نظرية عمّي عباش – نصوص – منهل الهاشمي

نظرية عمّي عباش – نصوص – منهل الهاشمي

 بعد الاحداث الدراماتيكية الماساوية المتسارعة والمتلاحقة لاحتلال الارهابيين الدواعش للموصل واجزاء واسعة من تكريت وديالى والرمادي, انتابني خوف وقلق شديدان من هذا التقدم المتواصل والمروّع لهؤلاء الوحوش الآدمية صوب بغدادنا الحبيبة. وحتى استقر ويطمئنَ قلبي ذهبت من فوري الى جاري الطيب (عباس). وعباس هذا هو رجل مخضرم ومعمّر كثيرا, ويكفي لكي نعرف مدى كبر سنّه أَن اذكر ـ وكما اخبرني بنفسه ـ  بأَنّ (الباشا) نوري السعيد كان يخاطبه منذ الابعينات بكلمة (عمّي) !!. وكان يعمل سابقا ضابطا كبيرا في الجيش وله خبرة ودراية قلَّ نظيرهما بالعسكرية والسياسة معا, ويعد بحق محللا وخبيرا ستراتيجيا من الطراز الاول بشؤون الحرب والسياسة. لكن وبسبب طول عمره المديد فقد تساقطت معظم اسنانه فاصبحت لديه بالتالي مشكلة في نطق ولفظ بعض الحروف. واهمها وابرزها انه كان يقلب حرف (السين)..(شِيناً). وباتت هذه المشكلة وبالاً وشَينَاً عليه بالفعل !! ولهذا وبسبب ما عُرف عنه من طيبة قلب شديدة ودماثة اخلاق وحُسن شمائل فقد كنّا في المنطقة ندعوه تحبباً ومودةً , بعمي (عباش) !!.

  استقبلني عمي عباس او (عباش) كالعادة نتيجةً للطفه وتواضعه بخير استقبال وحفاوة. حكيت له عن مخاوفي وقلقي من تنامي خطر هذا التنظيم المسلّح الارهابي (داعش) بعد احتلاله مؤخرا للكثير من المدن والقرى, طالبا رأيه وتقييمه القيّم السديد في هذه الازمة الخطرة.

  حالاً ضرب عمي عباس يده على فخذه تحسفا وتحسرا عمّا حل بنا وقال بنطقه المعهود بالكلام الذي يقلب السين (شِيناً) كما اسلفت : اخ ياولدي لقد اثَرتَ شجوني حقا , ونكأتَ جرحا عميقا احاول جاهدا تناشيه !!… ياولدي الف مرة حذرت في جميع جَلشاتي مع شياشيينا الذين اعرفهم من الخطر الشديد لهذه الجماعات الارهابية المشلّحة !!!… منذ اعوام قلت لهم يا شاشتنا عليكم بالقضاء على هذه الجماعات المشلّحة قبل تناميها, لكن للاشف لا حياة لمن تنادي. واستطرد قائلا : والله ياولدي كم قلت لهم إنَّ أَخوَف ما اخاف على شعبي وامتي هم الارهابيين المشلّحين !!!. حينما لاحظ عليَّ ارتسام ملامح الاستغراب الممزوجة بمشاعر الفرح !!. عاد ليؤكد: نعم يا ولدي, لا تشتغرب مما اقول… نعم الخطر أَشد الخطر يكمن في الجماعات المشلّحة… لان الجماعات غير المشلّحة لا خطر منها !!.

  اعجبني وافرحني ما قاله عمي غاية الاعجاب والفرح , ووالله لولا ” الملامة ” والعواذل لرقصت رقصة (المكارينا) فرحا وغبطة , لما عُرف عني من تفكيري (الوصخ) !!. فعدت اسأله بخبثي المعهود, وانا احاكيه النطق في لفتة ذكية مني , ظاهرها محاكاته ومسايرته تحبباً ومجاملة وباطنها الخبث واللؤم الشديدين !!. فقلت: ولكن يا عمي عباش اراك متحاملا جدا على الارهابيين المشلّحين بالذات دون شواهم من غير المشلّحين… هَلاّ أَفتيتنا بذلك مأجورا مشكورا ؟!!. اجاب بعفوية وببراءة شديدة وحسن نيّة مفرطة, ممتناً لمجاملتي له بمحاكاة نطقه : طبعا يا ولدي لان غير المشلحين يؤمنون بالحوار, وبالتالي فمن الممكن من خلال الحوار والتفاهم ان نصل معهم الى نتيجة او اتفاق, في حين ان المشلّحين لا يؤمنون إلا بالتشليح والعياذ بالله !!. صرخت مرعوبا بعد ان كبّرت : لا حول ولا قوة إلا بالله !!.. ولكن في هذه الحالة العويصة بمَ تنصحنا يا عمي بحكم خبرتك الطويلة العريضة بالتشليح والمشلّحين ؟!!. اجاب بحزم وثقة : اوصي بالتشليح.. ثم التشليح… ولا شيء شوى التشليح !!!. سألته مرعوبا من هول ما تخيلت : ولكن اذا كانوا هم باجمعهم مشلّحين بالكامل, ونحن نواجههم ايضا مشلّحين بالكامل, في هذه الحالة ” راح تعلكـ  للضالين ” ؟!!!. اجاب باشد انفعالا : (خل تعلكـ للضالين !!… ليش هي كوترة يتشلّحون إلنة وتريدنا نشكت…لا طبعا لازم نواجهّم إحنة همين مشلحين بالكامل) !! واردف قائلا : خذها مني يا ولدي نظريتي التي اكتشبتها من واقع خبرتي الطويلة بالعشكرية والتشليح… ” اليتشلّحلك.. تشلّحله ” دون تردد !!. قلت له : ولكن يا عمي الرحمة حلوة !!. اجابني هو ذو النظرية ” التشليحية ” الراديكالية المتطرفة التي لا ترضى بأَنصاف ” التشليح ” ولا بأَرباعه, بل ” تشليحاً ” كاملاً مطلقاً محتداً  بحماس : لا انت مخطئ فيجب أَلاّ تأخذنّكَ بالمشلّحين ادنى رحمة او لومة لائم… لا تراجُع ولا اشتشلام.. تمتمت : يا شاتر يا رب, ولكن يا عمي ” اذا كلمن يتشلّحلي اتشلّحلة, بهيجي حالة راح تقوم القيامة ” !!!. هتف منفعلا : لِتقم القيامة.. أَنْ نموت بكرامة ونحن ندافع عن انفشنا مشلّحين كالابطال, لخير الف مرة من ان نموت بذُّل ونحن غير مشلّحين كالجبناء !!. فسألته: معنى هذا انك تتوقع ان يكون الوضع القادم تشليح  تشليح ؟!!  قال بألم وحسرة : بالضبط هذا هو ما اقصده, وللأشف ياولدي الظاهر كُتب علينا التشليح !!. هتفتُ خائفا مما سيحدث قائلا على طريقة (العندليب): رحماكَ ربي… رحماك من هذا العذاب… قلبي من ” التشليح ” ذاب !!. وسألته : ولكن يا عمي برايك من هم الاقدر في التشليح فمن الواضح أَنّ للتشليح مدارش ؟!!. اجاب دون تردد : بالتأكيد فالتشليح مدرشة, فن وذوق وهندشة !! وطبعا امريكا معروفة بروعة وعظمة تشليحها !!. اثارني الفضول ” التشليحي ” فعدت أسأله : ولكن يُقال أَنَّ فرنشا ايضا معروفة ببراعتها في التشليح ؟!!. اجابني: لا.. الفرنشيون لا يتشلّحون كما يتشلّح الامريكيون, خذها مني ياولدي قاعدة ذهبية, امريكا هي الاولى بالتشليح في العالم !! ودع عنك من يقول عكش ذلك من اكاذيب. قلت مؤيدا : انا اؤيدك في ذلك تماما, فقد ادركته من خلال متابعتي للافلام الامريكية التي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنّ امريكا هي الاعظم بالتشليح !!!. اجابني متحمسا : دعك من الافلام الامريكية و” كلاواتها ” وأنظر على ارض الواقع.. على الطبيعة لتعرف حقيقة قوة وتاثير التشليح الامريكي !!. اجبته صادقا : في الحقيقة يا عمي ولأكن صادقا معك انا رايت التشليح الامريكي في (الفيديو), وللاشف الشديد لم أَرهْ على الطبيعة !!. فهتف بحسرة : (لا, فاتك نص عمرك !!). سألته بفضول : (ليش انته شايف التشليح الامريكي عالطبيعة ؟!!). اجابني بمنتهى الثقة : (شلون لعد, آني شايف كل انواع التشليح ما خال تشليح يعتب علية, آني ياما شلّحت وتشلّحت !!). قلت له : اذن كان الله في عونك !!. واستطرد جادا بعد ان قدحت برأسه فكرة : (بالمناشبة شنو رايك لو نتشلّح شِوا هشّة آني وياك ؟!!). اجبته متورطا وأنا في حالة يرثى لها لما اتخيله وقد وقعت في المحظور : ها !!.. لا اشكرك عمي فانا بصراحة ومنذ النظام الشابق كنت والحمد لله شالِم غير مشلّح لأشباب طبية, ولو كنت مشلّحا وقتها لحصل لي بالتاكيد ما لا يُحمد عقباه !!. فقال باصرار : انا عن نفشي نويت الآن أَنْ اتشلّح !!. خاطبته مازحا وبحكم ” الميانة ” والجيرة فقلت : (لا عمي كول غيرها انته شباقي بيك ظال بَش عالتوقيع ويشوف شُغلة عزرائيل !!.. عوف التشليح النا احنا الشباب.. فنحن الشباب لنا الغدُ, ومجده المخلّدُ !!). فاذا به وقد غلبه الحماس يصرخ محتدا : ابدا والله انا لن اتنازل عن التشليح ابدا مهما يكون… مهما يكون !!. وبسبب عِلوّ صوته وتقمصه لشخصية سميرة سعيد , اُحرجت كثيرا فقلت له متوسلا : (على كيفك عمي على بختك , منّاك العالم شيكولون.. شميرة شعيد وصاحبها متشلّحين وكاعدين بالبيت ؟!!). لكنه استمر بحماسه الحامي : (آني مايهمني أَي شي, ومشتعد لمواجهة أَي مشلّح). سألته مستغربا : (أَي مشلّح.. أَي مشلّح ؟!!). اجاب مؤكدا : (ومو بش مشلّح.. لا ومشلّحة همين اذا متريد !!). قلت له مهدّئا : (لا عمي انته شتصير رامبو ؟!!.. خلّي المشلّحين عليك, وعوف المشلّحات عليّة… خلّي شوية عليّة.. وشوية عليك !!!). والحق إني تذكرت هذه الحكمة من (شيّد) مكاوي !!.  فاشتعل حماسا وقال : بارك الله بكَ يا ولدي, انتم الشباب حقا ذخر الحاضر وعماد المشتقبل. اجبته : دعنا من عماد المشتقبل, وعماد حمدي !! فانت تعرفني حق المعرفة من الممكن ان اتشاهل واتشامح في اي شيء إلا التشليح فانا بالتشليح (ماعنديش يَمّة ارحميني !!). فقال مربتاً على كتفيّ استحسانا: احشنت يا ولدي.. احشنت, فبهذا الايمان العظيم بالتشلّيح شنواجه كل المشلحين على وجه البشيطة. واستطرد وهو يهزّ راسه بلهجة العارف بكل شيء : تذكر يا ولدي ان المشلّحين خطر على البلاد والعباد, واننا لكي نشتطيع مواجهتهم يجب ان نتشلّح كما تشلّحوا… فهذا هو الشبيل الوحيد لكشب معركتنا النبيلة المقدشة مع الارهابيين المشلحين, لذا ادعوك من الآن أَن تعتمد على نفشك بالتشليح, وذلك بأَن تشلّح نفشك بنفشك !!. تاثرت كثيرا بهذا الكلام المؤثر في الصميم فرفعت يديّ داعيا متضرعا: اللهم اكفنا شر المشلّحين.. وشر ” المشتخبي ” !!. فقال : نعم الله يبعدهم عنّا, فهؤلاء لا يتفاهمون ابدا , ” ايدهم والتشلّيح !!.

   فعدت اسأله في مسألة تهمني اثارت شجوني فقلت : لكن من الملاحظ عنهم ندرة المشلّحات في التنظيمات الارهابية نشبة للمشلّحين, فما الشبب يا ترى ؟!!. فاجابني: نعم هذا صحيح, والشبب يعود لمجتمعنا الذكوري الذين ينظرون نظرة دونية للنشاء, مع العلم أنّ هناك بعض النشوة ممّن يدعمن الارهاب لو قُيّظَ لهن ان يتشلّحن, يا شاتر يارب منهنَّ اذا واجههنَّ احدهم, فالله الوحيد العالِم بما شيحصل !!. وكأنه طعنني بخنجر بقوله المستفز هذا فاجبته متحمسا : لا والله حاشا والف حاشا, انت فقط هات لي أي امراة ارهابية وجرّب شلّحها امامي لترى ما شأفعل بها, فوالله وتاالله وبِعَقدْ الهاء, لاجعلنّها تلعن الشاعة التي تشلّحت بها !!. فقال: في الحقيقة اقول ذلك لأن هناك بعض النشوة للأشف من الشَهل تضليلهنَّ والتغرير بهنَّ لكشبهنَّ مع الارهابيين الدواعش المشلّحين, ولا تنشَ في النهاية بأَنهنَّ ناقصات عقل ودين. اجبته صادقا صدوقا : بصراحة يا عمي هوَ ذاك بالضبط ما يعجبني فيهنَّ , النقص في العقل والدين !!.

  والحق اقول انّ حديث جاري عن اولئك النسوة الارهابيات ممّن (تشلّحن) قد اثار قلقي ومخاوفي, فقد خفت من ان تكون احدى الارهابيات قد ضلّلت (حاتتي) وغررت بها بالانضمام لتنظيمهم الارهابي, قاطعته مستئذنا بالخروج على حين غرّة, فسألني مستغربا عن سرّ خروجي المفاجيء. اجبته قلقا مضطربا : (بصراحة عمي حجيك قلقني كلّش اريد اروح اطمئن عالكبد مالتي.. بش لا الكاها مشلّحة !!!).