بروكسل- كييف – الزمان
اعترفت أوكرانيا الاثنين بوضع «معقد» شمال باخموت، مركز المعارك في شرق البلاد، حيث أعلن الجيش الروسي الاستيلاء على بلدة جديدة مواصلا محاولاته لتطويق هذه المدينة الحصن في دونباس.
مدينة باخموت التي كان عدد سكانها 70 ألف نسمة قبل الحرب، دمرت إلى حد كبير خلال أكثر من ستة أشهر من القتال الذي خلف ايضا خسائر بشرية فادحة لدى الجانبين. ورغم أن أهميتها الاستراتيجية موضع تباين، باتت المدينة رمزا للصراع بين موسكو وكييف للسيطرة على هذه المنطقة الصناعية في شرق البلاد.
بعد عدة أشهر من تبادل القصف المدفعي بدون تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض، أحرزت القوات الروسية تقدما في الأسابيع الأخيرة لا سيما شمال باخموت حيث سيطرت على مدينة سوليدار الشهر الماضي.
وأقرت الرئاسة الاوكرانية الاثنين بأن الوضع «معقد» في بلدة باراسكوفيفكا جنوب سوليدار وعلى بعد 10 كلم من وسط باخموت «التي تتعرض لقصف وهجمات مكثفة» روسية. وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية إن «الخصم يبدل تكتيكه باستمرار. أحيانا، يشن هجوما بمجموعات صغيرة ثم يستخدم عشرات الأشخاص المستنفرين في هجوم آخر. أحيانا، يكثف القصف الليلي ويقصف المدن الخلفية بالصواريخ في شكل منهجي».
واضافت الوزارة عبر تلغرام «أحيانا، يبدو المحتل أكثر قوة وباعداد أكبر»، مع تأكيدها أن الهجوم الروسي آيل الى «فشل كبير». حذّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ الاثنين من أن القوات الأوكرانية تستهلك كمية ذخائر أكبر بكثير من تلك التي تنتجها الدول الأعضاء في الحلف التي ينبغي عليها حتمًا زيادة إنتاجها.
وقال خلال مؤتمر صحافي عشية اجتماع لوزراء دفاع دول الناتو، إن «الوتيرة الحالية لاستخدام الذخائر في أوكرانيا أكبر بكثير من وتيرة إنتاجنا الحالية».
وأضاف «هذا الأمر يضع صناعاتنا الدفاعية تحت الضغط». وقال «نعم لدينا مشكلة، نعم، هذا تحدٍ». وأشار إلى أن الحلف بدأ اتخاذ تدابير متحدثًا عن زيادة القدرات على المدى القصير، عبر العمل خلال عطل نهاية الأسبوع مثلًا، إنما أيضًا على المدى المتوسط عبر الاستثمار في قدرات الإنتاج. وأوضح أن الموضوع سيُناقش الثلاثاء في اجتماع لمجموعة دعم أوكرانيا برئاسة الولايات المتحدة، ثمّ في اجتماع لوزراء دفاع دول الحلف. ويشارك وزير الدفاع الأوكراني أوليكسيي ريزنيكوف في الاجتماعين ويتحدث أمام الحلفاء عن حاجات القوات الأوكرانية، بحسب ستولتنبرغ.
وتابع أنه ستجري مناقشة تزويد أوكرانيا طائرات مقاتلة، لكن «ذلك سيتطلب وقتًا والأولويات على المدى القصير هي الذخائر والأسلحة الموعود بها مع وقود وقطع غيار». تتّجه سيارات الإسعاف مسرعة نحو مركز يتجمّع فيه الجنود الأوكرانيون الجرحى، خارج باخموت (شرقاً) التي تعدّ مسرح المعركة الأطول والأكثر عنفا في أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي.
ينتظر سائق سيارة الإسعاف إيفان على جانب الطريق وصول الجرحى الذين يتزايد عددهم مع اشتداد المعارك. وسط ساحة، يتنهّد إيفان قائلاً «هناك، إنها مثل فردان»، في إشارة الى معركة دامية في شرق فرنسا في العام 1916 خلال الحرب العالمية الأولى.
تزداد معركة باخموت البالغة العنف رمزية مع اقتراب الذكرى الأولى لبدء الحرب في أوكرانيا في 24 شباط/فبراير. إذ تريد موسكو تحقيق انتصارها الأول بعد أشهر من الانتكاسات، لكن كييف مصمّمة على الصمود.
وبينما يسعى كلّ طرف إلى ترسيخ وجوده، طغت الخسائر البشرية بين القوّات المسلّحة والمدنيين على الأهمية الاستراتيجية للسيطرة على هذه المدينة الصناعية السابقة، والتي باتت أحياؤها الشرقية والشمالية والجنوبية دماراً.
- الصمود «لأطول فترة ممكنة» -
يرى مارك كانسيان المحلّل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنّ المقاربة المعتمدة من الطرفين، تعدّ «مشكلة كلاسيكية من الحرب العالمية الأولى».
ويقول إنه بعد فشل المحاولات الروسية الأولى لمحاصرة باخموت، «واصلت (روسيا) الهجوم» رغم أنّ الانتصار «لا يعني شيئاً على المستوى العسكري والاستراتيجي».
ويضيف الضابط السابق في مشاة البحرية، الذي اعترف بأنّ خيارات أوكرانيا محدودة، «بالتالي، هناك الكثير من الرمزية في حال سيطروا على باخموت، سيتظاهرون بأنّها مهمّة ولكنّها ليست كذلك».
من جهتها، تفيد أجهزة الاستخبارات البريطانية بأنّ التقدّم الروسي توقّف ولكن الضغط مستمرّ.
ويأتي ذلك فيما مجموعة فاغنر الروسية المسلّحة الأحد مسؤوليّتها عن السيطرة على كراسنا هورا، على بعد بضعة كيلومترات شمالي باخموت.
وهذا ما يبرّر دعوات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المتكرّرة للدول الغربية لتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة.
فقد قال في بداية شباط/فبراير أمام عدد من المسؤولين الأوروبيين الكبار المجتمعين في كييف «إذا تسارعت عملية تسليم الأسلحة، خصوصاً البعيدة المدى، لن يقتصر الأمر على عدم الانسحاب من باخموت، و(لكن) سنبدأ في إنهاء احتلال دونباس». وأضاف أنّ الجيش سيدافع عن باخموت «لأطول فترة ممكنة».
ولكن هذه المعركة لا تتعلّق فقط بأسلحة عالية الدقة. إذ يشير المحلّل العسكري الأوكراني أوليكسندر كوفالينكو إلى أنّ كييف تحتاج بشكل أساسي إلى مدفعية وذخيرة شائعة الاستخدام. ويقول لوكالة فرانس برس «إذا لم يحدث ذلك، سنواجه مشاكل خطيرة في باخموت».
- «ميزة كبيرة» لروسيا -
على الأرض، يعرب الجنود الأوكرانيون عن الحاجة نفسها.
وكان يوري كريجبيرسكي الجندي البالغ من العمر 37 عاماً قد أوضح لوكالة فرانس برس في نهاية كانون الثاني/يناير أنّ «العدو يملك ميزة كبيرة من حيث المدفعية». وأضاف «يمكنكم الجلوس في قبو في فاسيوكيفكا (قرية شمال باخموت موجودة على الخط الأمامي أيضاً) لمدّة نصف ساعة وسماع مرور 40 قذيفة».
تتمثّل الميزة الثانية لدى روسيا في عدد المقاتلين الروس الذي يثير فضول هذا الرقيب الأوكراني المعروف باسمه الحركي ألكور، إذ قال «نطلق النار، نطلق النار ثمّ نطلق النار، لكن بعد خمس دقائق، يظهر 20 رجلاً آخرين أمامنا».
وتُتهم موسكو وفاغنر باستخدام مجنّدين غير مهيّئين كـ»وقود للمدافع»، الأمر الذي يرفضه المحلّل العسكري الروسي ألكسندر خرامتشيخين، معتبراً أنه «دعاية غربية».
يبقى أنّ كييف تكبدت خسائر فادحة. فقد أكد الرائد فولوديمير ليونوف، من قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية، سقوط حوالى عشرة جرحى في صفوف قواته خلال ثلاثة أيام في كانون الثاني/يناير. كما قُتل خمسة من الجنود التابعين له ولم يكن بالإمكان استرداد جثثهم.
وقال لوكالة فرانس برس «رجالنا متحمّسون، الجميع جاء للقتال»، مضيفاً «لكن عندما لا يكون هناك دعماً مدفعياً، ولا توجد دبابات، يتمّ إطلاق النار عليك فقط، كما هو الحال في ميدان رماية».