ناجي التكريتي وقصة رواية نورا واللقاء في أبي غريب
عبدالهادي البابي
كربلاء
في عام 1982 وعندما كنت ملتحقاً إلى وحدتي العسكرية في جنوب العراق أشتريت من مكتبة النهضة وسط بغداد – كما هي عادتي كل مرة- رواية (نورا) ..ولم أطالع من هو كاتبها أو مؤلفها ..حتى صعدت إلى الباص وهناك طالعت الكتاب وإذا بالمؤلف هو (الدكتور ناجي التكريتي) ..لم أسمع به من قبل ولم أعرف عنه شيئاً.. وكان من عادتي أن أنتقي الروايات العالمية المشهورة وآخذها معي في كل مرة ألتحق بها إلى وحدتي العسكرية حيث تكون هي أنيسي في الطريق وفي وحشة الحرب وليالي الموت والفراق والحنين إلى الأهل هناك في جبهات القتال لمدة شهر كامل .. قرأت الرواية مرة وثانية وثالثة حتى أحببتها بجنون ..أنها تتحدث عن طالب عراقي يذهب للدراسات العليا في إحدى دول أوربا وهناك يتعرف على شابة جميلة أسمها (نورا) فيقع في غرامها ويعيشان قصة حب جنونية بكل معنى الكلمة فيها فواصل إنسانية رائعة وممتعة للغاية ..ولكن ظروفهما وأوضاعهما وأختلاف البيئة الإجتماعية تفرق بينهما ولم يكتمل حلمهما بمواصلة المشوار فيتوقف حبهما الكبير بنهاية حزينة.
لقد أحببت الروائي ناجي التكريتي دون أن أراه أو أعرفه …فقد وجدت فيه الكاتب الذي يعكس صورة كل شاب عراقي عاشق حرمته الظروف من حبيبته وكنت أقول في نفسي : هل أن في العراق كّتاب وروائيون بهذا الحجم وهذه الروعة يعادلون فيكتور هيغو في (بؤساءه) أو شارل دكينز في (قصة مدينتين) أو همنغواي (الشيخ والبحر) أو عبدالحليم عبدالله في ( من أجل ولدي) وغيرهم ونحن نعتقد بأنهم آخر مطاف القصة والرواية في هذا العالم…؟
وتشاء الصدف أن أدخل – محكوماً مظلوماً من قبل محكمة الرشيد الخاصة- إلى سجن أبي غريب الرهيب عام 1985 بسبب تهمة (سياسية) جائرة لفقها لي ضابط أستخبارات الوحدة ..ووضعوني في (قاف رقم 2) وكان عمري حينها لايتجاوز 21عاماً ..وفي أحد الأيام كنت أتمشى في ممرات السجن الطويلة أثناء الأستراحة تفاجأت بشخص خمسيني جميل الوجه يرتدي (روب رماني مزكرش جميل وراقي جداً ) وهو يسير وحده في الرواق ولايختلط بالآخرين ..تمليت في وجهه جيداً كان الوجه ليس غريباً علي .. أنه الدكتور ناجي التكريتي ..أقتربت منه بهدوء وحذر ..وألقيت عليه التحية ..فرد علي بكل أحترام : أهلاً وليدي تفضل : …فقلت : هل أنت الدكتور ناجي التكريتي ..قال نعم ..أين تعرفني ..قلت له أنت صاحب رواية (نورا) ..؟ فتبسم وقال : نعم ..هل قرأتها ..؟ قلت بلا وأنا من أشد المعجبين بها وبك يادكتور …!! ومن يومها أستمرت لقاءاتي بالدكتور ناجي التكريتي كل يوم نلتقي ونتمشى في أروقة السجن التي تفتحها أدارة السجن لوقت محدود وحدثتي عن سبب سجنه وهو أتهامه بانه كان يزدري البعث ولا يقيم وزناً لصدام وعائلته الذي كان يراه دكتاتوراً أرعن سوف يحرق العراق ومافيه وحدثني عن كيفية أستدراجه من الخارج ثم اعتقاله بطريقة وحشية ..ثم حدثني عن نورا ..ورأيت كيف أن عينيه تغرورقان بالدموع وهو يمسحهما على أستحياء عندما يتحدث عنها ..لقد كانت قصة حقيقية عاش فصولها ناجي التكريتي ..هذا مافهمته منه بالضبط ..ولهذا فهو قد أبدع في روايته وكأن كل مشاعرة وأحاسيسه وأحلامه وضعها أمامنا على الورق !! بعد أسابيع ..جاؤا إلى السجن وأخذوا الدكتور ناجي التكريتي ولم أعرف له مصيراً ، وحتى عند خروجي من السجن عام 1987 لم أجد أثراً لرواية نورا في الأسواق مرة أخرى.. حتى كان عام 2013قبل أشهر حينما نشرت صفحة أتحاد الأدباء والكتاب في العراق حفلاً تكريمياً للدكتور ناجي التكريتي .. ألف تحية وسلام للروائي العراقي الرائع الدكتور ناجي التكريتي… وأقول له : كم أنا مشتاق لرؤيتك ولقراءة (نورا) ألف مرة ومرة.