما رسّخ في أذهانهم فكرة أن القراءة نشاط ثانوي لا أهمية له. كما أن استبدال القصص والروايات بالأجهزة الذكية ترك أثرًا سلبيًا بالغًا في هذا المجال.

وتلعب المنظومة التعليمية دورًا غير مباشر في تكريس الأزمة، إذ تُعامل القراءة بوصفها وسيلة للامتحان لا أداة للفهم والمتعة. وبسبب غياب التشجيع على القراءة الحرة، وقلة ـ أو انعدام ـ المكتبات المدرسية، تكوّنت علاقة سلبية بين الطالب والكتاب.

إن تداعيات هذا التراجع لا تقف عند حدود الثقافة، بل تمتد إلى مختلف مناحي الحياة؛ فضعف القراءة يؤدي إلى تراجع مستوى الوعي العام، وانتشار المعلومات السطحية، وتقلّص القدرة على التحليل والنقد، ويفتح المجال أمام الشائعات والأفكار المتطرفة. كما يؤثر على الإبداع والبحث العلمي، ويضعف مكانة اللغة العربية في وجدان الشباب.

من جهة أخرى، يتحمّل الإعلام العربي جزءًا من المسؤولية، إذ غالبًا ما يُهمل القضايا الثقافية لصالح المحتوى الترفيهي السريع. وندرة البرامج الثقافية، وضعف تسليط الضوء على المفكرين والكُتّاب، أدّيا إلى تراجع مكانة القراءة والوعي العام لدى الأجيال الجديدة.

ورغم أن التحوّل الرقمي يُعد أحد أسباب الأزمة، إلا أنه يمكن أن يكون جزءًا من الحل؛ فالكتب الرقمية والمكتبات الإلكترونية وتطبيقات القراءة تتيح الوصول إلى المعرفة بسهولة، وبكلفة أقل، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام الشباب إذا ما أُحسن استثمارها.

باختصار شديد؛ القراءة ليست ترفًا، بل ضرورة حضارية لا غنى عنها لبناء إنسان قادر على التفكير، ومجتمع قادر على التقدّم. فهي الجسر الذي يربط الماضي بالحاضر، ويمنح المستقبل أفقًا أرحب من الجهل والسطحية.