مائدة العراق السياسية – كامل كريم الدليمي
التنوع هو احد الصفات المميزة للمائدة الغذائية ، وهذه المرة التنوع في الكفاءات والتميز في الاداء شمل المائدة السياسية ، وللمرة الأولى يشهد العراق تنوعاً نوعياً على مستوى مائدتهِ السياسية ، يرتكز على التكافل والتعاون وسد الفراغات دون الانشغال بمن “يسجل الأهداف ” ويصنع الرمزية لذاته ، اليوم من يقوم بالمهمة بدلاً عن زميله في خدمة العراق هو ديدن هذه المرحلة واحد ابرز سماتها ، للوهلة الأولى يظهر العمل وكأنهُ عملية تداخل في السلطات ، لكن النتائج سجلت انهُ عمل تكاملي يستحق الوقوف عنده كتجربة فريدة زادت من فعالية وكفاءة الرئاسات الثلاث في العراق ، أعتدنا في الحكومات السابقة ان نرى رمزيات المكونات هي من تتصدر المشهد في المناصب الرئاسية لتعود باقي المناصب لمن هم اقل رمزية مذهبية او قومية ، فكان المرحوم مام جلال الطلباني رئيساً للجمهورية بينما يحتل الحزب الديمقراطي الكردستاني نائب رئيس وزراء وبعض المناصب الوزارية ، وشغل السيد المالكي رئيس وزراء ، والسيد اسامة النجيفي رئيساً للبرلمان ، كلها اسماء اقترنت برمزيات مكوناتية ، التحول الكبير الذي شهدهُ العراق في حكومة 2018انتقلنا من مرحلة الرمزيات الحزبية والمكوناتية الى مرحلة انتقاء الكفاءات ، فشغل السيد عبد المهدي منصب رئيس الوزراء بتوافق الجميع علماً انهُ لايملك حزباً ولا كتلة سياسية داعمة ولايمتلك الرمزية الشيعية الاولى ، لكنهُ يمتلك الكفاءة والحكمة والروية في التصرف على الرغم اننا نسجل عليه البطء في الخطوات والانتقالات إلا انه في الطريق السليم ، وتمكن من ابعاد العملية السياسية من جو النزاعات والسجالات وصراع السلطات التي كانت تعيشه في المراحل السابقة ، الاخ رئيس الجمهورية شخصية علمية ذو نظرة ثاقبة ، لديه عمق سياسي وخطوات محسوبة ، يعمل بجد لأعادة العراق للمحافل الدولية وقد نجح في كل جولاته الخارجية السابقة ومشاركته المميزة في القمة العربية كان لها الأثر الكبير في ملء الفراغ الذي تركهُ العراق في المحافل العربية ، ويمتلك كارزمة جعلت له حضوراً مميزاً في المحيط العربي والدولي ، علماً انه ايضاً ليس الرمزية الأولى في التمثيل الكردي ولكن يُعَد من الصف الأول للكفاءات المتميزة ، اما الشاب المثابر السيد رئيس البرلمان فيشهد له القاصي والداني بطاقته المتفجرة وشجاعته بتحطيم اصنام الكلاسك السياسي والانطلاق للفضاء العراقي الاوسع في العمل البرلماني وترسيخ مبادئ وادوار جديدة للبرلمان في رسم سياسة العراق الخارجية ، البعض يتساءل ولماذا هذا التداخل في المسؤوليات ؟
الاجابة واضحة ان الصورة التكاملية الجديدة للرئاسة الثلاث رسمت للعراق منهجاً سياسياً جديداً بعيداً عن سياسة تحجيم البعض للاخر ، بل رسموا ادواراً لأنفسهم وواجبات كفريق عمل واحد يسعى بشكل كبير الى تحقيق عودة سريعة للعراق للمحافل الدولية وعقد اتفاقيات مع دول الجوار الجغرافي والتفاعلي للنهوض بالعراق بمشاريع وخطط ستراتيجية طويلة الامد ، قد تحتاج العملية زمناً ليس بالقليل كي تظهر نتائجها الإيجابية ، لكن في اقل احتمال نحن على الطريق السليم وبالمناسبة حتى عمليات التدمير والفساد والانهيار على جميع الاصعدة ايضاً احتاج وقت طويل جداً كي يوصلنا لما نحنُ فيه من ترد ، اذاً ان نمنح الرئاسات الفرصة هو السبيل الوحيد لاكمال خططهم الرامية لإيقاف التدهور واعادة البناء والنهوض بمشروع تنموي كبير ، بالتأكيد هذا العمل تتخللهُ اخطاء وتقاعس في حساب حيتان الفساد ووجود مظالم للمواطنين لم تعالج وهناك حالات انتهاك هنا وهناك وملف النازحين المركون ، وكثير من الملفات التي لم تعالج ، لكن انا ذكرت ان التدمير دام سنوات والبناء ايضاً سيحتاج الى سنوات ، تتسرب اخبار من هنا وهناك حول محاولة الاطاحة بحكومة عبد المهدي لاسباب تم ذكرها سابقاً وهي ملفات عالقة ومعقدة ، لكن اعتقد عبد المهدي يحتاج وقتاً اكبر ليُثبت ارادته في ترسيخ الانتقالة والنهوض الذي وعد به في برنامجه الحكومي ، الحركة سلحفاتية لكنها في الطريق السليم نحتاج من السيد عبد المهدي ايقاعاً اسرع في الاداء لايقاف تداعيات الفساد وسوء الخدمات وسيسجل وحكومته بصمة تأريخية تحسب لهم . العراق تعرض للأذى وشعبهِ تحمل وصبر وقدم التضحيات الجسام وآن الأوان ان يجني العراق وشعبه ثمرة تلك التضحيات على المستوى الوطني والمجتمعي لا على مستوى الاحزاب والمذاهب والمكونات ، هي دعوة للرئاسات الثلاث مزيداً من الجهد الدبلماسي الخارجي لعودة مميزة للعراق يقابلها مزيداً من الجهد والعمل الداخلي لتحقيق التوافق والنهوض .