أزمـة البرنامج النووي الإيـراني

شــيماء معروف فرحان في دراســـة حالة

أزمـة البرنامج النووي الإيـراني

 فــلاح المرســــومي

في عالـــم اليـــوم لا تســـتطيــع دولـــة أن تعيـــش بمعـــزل عـــن التهديد ما دامــــت تلك الدولة طرفاً بالأحـــداث والتفاعلات السياسية الدولية ، حيث يعـــد إدراك التهــــديد العنصـــر المهـــــم والغـــالب في مجــــرى العـــديد مـــن الظـــواهـــر الســــياســـية الدوليـــة وفي مقـــدمتها الأزمات الدوليـــة  ، ذلك أن أسلوب إدراك التهـــديد هو بلا شــــك العـــامل المتحكـــم في أسلوب إدارة الأزمـــة ، الى جوانب عوامـــل أخرى متعددة ، أما أن تدفع بصانع القـــرار الى تفادي تطور الأزمـــة وتفادي التصعيـــد فيما إذا كان التهـــديد لا يرتقي الى مستوى تهديد الأهداف والمصالـــح القـــومية ، فـــي حيـــن قـــد يكـــون هنـــالك نـــوع آخــــر من الإدراك قــد يـــدفـــع بصــانع القرار الى تطـــوير الأزمـــة وتبرير عدائه للطـــرف الآخــر ،وهنــا توظف الأزمة الدولية كفرصــــة يحقـــق فيهـــا صـــانع القـــرار ما يصـــبو إليـــه مـــن هـــــدف ، وهناك نوع آخـــر من الإدراك يدفـــع بصــانع القـــرار الى إتبـــاع ســـياســـة المجازفة المحســـوبة في الأزمة حين يعمل على رفــــع درجاتها وتطويرها الى نقطـــة الـــذروة ، ومـــن ثم التراجـــع من دون الـــوصول الى الحـــرب ، ومن دون إنهائها بشكل كـــلي ، الى أنه متى ما ســـادت مـــدركات التهـــديد على المدركات الأخرى ، فان ذلك يمكن أن يشـــير الى ســـيادة علاقات الصـــراع في العلاقات الـــدوليـــة ، والعكــس صحيــــح ، وتعــد الأزمة القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حول برنامـــج الأخيـــر النووي نموذجاً للأزمات التي تحـــدث بســـبب وجـــود إدراك للتهـــديد المتبادل بيــن الطـــرفيـــن ، فقد عّدت أمريكا إيران حالة من حالات التهديد ومصــدر من مصـــادره ،بل واعتبرتها الدولة الأكثر خطورة لجهــــة  منع انتشار النووي الأمريكية منذ منتصف 2003 ، ومنذ ذلك الحين اتخذت أمريكا موقفاً شـــديد التصلب تجاه الأطراف المناوئة لها ، وأولها إيران ، وقـــد تباينت فصول إدارة هـــذه الأزمـــة تبعاً لمواقف الأطراف الدولية والإقليمية منها على الرغم من اتفاقها من حيث المبدأ على ضرورة امتناع إيران عن مواصــلة أنشطنها النووية المحظورة ووقف عمليات تخصيب اليورانيـــوم ، إلا أنها تباينت في إدارة الأزمـــة ليس فقط بحكم تباين مصالحها ، أو اختلاف علاقاتها مـــع إيران الطرف الرئيس في الأزمـــة ، ولكن الأهم من ذلك بحكم اختلاف مدركاتها بشأن سبل إدارة قضايا السلم والأمـــن على الســاحة الدوليـــة ، وأهمها قضايا منـــع الانتشـــار النـــووي , ويناولها هذا     الكتــــاب مدار قراءتنا والمعنـــون ” إدراك التهديد وأثره في إدارة الأزمـــة الـــدوليـــة  –  دراســـة حالـــة  – أزمـــة البرنامــــج النــــووي الإيـــراني ” لمؤلفتــــه الدكتـــورة شـــيماء معـــروف فــرحـــان بشكل واف ومن جميع الجوانب  : فقـــد تطرقت فيــــه لمــوضــوعات غاية في الأهميـــة ، وهي جوهـــر أي تفاعــلات أو عــلاقات ليســـت دوليــة فحســـب بل وحتى الإنسانية بشـــكل عــام ، ألا وهي التهــديد، وأدراك التهديد اللذان يعدان من المداخل المهمـــة المفســـرة لطبيعــة العلاقات والتفاعلات السياسية الدولية وأحداثها ليس لكونها تمثل المنطلق الذي تبنى عليه الدول سلوكها وأهدافها فحسب بل لأنها المفتاح الذي يكشف لنا نوايا الدول ،وما يقف خلفها من دوافـــع الصـــراع والتعـــاون . وأن أهمية الدراسة في هذا الكتاب لموضوع أزمة البرنامج النووي الإيراني ليس في كونها تؤشـــر احتمالية كــون هـــذه الأزمة المحطة الثالثة في توجهات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بعد افغانستان ، والعـــراق ، بغض النظر فيما لو استخدمت القوة العسكرية ضـــدها أم لا ، إذ يبقى الهدف الأكبر هو تدعيم رسم شكل جديد لعلاقات القوة في العالم بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوســـط بشكل خاص . وضمن هذا الإطار ليس هناك من شـــك في أن تصبح إيران بتوجهاتها الأيدلوجية الداخلية والخارجية عضواً محورياً في الشكل الجديد لعلاقات القوة ومرشحة لأن تكون إحدى المحطات التالية لقطار الآلة العسكرية الأمريكية ، وهنا لا بد من ســؤال : هل يصـــلح أسلوب التعامل الأمريكي مـــع الأزمــة الإيرانية فيما يتعلق ببرنامجها النووي ببناء نموذج يوضح ملامـــح الإدارة الأمريكية للأزمات التي يمكن ان تحدث على صعيـــد الانتشـــار النووي في منطقـــة الشـــرق الأوســـط . وقد وصفت الكاتبة في الفصل الثالث من مؤلفها المكون من خمســـة فصول وخاتمـــة واستنتاجات  ، كيفية تطور العلاقات الأمريكية  – الإيرانيــة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ومن بينها مكانة إيران في الاستراتيجية الأمريكية بعد الحرب وحتى عام 1979 وتناولت أيضاً تطور العلاقات منذ عام 1979وحتى الوقت الحاضر وما طرأ عليها من تطورات ساهمت في خلق جو الأزمـــة بيـــن الطـــرفيــن ، بعد أن تناولت في الفصل الأول وكما ذكرنا في المقدمة أعلاه ، إطاراً نظرياً لمفهوم التهديد جاءت عليه بهذا الفصل بثلاثة مباحث الأول : مفهوم التهديد وعلاقته بالمصطلحات وفي الثاني : أشكال التهديد ومستوياته المختلفة وركزت في المبحث الثالث على مداخل التهديد ومنطلقاته الأســـاســـية ، وفي الفصل الثاني بحثت في الإطار النظري لمفهوم إدراك التهديد وأثره في إدارة الأزمة الدولية ، كإدراك التهديد من حيث المعنى العام للإدراك ومفهومه وأنواعه وأهم مداخله وتمييزه عن الإحساس بالتهديد ، وفي مفهوم إدارة الأزمة الدولية كإطار مفاهيمي ، وأثر عامل إدراك التهديد في تحديد أسلوب تلك الإدارة ومن هذه العوامل : عوامل متعلقة بالخصائص والسمات الشخصية لصّناع القرار والعامل الآخر بطبيعة النوايا وأسلوب الاستدلال عليها ، أما في الفصل الرابـــــع فقد ركزت  الدراســــة على البرنامج النووي الإيراني بوصفه السبب المباشر للأزمة من حيث دوافعه وأهـــدافه وأهم العوامل التي دفعت بإيران للحصول على التكنلوجيا النووية وجعل هــــذا الخيـــار حلماً إيرانياً منذ أكثر مــــن أربعـــة عقـــــود من الزمان ســـواءً أكانت تلك الدوافــــع أيديولوجية أو ســــياســــية أو أمنيــــة ،  كما وقد حللت الدراســـة نشـــأة وتطور ذلك البرنامج ابتــداءً من مرحلة إنشاء البنية الأساسية  في عام 1958وانتهاء بمرحلة التقدم في البرنامج النووي الإيراني عام 2000 – 2005 بعد اكتشاف المواقـــع النووية الســـرية ، وتطوير إيران للصواريــــخ البالســـتية بعيـــدة المـــدى ، وأثر ذلك في خلـــق الأزمـــة بيـــن الطــرفيـــن ، وقد تم البحث في هذا الفصل بالمواقف المتباينة لأطراف الأزمة والتطرق الى الدوافـــع التي دفعت بأمريكا الى تبني موقفها الرافض للبرنامج النووي الإيراني ، ســـواءً تلك المتعلقــــة في الشك بالنوايا الإيرانية ، وتصادم المدركات بشــــأن هـــــذا البرنامــــــج ، وقد أوضحت المؤلفة في الفصل الخامس والأخيـــر : أســــلوب إدارة الأزمـــة من قبل أطرافها ويتم في إطار ذلك تناول  أسلوب الإدارة الإيرانية للأزمـــة ، وما ارتبط بها من استراتيجيات مختلفة اعتمدتها إيران على مــــدى الســـنوات الثلاث الماضيـــة ، وتطرقت أيضاً الى الإدارة الأوربيـــة لتلك الأزمة وأهم المبادرات والاتفاقات التي عقـــدت بين إيران ودول الترويكا الأوربيـــة كمرحلة مهمة من مراحل تلك الإدارة ، وكذلك في إدارة أزمة البرنامج النووي من قبل أمريكا ، وفي الخاتمـــــة واستنتاجاتها للأزمة تشير المؤلفة : الى أن الأزمة كشفت عن وجود تناقض حاد في المدركات الأمريكية – الإيرانية  ومنها أن إيران ليست موضع  ثقة حيث العلاقات العدائية بين الطرفين منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979وأزمة الرهائن الأمريكيين ، والموقع الجغرافي المهم لإيران فيما لو امتلكت الســـلاح النووي والذي ممكن أن يتصادم ومصالح أمريكا في المنطقة ، الخليــــج ، وبحــــر قزوين ، وهي المنطقة الغنية بالنفط والغاز .

وكذلك التهديدات الأخرى الكامنة للمصالح الإستراتيجية الأمريكية في حال تمكن إيران من امتلاك السلاح النووي ، رغم ذلك فان الخيار العسكري ليس من مصلحة الطرفين  ،  في حال استخدامه فستكون تكاليفه باهظة الثمن مادياً  وبشرياً ، ولذلك تبقى الأزمة بين الجانبين مفتوحة على كل تلك الخيارات المطروحة وإذا ما استجد شيء فقــــــد يؤدي لهذا الاستخدام ، لكنه يظــــــــل ومن وجهة النظر الأمريكــية أولاً ،أن الحل العســـكري في الغالب غير مضمـــون النجاح .

{ الكتــــاب مـــن إصـــدارات بيــــت الحكمــــة / بغــــــداد  2014 ويقـــــــع  بـ ( 496) صفحــــة.