واوا

واوا

اسمي مصباح، ولكم طبعاً الحقُّ في أنْ تشكّو في ذلك، أبلغُ من العمرِ عِتِيّا، مع أنّي أنهيتُ دراستي قبلَ سَنتين، أو ثَلاث، أو أربَع، وهذا شأنٌ خاصٌّ بي. متقاعدٌ وفقيرٌ بل وتقريباً مُعدَم، لا أملكُ سوى عمارةٍ قديمة، وسيّارتَينِ قديمتين، في الحقيقةِ ليستا اثنتين، وبما أنّي لا أقولُ الحقيقةَ أبداً، فلن أُخبِركم بالعددِ الحقيقي، ولكي لا يَبْقى الفضوليّون يَتساءَلونَ حولَ العددِ الحقيقي، سأُخبِركم بأنّه من مضاعفات العدد ثلاثة!.

قبلَ شهرٍ واحدٍ دعستُ شخصاً كان يَمرُّ كالأبلهِ أمامي، بينما كنتُ عائداً من بيتِ صديقي، أو من الملهى، أو من أيِّ مكانٍ آخر، وتركتهُ هناك، لمْ أُبالِ بما حدثَ له، ولم  يرَني أحدٌ أدْعسه، عدا كَلْبٍ مُتشرّدٍ كان يَشْربُ من ساقيةِ الشارع، ربّما لمْ يكن كلباً، ربّما كان هرّاً أو أسداً، المهمُّ أنّهُ رآني، بعدَ أسبوعٍ من الحادثةِ بالتمام، أو ليس تماماً، فقد طرقَ الشُّرطيُّ بابي صباحاً، وأنا دعستُ المرأةَ ليلاً قبلَ أسبوعٍ تقريباً، أو أسبوع زائداً ساعاتٍ قليلة، أو حتى شَهْر، فلن يَتغيّرَ شيءٌ لأنَّ الشرطيَّ قد جاءَ وطرقَ بابي:

–           هل هذا منزلُ مصباح فاضل؟

–           نعم.

–           أنت مطلوبٌ للحضورِ حالاً إلى مركزِ الشرطة.

–           خيراً؟

–           ستعرفُ هناك.

غيّرتُ ملابسي سريعاً، أو لمْ أُغيِّرْها، لأنّني كنت أصلاً أرتدي نفسَ الملابسِ التي وجدتُ نفسي بها هناك.

مَشينا في الشارعِ وكان جميعُ من في المنطقةِ يُراقِبُني، سمعتُ أحدَ الحُسّادِ عندما مرَرْتُ بقربِه يقولُ للشرطي:

–           أنا أيضاً رأيتهُ كيف دَهسَ الصّبي.

لمْ يلتفت إليهِ الشرطيُّ ولمْ يُلقِ له بالاً، ربّما التفتَ قليلاً، لكنه لمْ يُلْقِ له بالاً. وَصلْنا إلى مركزِ الشرطة، وأدخلوني مُباشرةً إلى مكتبِ الضابط:

–           سيّدي، هذا مصباح فاضل أحضرناهُ أمامكم.

–           شكراً، دَعْنا وحدنا.

كان الضابطُ شاباً، وكانت على كتفهِ نجمةٌ واحدة، أو نَجْمتان، أو حتى نِسْر، لن يُغيّرَ هذا شيئاً من الموضوع، جلسَ قُبالَتي وطلبَ لي شاياً، أو أعْطاني سيجاراً، أو طلبَ لي شاياً وأعْطاني سيجاراً، قال بهدوءٍ وعيناهُ تَرمُشانِ سريعاً:

–           أنت مُتّهمٌ بدعسِ العجوزِ بتاريخ ( ونظرَ إلى ورقةٍ أمامه ) السابع من شهرِ آذار الماضي.

–           لمْ أدهَس أحداً.

–           هناك شاهد.

–           أحضرهُ إذاً.

نهضَ الملازمُ من مكانهِ غاضباً، خطا في الغرفةِ خمسَ خُطوات، أو سبعَ، أو تسعَ خُطوات، ووصلَ نهايةَ الغرفةِ قبالةَ الجدار، أو قبالةَ النافِذة، أو وصلَ الكرسيّ، إذاً عليهِ الالتفاف والعودةَ إلى مكانه، أو أن يَجْلسَ على الكُرسي، حسناً فلتكن: جلسَ على الكرسي، صاحَ بصوتٍ عالٍ وناشز:

–           أيُّها الشرطي.

فتحَ الشرطيُّ البابَ وأدخلَ نصفَ جِسمه:

–           نعم سيّدي؟

–           أحضرْ شاهِدنا.

بعدَ دقائقَ قَضَيناها أنا والملازمُ بسؤالٍ منه وجوابٍ منّي، أدْخَلوا الشاهدَ، كان طِفلاً صَغيراً، قالوا بأنّهُ حفيدُ المرأةِ العجوزِ التي دَهَسْتُها. لكنّني لمْ أدهسْ أحداً، أو ربّما دهَست! هنا عَليَّ أنْ أتأكّدَ من الموضوع، في حالِ دهستُ أحداً أمْ لا؟ دهستُ حيواناً؟ أو دعستُ شَيئاً، دهستُ شيئاً؟! هذا طبيعي، فمنْ مِنّا لا يَدْعسُ شيْئاً كلَّ يوم؟ مئاتُ الأشياءِ نَدْعسُها بدونِ أنْ نَشعر، أو ربّما ونحن نَشْعر، كلٌّ منّا يَدهسُ الأشياءَ حسبَ حجمِ سيّارته. كان الطفلُ صغيراً جداً لمْ يتعلّمْ الكلامَ بعد، سألهُ الملازمُ أوّل:

–           هل تعرِفُ هذا الشخص؟

–           واوا

رفعَ الملازمُ حاجبهُ بحركةٍ ماكرة، ناظراً إليَّ نظرةَ المُنتَصر:

–           هلْ سَمِعت؟ إنّه يقولُ نعم.

–           ولكنه لم يَقلْ نعم! إنهُ طفل.

–           ماذا تقول؟

–           إنّهُ طفل ( قلتُ ذلك وأنا أشيرُ بيَدي إلى الطفل، وتفاجأتُ بأنّ الطفل اختفى )

–           هل تعلمُ بأنّك وقِح؟

–           لقد كان الطفلُ هنا قبلَ قليل!! لابدّ وأنّكم تخدعونني.

–           إمّا أنْ تكون مَجْنوناً، أو إنّك تتغابى.

–           لا هذا ولا ذاك ( التفتُّ إلى الشاهدِ مرةً أُخرى، وفوجئتُ به شاباً بمثلِ عمرِ الضابط  وقد وضعَ سيجاراً في فمه ) هذا مستحيل!!!!

–           أنتَ موقوفٌ لثلاثةِ أيامٍ على ذمّةِ التحقيق.

–           لا تستطيعُ توقيفي، أنا نائبٌ في البرلمانِ ولديَّ حصانة.

–           أنت نائبٌ متقاعد.

–           أصدقائي لا زالوا نوّاباً، سأتّصلُ بهم حالاً.

–           غيرُ مسموحٍ لك أنْ تتّصلَ بأحد.

–           أنتَ لا تعرفُ ما أستطيعُ فِعْله بك، سوف أجعلكَ تَجْلسُ في بيتك بُمجرّدِ أنْ يَعْرفَ أصدقائي.

–           هل تُهدّدني؟

–           أجل، لأنّك تماديتَ على رتبتكَ أيّها الملازم، فهذا الشاهد ( والتفتُّ مرةً أُخرى، كان الشاهدُ قد اختفى والشرطيُّ يحملُ بيدهِ شاياً، لم أستطعْ الاستمرارَ بالحديث )

–           أيُّ شاهدٍ هذا الذي تَتحدثُ عنه؟

–           الذي كان هنا قبلَ قليل!

–           أنتَ الشّاهدُ سيّد مصباح.

–           شاهدْ؟! على ماذا؟

–           أيُّها الشرطي، أحضرِ الرجلَ الذي صدمَ العجوزَ بسيّارته.

قررتُ الصمتَ حتى أعرفَ ما يَحدث، وضعَ الشرطيُّ الشايَ أمامي، أو ربّما كانت قهوة، أو عصيراً، المهمُّ أنّني شربتُ شيئاً. بعدَ لحظاتٍ قليلةٍ قضاها النقيبُ يَرْوي لي نكتاً سَخيفة، دخلَ الشرطيُّ ومعه الكلبُ الذي أعْرِفه، أو الهرّ، أو الأسد، وربّما أنتم أيّضاً تعرِفونه:

–           سيّد مصباح، هل رأيتَ هذا الرجلَ وهو يدعسُ العجوزَ بتاريخ السابع عشر من آذار الماضي؟

التفتُّ إلى الرجلِ وبِمجردِ أنْ رآني، بدأ يصيحُ بكلامٍ غيرِ مَفْهوم، بسببِ مُشكلةٍ في لِسانه، ربّما كان قصيراً جداً! أو أنّه لا يَملكُ لساناً أصلاً، صرخَ العقيد:

–           اخرس أيُّها المُجرِم.

ضربهُ الشرطيُّ على رأسِه، أو على بَطْنه، أو ركلهُ بقدَمِه، نظرَ إليَّ اللواءُ مرّةً أُخرى:

–           هل هذا هو؟

لم أفكّرْ طَويلاً، لأنَّ الأمرَ ببساطة، إمّا أنْ أكونَ أنا أو أنْ يكون هو من صدمَ العجوز، أجبتُ الفريق أوّل وأنا أنهضُ عائداً إلى بيتي:

–           واوا!