منصة المنبوذين والعظماء

منصة المنبوذين والعظماء
فاتح عبدالسلام
الجمعية العامة للأمم المتحدة باتت تشبه منبر الحرية في هايد بارك في كل شيء سوى الكراسي الوثيرة والمايكروفونات اللاقطة والمنصة الأنيقة. ثمة مكان دولي في نيويورك يبدو كأنه معلق ما بين الأرض والسماء لا ينتمي إلى أي منهما. غير إننا بإمكاننا وصفه بالمكان المتنفس لجميع الأضداد ليقولوا ما يشاءون ببساطة لا رقيب عليها ولا ضريبة. كل مَنْ لديه فكرة لتغيير العالم أو نفسه أو اصلاحه أو ترقيعه أو الاستعراض أمامه يجد في هذا الاجتماع السنوي مساحته الرحبة المفضلة لخطاب احتبس في جوفه سنة كاملة.
مرّ على منصة الخطاب في نيويورك شتى الحكام، منهم الديمقراطيون والديكتاتوريون، وبينهم البلغاء والمتأتؤون، ومنهم الفقراء والأغنياء. مساحة دولية من الحرية لا يجدها الزعماء أنفسهم في بلدانهم أحياناً لكنّهم يتحفوننا من خلالها بأفكار لو عادوا بها إلى بلدانهم لزرعوا الصحاري وأجروا الأنهار واستعمروا الجبال.
إنها منصة دولية متناقضة الوجود والدلالة تجمع المنبوذ والمكروه والمستجد والمتشدق. منصة جمعت القذافي الذي رمى عرض الحائط أمامها نسخة من دستور الأمم المتحدة، كما احتضنت الزعيم السوفييتي الأسبق خروشوف الذي أشهر حذاءه ووضعه على المنصة تحدياً للمارد الأمريكي وحلفائه، وها هي تحتضن الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد المحاصر بشتى عقوبات الدول الكبرى والذي جاء مبشراً بمجيء المهدي المنتظر من دون حرب أو اراقة دماء، بعد أن كانت مليشيات الأحزاب في العراق بعد احتلاله 2003 تشيع أن كل قطرة دم تراق تقرب عودته يوماً أو سنة أو ساعة لا فرق.
يا لها من مساحة للرأي اللافت الذي لا يعمل به ولا أحد يكترث له إلاّ على سبيل النكتة أحياناً أو اسقاط الفرض الدولي والإقليمي أحياناً أخرى.
وبرغم ذلك كله كان في هذه الدورة هناك أصوات كثيرة لزعماء اتفقوا على أن سوريا تعيش كارثة كبرى لابدَّ من ايجاد حل لها.
قل ما تشاء مثل ديمقراطية الدول العربية واترك للحكومات تفعل ما تشاء، معادلة تراها مجسدة بوضوح على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
FASL