المبتلى والغوص في أعماق الذات
أطوي الليالي وهي غربة – نصوص – علوان السلمان
الشعر..وسيلة التوصيل الموحي المجسدة لتجربة حسية يخلقها منتج(شاعر)بالفاظ متجاوزة ..مستقاة من وعيه الكوني..منسوجة باشكال تعبيرية خاضعة لمقاييسه الجمالية والمعرفية لتحقيق حضور واع منسجم وتنامي المؤثرات النفسية والحسية والحضارية في مجمل تعبيراته الخالقة للرؤية الابداعية التي هي وليدة محصلة قوى الشاعرالذاتية والموضوعية ومكتسباته المعرفية التي تحقق الابداع من خلال التعبير والتصوير الذي يؤسس لفضاءات عوالمه الحالمة..كونه وجود مقترن بالفكر المكتنز بالدلالات الذهنية المتصارعة والواقع من اجل خلق عوالم تتناغم فيها الرؤى وتتفاعل مع انساق مكتظة بالحيوية والدينامية التي لا تقوم الا على ممكن التواصل الذي تحدده اللغة سواء اكانت كلاما لسانيا او اشاريا او لونيا….
والشاعر مزاحم التميمي في مجموعته الشعرية(المبتلى) التي اسهمت دار الجواهري في نشرها وانتشارها/2013.. كونها تستفز الذات الاخر بتوظيف الفعل الاستعاري الذي يشكل التفاتة جمالية واسهامة محققة لرؤية فنية محركة للخزانة الفكرية لمتلقيها بنصوصها التي اعتمدت عمود الشعر مبنى ومعنى وهي تخوض في اغراضها الفنية بوعي شعري يكشف عن اتحاد وتصارع ثنائية الذات والموضوع باعتماد اللفظ الملبد بابعاده االمشعة بدلالاته عبرالتكثيف الذي يسمح للمستهلك(المتلقي) باعمال فكره لفك طلاسمه والكشف عن جمالياته واسراره الفكرية التي تتسلط على ذهن مبدعه..
لغة العيون وفتنة الاحـــــــــداق
أدمت فؤاد المغــــــــرم المشتاق
كيف الخلاص وفي الفؤاد لواعج
وعلى الخـــــدود مصارع العشاق
قمر يؤجــــج خاطري ومشاعري
برؤى خيال للــــــــــــهوى سباق
قلبي لاحــــــــزان الزمان موانئ
غصت بحــــــزن الارض والافاق
لله اشـــــــــكو غربتي ولواعجي
من كــــــــــــــل قيد آسر ونطاق /ص18 فالشاعر يقدم بوحا وجدانيا تجلت عوالمه برومانسية شفيفة بتوظيف لغة الجسد التي ترصد العلاقات الدلالية بين الحركات الجسمية الظاهرة ومعناها اللغوي..كون(الاشارة واللفظ شريكان) على حد تعبير الجاحظ..مع اكتنازه برمزية منطلقة من مرجعيات فكرية وثقافية اسهمت في اتساع عوالمه وصوره المقترنة بجمله الشعرية المؤثرة في السياق والموجهة الدلالة وفق دوافع نفسية تتفاعل عناصرها الفنية والتجربة الذاتية للتعبير عن الحالة النفسية والذهنية..فضلا عن تميزه بايحاء تصويري يشد المخيلة بصوره المشهدية ذات التعابير المكتظة بصورها المشبعة بموسيقاها المنبعثة من بين ثنايا الالفاظ مع عمق دلالي يكشف عن مكنونات الذات المولعة باشارات الجمال..اضافة الى القافية التي تهيء لاستقبال التشكيل الزماني في النص بصفتها جزء اساس من لحمته ومكونا بنيويا له ارتباطه الذي لا ينفصم عن المعنى..اذ انها تسهم في خلق فضاء واسع في بناء النص مما يضفي بعدا شعريا وجماليا بفضل بعدها الايقاعي..
هذا عـتراق الاكرمين تسورت
اركانه بـــدم المــــكارم والفدا
هــــذا التقي المبتلى في خيره
ابدا تراه مكــــبرا ومــــــوحدا
يبتاع رضوان العـــزيز بنفسه
ليفــــــــوز بالجنات فوزا خالدا
ما مات من حمل الامانة جاهدا
بل مات من خان العقيدة قاعدا /ص9
فالنص يسبح بين عالمين شعريين متداخلين(الحسي والوجداني) مع تجاوز حدود الزمان والمكان باعتماد اللحظة الشعرية المتوهجة التي هي..(مغامرة الشاعر الظرفية في اللحظة الممتلكة لاتقادها الوجداني.)..فضلا عن انه معبأ بتسابيح الذات وانثيالات تكشف عن دلالته عبر مجموعة من الدوال المتلاحقة ذات الدلالات المتعددة ابتداء من العنوان المفتاح التاويلي الذي يسهم في فك مغاليق الخطاب.. كونه دلالة منتزعة من روحه المندرجة ضمن الحقل الدلالي تم اختياره وفق ارتباط الذات وتوجهاتها كي يحقق البعد الوجداني والفكري من خلال اشارته الى حمولة نفسية مأزومة تعبر عن صراع الانسان والزمن..فضلا عن انه يتخذ من المكان حيزا فاعلا بتداخله والبعد النفسي والذاتي للشاعر..اضافة الى انه يعتمد على ثنائية التضاد بالصورة والموقف لتعميق التناغم في ايقاع الصور والافكار..
اطوي الليالي والليالي غربـــة
تطوي صحائف قصتي وزماني
ليلاي حــــــني اتعبتني غربتي
وسقتني كاس مـــــذلة وهوان
ليلاي عودي فالقطيعة بعضها
أصر تنــــــوء بحمله اجفاني
عمري فداك حبيبتي ولتعلمي
حسبي الوفاء ونعمة الايمان /ص119
فالنص يتميز بنرجسية متجاوزة وسمته بنسيج رومانسي في اللفظ والصورة وهي تحقق ما قاله الشاعر والروائي الانكليزي روبرت كريفز(ان نصف الشاعر امراة..)..اضافة الى انه يتميز بتراكم الصفات التي اسهمت في الكشف عن توتر نفسي عبر مغامرة تكمن في التجاوز واستبطان القيم الجمالية التي تحقق عنصر الادهاش..اضافة الى ذلك فان تجربة الشاعر مشحونة بحوار داخلي وتداع واستذكار وتطلع نحو رؤيا حداثية بحضور واع..لذا كان الصوت الاخر حاضرا فمنحه قدرة التحرك على مساحة واسعة اسهمت في تصعيد الحدث.. وبذلك قدم الشاعر التميمي نصوصا تبحث داخل الاشياء كي تحقق الانفلات بتوظيف اللفظة الرامزة..المحركة للخزانة الفكري..المخترقة للحواجز بتركيبها الفني البعيد عن التقعر مع وضوح الرؤية كون الشعر(عملية انقلابية يقوم بها الانسان الغاضب..)على حد تعبيرالشاعر نزار قباني.. كونه يعبر عن الهم الانساني بمخيلة متدفقة تحول الفكرة الى صورة بتشكيلات حققت غناها واكتنازها الشعري وسياقها الدرامي المستند على تصادم المتناقضات الثنائية مع غوص في اعماق الذات لتفجير اللفظ وتشكيل الصور الشعرية التي هي وسيلة الشاعر لانجاز وظائف نفسية وتاثيرية وتخييلية..كونها فعالية تقوم على المجاز والاستعارة والتشبيه التي تكشف عن عمق تعبيري صانع لجمالية .


















