مقالات تسترجع القصاصات – نصوص – يعقوب أفرام منصور

نوّاف أبو الهيجاء في الذاكرة والخاطر

مقالات تسترجع القصاصات – نصوص – يعقوب أفرام منصور

سترعى انتباهي مقال الأخ رزاق إبراهيم حسن في جريدة (الزمان) ليوم 3 أيار تحت عنوان (بغداد بعيون قلم فلسطيني)، فشرعتُ في مطالعته، متعلّلاً باستجلائي نبأً عن نوّاف ابو الهيجاء لأنني قبل أسبوعين من تاريخ صدور المقال ـ أي في 19 نيسان، أبردتُ إليه رسالة إلكترونية، هذا نصّها [ منذ شهرين لم أقرأ لك شيئًا في الزمان. في أيّ بقعةٍ من الأرض أنت حاليًا؟ أتمنّى لك الطمأنينة، وأدعو لك بالسلامة الدائمة. إني أُتابع أنباء (مخيّم اليرموك)، فوضعه الحالي يبعث على القلق بشأن مستقبله القريب. دمتَ محفوظًا برعاية الله. برفقة الرسالة أُبرد قصيدتي (آهًا.. وطني!) المنشورة في الزمان في 7 نيسان مع سلامي ومحبتي.] لكنني لم أتسلّم ردّه عليها.

    فلبثتُ أيامًا قيدَ الهواجس والتعليلات، ولما بلغتُ في مطالعتي أواسط سطور العمود الرابع من المقال، أدركتً علّة عدم تسلّمي ردّ نوّاف على رسالتي، فقد غاب عن دنيانا الصديق الحميم اللبيب نوّاف أبو الهيجاء وغادر دار الإحتراب والأطماع والأوجاع، إلى دار البقاء والسلام والراحة الأبدية. بيدَ أنه ـ مع كل هذه السيئات والسلبيات التي نلقاها وتُنغّص عيشنا، وتُدمي أفئدتنا، وتستدرّ دموعَنا على هذه البسيطة المكتظّة بالهموم والكوارث بشكلٍ متفاقم في العقود الثلاثة الأخيرة ـ يبقى الفراق الأبدي الذي يُسبّبه موت الأصدقاء الألبّاء والأوفياء، والأحبّة الفضلاء، والأقرباء النجباء، باعثًا على الحزن والإكتئا ب والبكاء. فرقدتُ ليلتي في ذلك اليوم محزونًا ودمعتي بين جفنيّ.

    بعد أن لاحظتُ من جريدة (الزمان) نشرها بعض المقالات بقلم نوّاف أبي الهيجاء، صادرة عن بيروت في أواخر 2014 وأوائل 2015 على صفحات (تقارير وأخبار)، بادرتُ إلى مراسلته إلكترونيًا في 18 كانون 2 ، وأُوردُ هنا نص الرسالة لأشتمالها على جوانب من علاقتي الثقافية ـ الإخوانية معه:

ألأستاذ نواف أبو الهيجاء

تحية طيّبة بسرور وتثمين طالعت مقالك المنشورعلى الصفحة الرابعة من (الزمان) ليوم العاشر من كانون        الثاني تحت عنوان (المحترمون)، وخصوصًا الفقرة الأولى منه، وقبله طالعتُ مقالاً لك في الجريدة عينِها ليوم 9 من شهر 12 لعام 14 صادرًا عن بيروت، وأرجّح أن مقالك صادر عن بيروت أيضًا،  إذ أستبعد وجودك في بغداد في هذا الظرف. لذا أنتهزتُ فرصة وجود عنوان بريدك الإلكتروني في أسفل إحدى مقالاتك لأبرد إليك هذه الرسالة.

    أغلب الظن أن انصرام أكثر من أحد عشر عامًا على التاريخ الكارثي 9 نيسان  2003 قد غيّب عن ذاكرتك إسمي وسُحنتي وما يمتّ إليهما بصِلة وذكرى، وأنت بعدُ في مستهل مطالعتك  هذه الرسالة. غير أني أعود القهقرى إلى يوم 10 تموز 2002 حين قدّمتني إلى الحاضرين في قاعة مقر إتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين/بغداد لإلقاء محاضرتي في شأن (عوامل النهضة العربية حضاريًا وقوميًا ودور المسيحيين  فيها). فعلى الرغم من حسن إدارتك ندوة الأمسية، ورصانة ردّك على بعض الإعتراضات والمداخلات من متزمتين وقليلي معرفة وإطّلاع على جوانب الموضوع، لجأ نفرٌ منهم إلى التهجّم عليّ، وشجْبِ بعض محتويات المحاضرة من دون أدلّة على شجبهم، فقد كان النفَس الطائفي التزمّتي الإنغلاقي لديهم واضحًا آنئذٍ ـ مع الأسف الشديد ـ لكن رئيس الإتحاد الدكتور فاضل ثامر نافح عني، ورفض تجاوزَهم الأصولَ المهذّبة في الرد والمداخلات، كما آزره آخرون في ذلك الموقف. ومع ذلك، لبثتُ حيال ذلك النفر ثابتًا كالطود الشامخ.

     وقد نشرت مجلة (بين النهرين) التراثية الحضارية البغدادية نص هذه المحاضرة الطويلة في عددها المزدوج 119 ـ 120 الصادر في عام 2002 ، وذكرتْ في هامشها أن جريدة القادسية في عددها ليوم 13 تموز 2002 وجريدة الجمهورية  ليوم 16 تموز 2002 قد أشارتا إلى المحاضرة، كما ان المجلة المذكورة أوردت في هامشها أن الأستاذ نوّاف أبو الهيجاء قد أدار تلك الأمسية في الإتحاد.

ألتذكير الثاني هو من خلال الصورة التي التُقطت في 29 تشرين 2 عام 88 في فندق شيراتون/ بغداد، وقد جمعتني معك ومع ناجي جواد الساعاتي وألفريد سمعان(سكرتير الإتحاد) والشاعرة لميعة عبًاس عمارة، وكانت الزيارة باقتراح مني بمناسبة حضور لميعة مهرجان المربد الشعري، كما أن إلتقاط الصورة من قِبل مصوِّرـ لمحتُه مارًا بجلستنا ـ كان باقتراح مني أيصًا. فهل تملك نسخة من هذه الصورة التذكارية؟! هذا ما ذكّرّتْني به مقالتك، وهذه السطور ما شئتُ بها أن أذكّرك بأيام وأحداث جمعتني بك. ولا أدري إن كنتَ في مغتربك قد طالعتَ بعض مقالاتي في (الزمان) مذ عام2004، والبارحة زوّدتُ الجريدة بمقال موسوم (الأعوام العشرة العجاف).

    أختم بالسلام عليك من عراقي يحب فلسطين كموطنه، ويحمل عنك أطيب  الذكرى.

فأجابني بأنه لم ينسَني كما لم ينسَ عراقيين طيّبين عرفهم. ومما ورد في جوابه أن مسكنَه دُوهِم مع مساكن أخرى في مخيّم اليرموك بأسلوب همجي وحشي، حمله على مغادرته حافيًا، تاركًا أعزّ ما يملك: كتبه وأوراقه وملابسه  للمقادير وما يكتنفها من عبث وإتلاف. منذئذِ أخذتُ أضيف قصاصات مقالاته في الزمان إلى الإضبارة التي تضم قصاصات  شتى أستنسبُ الإحتفاظ بها لتكون من جملة  مواد مراجع أرشيفي.

     من القصاصات التي إحتفظتُ بها، واحدة من ص 4 ليوم 10/1/15 معنونة (المحترمون)، قال في مطلعها: [ نصف قرن من العمل الإعلامي عمومًا، وفي التعامل مع الصحافة خصوصُا، علّمتني صِدقَ ما كان المرحوم أبي يُردّده دائمًا: ” الذي يَحترِم .. يَحترِم نفسَه “. وقال في خاتمتها: ” لا مساحة محدّدة في هذا الزمن لحبس الكلمة والحقيقة، بل إن  مساحة التوجّه عراقية وعربية وإسلامية وعالمية. هذه المسألة تُضفي أهمية مضافة على (الزمان)، متمنيًا لها وللزملاء كلِهِم التوفيق والنجاح والسداد.]

    ومن قصاصة ثانية ليوم 18/1/15، معنونة (إندهاش واستغراب)، قال في اوّلها:[ أندهش كفلسطيني، وأستغرب كعربي، وأتساءل كإنسان عن معنى التظاهرة الباريسية الأخيرة، وجمْعِ ما يبدو للوهلة الأولى (ألنقائض) في السياسات والمواقف والمعتقدات. أندهش لوجود الرئيس الفلسطيني، والمجرم العنصري نتنياهو في صفٍ واحد]. ومن خاتمتها أنقلُ هذه السطور: [  من حقنا أن نندهش ونستغرب ونغضب ونرفع الصوت عاليًا، مطالبين بالمساواة بيننا كبشر مع الشعوب الأخرى في العالم، فلقد خَلقنا الله أحرارًا.]

     ومن قصاصة لاحقة ليوم 20/1/15، معنونة (الحقيقة بلسان سويدي)، أجتزئ هذا المطلع [ ” إسرائيل عدوانية للغاية “. هكذا تحدّثت وزيرة خارجية السويد يوم 16/1/15 ولم تتوقّف، بل فسّرت مضيفةً إن الإسرائيليين ماضون في سياسات الإستيطان والهدم والإحتلال المنطوية على إذلال الشعب الفلسطيني.]

       ومن القصاصة الأخيرة عندي من ص 6 ، موضوعها (سيف الفيتو وعنق الحق الفلسطيني)، ورد قبل الفقرة الختامية هذه السطور: [ لنلاحظ أن الفيتو الأمريكي كان موجّهًا ضد (دولة فلسطينية) في حدود 67، مع منح الإحتلال مدة سنتين لكي ينسحب من الأراضي التي احتلّها في 67 . فلنتصوّر ماذا لو كان المشروع يتضمّن حق العودة، والقدس الموحّدة العاصمة الفلسطينيَة ؟]

    بهذه النفثات الأخيرة من يراع نوّاف أبي الهيجاء، أختم هذا المقال التقييمي التذكاري، سابغًا على روحه من عصارة وجداني شآبيبَ الرحمة ومِسكَ الوداع على جهاده القلمي والفكري وطنيًا وعربيًا وإبداعيَا. لقد أحبّ العراق حبَّه لفلسطين، كما أحببتُ أنا فلسطين حبّي لوطني. وهو جدير بأن تحملَ شاهدةُ لحدِهِ هـــــــذه العبارة (هنا يرقد من أحـــــبّ العراق حُبَّه لوطنه). قال شــــــــاعر في الرحيل والخلود هذا البيت:وما لامرئٍ طولُ الخلـــــودِ وإنما يُخلّدُه طولُ الثناءِ فيخلُدُ