وقت مستمر لتأمل مبدع من البصرة – رويدة ابراهيم

زمان جديد

صعوداً‭ ‬الى‭ ‬مئذنة‭ ‬محمد‭ ‬خضير‭. ‬بقلم‭ ‬رويدا‭ ‬ابراهيم‭ …‬

أعدت‭ ‬قراءة‭ ‬قصة‭( ‬المئذنة‭ )‬للكاتب‭ ‬العراقي‭ ‬الكبير‭ ( ‬محمد‭ ‬خضير‭) ‬في‭ ‬مجموعته‭ ‬القصصية‭ (‬المملكة‭ ‬السوداء‭)‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1972،‭ ‬وكأن‭ ‬الكاتب‭ ‬يحمل‭ ‬كاميرته‭ ‬الرقمية‭ ‬هبوطا‭ ‬سلالم‭ ‬السرداب‭ ‬الرطب،،‭ ‬ليصور‭ ‬انعكاسات‭ ‬الضوء‭ ‬المتساقطة‭ ‬كحبات‭ ‬الوهم‭ ‬فوق‭ ‬جسد‭ ‬بطلة‭ ‬القصة،‭ ‬لتسجل‭ ‬عدسته‭ ‬هذيانها‭ ‬الأنثوي‭ ‬في‭ ‬ساعات‭ ‬مابعد‭ ‬الظهيرة‭ ‬حيث‭ ‬تنبثق‭ ‬مشاعرها‭ ‬متزامنة‭ ‬مع‭ ‬حواسها‭ ‬الداخلية‭ ‬وشعورها‭ ‬بالوحدة‭ ‬والقلق‭ ‬التي‭ ‬تلازمها‭ ‬من‭ ‬وقع‭ ‬الأقدام‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬،‭ ‬ويستمر‭ ‬الكاتب‭ ‬بسيل‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬الدقيقة‭ ‬حولها‭ ‬،من‭ ‬الإبريق‭ ‬الشرقي،‭ ‬والمروحة‭ ‬،والوسادة‭ ‬البيضاء‭ ‬للرجل‭ ‬الغائب‭ ‬الحاضر‭ ‬ثم‭ ‬نهوضها‭ ‬صعودا‭ ‬الى‭ ‬الغرفة‭ ‬والمرآة‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬وجها‭ ‬مالوفا‭. ‬لم‭ ‬يتطرق‭ ‬الى‭ ‬تفاصيله‭ ‬ليترك‭ ‬خيال‭ ‬القاريء‭ ‬سارحا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬البطلة‭ ‬نزولا‭ ‬الى‭ ‬الفستان‭ ‬تحت‭ ‬العباءة‭ ‬العراقية‭ ‬،وبهذا‭ ‬يشير‭ ‬الى‭ ‬النزاعات‭ ‬والحروب‭ ‬والعالم‭ ‬المخفي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬بكل‭ ‬إرهاصاته‭ ‬وتداعياته‭ ‬الانسانية‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬المراة‭ ..‬حيث‭ ‬تمتزج‭ ‬التفاحات‭ ‬البيضاء‭ ‬والسوداء‭ ‬فوق‭ ‬جسدها‭ ‬كامتزاج‭ ‬الخير‭ ‬والشر‭ ‬الاسود‭ ‬والابيض‭ ‬،الظل‭ ‬والنور‭ ..‬ولان‭ ‬الكاتب‭ ‬يميل‭ ‬الى‭ ‬الرسم‭ ‬السريالي‭ ‬لشخصية‭ ‬البطلة‭ ‬وماحولها‭ ‬لكل‭ ‬الأشياء‭ ‬،،فيعود‭ ‬ادراجه

حاملا‭ ‬ريشته‭ ‬المائية‭ ‬،،لتمتزج‭ ‬الالوان‭ ‬الابيض‭ ‬والاسود،‭ ‬الأحمر‭ ‬والأخضر‭ ‬،الأرجواني‭ ‬والذهبي‭ ‬والماسي‭ ‬،وألوان‭ ‬اخرى‭ ‬يشفها‭ ‬من‭ ‬البيئة‭ ‬،وكانه‭ ‬يحيل‭ ‬عتمة‭ ‬القنطرة‭ ‬الشرقية‭ ‬بوابل‭ ‬من‭ ‬الالوان‭. ‬ويجند‭ ‬الظل‭ ‬والنور،‭ ‬معا‭ ‬ليصور‭ ‬تمازج‭ ‬الثقافة‭ ‬العراقية‭ ‬بكل‭ ‬ابعادها‭ ‬الأيديولوجيةوالاجتماعية‭ ‬وطوبوغرافية‭ ‬الانسان‭ ‬العراقي‭ .‬كما‭ ‬في‭ ‬قصصه‭ ‬الاخرى‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المجموعة‭ .‬

ويشير‭ ‬بالمفردات‭ ‬اللغوية‭ ‬البديعة‭ ‬واالتراكيب‭ ‬بمدخلات‭ ‬سردية‭ ‬وواقعية‭ ‬يفوق‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬المعاصرين‭ ‬،‭ ‬وتتجلى‭ ‬حبكة‭ ‬القصة‭ ‬مع‭ ‬شخوصها‭ ‬والحوارات‭ ‬القصيرة‭ ‬بين‭ ‬البطلة‭ ‬والمرأة‭ ‬السوداء‭ ‬،التي‭ ‬تعيد‭ ‬كل‭ ‬الذكريات‭ ‬المنسية‭ ‬الى‭ ‬الظهور‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بالعودة‭ ‬الى‭ ‬الغرفة‭ ‬البنفسجية‭ ‬وعش‭ ‬اللقلق‭ ‬المتداعي،‭ ‬والمئذنة،‭ ‬التي‭ ‬ترتقي‭ ‬عاليا‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬كان‭ ‬المراة‭ ‬تتوق‭ ‬الى‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬الأعلى‭ ‬والنهوض‭ ‬من‭ ‬القاع‭ ‬وهروبا‭ ‬من‭ ‬الروابط‭ ‬الاسرية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ..‬ثم‭ ‬يدخلنا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اخر‭ ‬شفاف‭ ‬بريء‭ ‬عالم‭ ‬الطفلة‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬ترمز‭ ‬الى‭ ‬ماض‭ ‬مجهول‭ ‬ومستقبل‭ ‬معتم‭ ‬مرفوضة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬تمضي‭ ‬ايام‭ ‬طفولتها‭ ‬في‭ ‬الظل‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬أسرية‭ ‬طبيعية‭ ‬لانها‭ ‬احدى‭ ‬اخطاء‭ ‬المجتمع‭ ‬،نحيلة‭ ‬وهزيلة‭ ‬الجسد‭ ..‬

ثم‭ ‬يعرج‭ ‬بالبطلة‭ ‬الى‭ ‬الشارع‭ ‬وعيناها‭ ‬التي‭ ‬ينفذ‭ ‬من‭ ‬خلالهما‭ ‬الى‭ ‬عمقها‭ ‬وخوفها‭ ‬وقلقها‭ ‬وارتباكها،‭ ‬وهي‭ ‬تمشي‭ ‬على‭ ‬الكورنيش‭ ‬وحيدة‭ ‬تراقبها‭ ‬النظرات‭ ‬،وهي‭ ‬البغية‭ ‬الهاربة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭. ‬تقف‭ ‬منبوذة‭ ‬قرب‭ ‬نافورة‭ ‬الماء‭ ‬المتساقط‭ .‬ليسلط‭ ‬عين‭ ‬الكاميرا‭ ‬الى‭ ‬امتزاج‭ ‬الماء‭ ‬بالطين،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬التكوين‭ ‬البشري‭ ‬،وكأنه‭ ‬يعود‭ ‬بِنَا‭ ‬الى‭ ‬سلالتنا‭ ‬الطينية‭ ‬الاولى‭ .‬ويسخر‭ ‬من‭ ‬وجودنا‭ ‬البشري‭ ‬وتمايزنا‭ ‬الطبقي‭ ‬،الذي‭ ‬لاجدوى‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬تظهر‭ ‬فيه‭ ‬افرازات‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تدرك‭ ‬المعنى‭ ‬الانساني‭ ‬والحقيقي‭ ‬لمواطن‭ ‬القوة‭ ‬لدى‭ ‬المراة‭ ‬الشرقية‭.. ‬وكأنها‭ ‬لعبة‭ ‬تلقى‭ ‬في‭ ‬اخر‭ ‬الامر‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬بلا‭ ‬روح‭ ‬ولا‭ ‬حياة‭ ‬وحيدة‭ ‬خاوية‭ ‬وهكذا‭ ‬معظم‭ ‬الشخصيات‭ ‬في‭ ‬قصصه‭ ‬مثل‭ ‬طيبوثة‭ ‬التي‭ ‬تتداعى‭ ‬فوق‭ ‬جسدها‭ ‬وموتها‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬كل‭ ‬الاعراف‭ ‬القبلية‭ ‬التي‭ ‬لامعنى‭ ‬لها‭ …‬