نبكي على بغدادنا – عبد الأمير كاظم الجوراني

نبكي على بغدادنا – عبد الأمير كاظم الجوراني

 

 يوم أمس كنت في زيارة للعاصمة الحبيبة بغداد؛ لغرض الاستجمام.. رأيتها وليتني لم أرها.. فمنظرها حزين، وشوارعها كئيبة تبكي وتئن ألماً من الإهمال المؤسف الذي تعانيه.. وكثرة القطوعات والحواجز الكونكريتية التي قطّعت أوصال هذه المدينة إرباً إربا. ولكثرة زحام السيارات في شوارعها العامة، قررت مواصلة المسير في الشوارع الفرعية.. حيث كنت أتوقع أن أرى منظراً يسرّني.. حيث خيّل لي أنَّ الشوارع الفرعية قد زُينت بأشجار الزينة الخضر.. وإذا بي أتفاجأ بتراكم الأوساخ والأزبال بشكل لم يسبق له مثيل، وكأنَّ الذي أراه أمامي هو مكب للطمر الصحي.. فتحدثت مع نفسي: أهذه هي بغداد التي عرفناها (عروس العواصم).. بسبب جمالها الذي افتتن به الشرق والغرب وبخزائن العلم والثراء التي كانت تملكها قديماً وحديثاً؟.. وكانت يوما بعد يوم تزداد علوّاً وشموخاً منذ أن اختيرت عاصمة للدولة العباسية العربية التي حكمت العالم آنذاك.. وقد اختار موقعها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور واتخذها عاصمة للدولة العباسية؛ وذلك لاعتدال مناخها ونقاء هوائها واحتضانها للنهر الخالد (دجلة الخير) مما زادها جمالاً وبهاء وعطاء.. فأضحت للأدباء شِعراً وللمطربين أغنية ولحناً.. فكانت سيدة الطرب العربي الأصيل (أم كلثوم) تترنم وتشدو بأنشودتها الشهيرة: (بغداد يا قلعة الأسود.. يا كعبة المجلد والخلود).. وأنشد لها المطرب (عبد الغني السيد): (بغداد يا بلد الرشيد.. يا منارة المجد التليد).. وكذلك أنشدت لها (بلبل العرب) المطربة الشهيرة (فيروز): (بغداد والشعراء والصور.. ذهب الزمان وضوعه العطر).. أما شاعرنا وشاعر العرب الأكبر (محمد مهدي الجواهري) فقد تغنى بدجلة الخالد من خلال قصيدته الشهيرة والتي مطلعها:

حييت سفحك من بعد فحييني      يا دجلة الخير يا أم البساتين

حييت سفحك ظمآناً ألوذ به        لوذ الحمائم بين الماء والطين

يا دجلة الخير يا نبعاً أفارقه       على الكراهة بين الحين والحين

لكن اليوم أصبحت بغداد تشكو عصرها الدامي المظلم.. ويبكي على حالها القاصي والداني.. فيعتصر قلبك ألماً وحسرة حتى ولو كان من حجر.. ويزيدك ألماً وحزناً على ما هي عليه الآن من إهمال وخراب ونفايات.. بالرغم من أننا في عصر أضحت فيه التكنولوجيا والتقدم الصناعي والزراعي تسهم بشكل رئيسي في تطور ونهضة الأمم والمدن والشعوب وفي كافة مجالات الحياة.. ولكننا في العراق وفي بغداد، لا زلنا نعيش العصور المظلمة المتخلفة بكل ما تحمله من خراب ودمار وقتل ودماء.. فهل نبكي على حالنا؟ أم نبكي عليكِ يا بغدادنا الجميلة الزاهية؟ ونحن نراك وقد ذَهَبَتْ عنك مسحة الجمال والبهاء والزهو والازدهار منذ أكثر من أربعة عشر عاماً.. والمأساة تزداد يوماً بعد يوم!!.

 فهل من عودةٍ لماضيك الجميل التليد؟.

كربلاء

مشاركة