الضرير سامي الياسري
لم أجد أية مساعدة لطبع دواويني الشعرية – نصوص – رزاق ابراهيم حسن
بين الشاعر سامي الياسري وبين الشعر علاقة فاعلة ومستمرة، اذ ولد مع الشعر مبصراً، يغرس عينيه في الاشياء والعلاقات والذكريات، وظلت معه عيناه، تتواصل مع مشاهداته وعلاقاته وذكرياته، وتأخذ المزيد من التصاعد والاتساع واذ تستمع الى الياسري وهو يلقي قصيدته يخالجك احساس بانه يلقيها بكل حواسه ومشاعره، وان عينيه ستحضر في صوته وايماءات اصابعه وبوح شفاهه.
ويقول: لقد فقد العديد من الادباء العرب والاجانب حاسة البصر، ومع انهم عانوا فقدان هذه الحاسة المهمة، الا انهم كانوا من الادباء البارزين في ادابهم، واعتقد ان الشاعر يمكنه ان يتابع ويعيش المتغيرات ويحضر تاثيراته اذا كانت لديه الموهبة المبدعة واذا كانت لديه القدرة على ملامسة ومعايشة الاوضاع والمتغيرات والتطورات في البيئة الثقافية، والقدرة على التواصل معها، والدخول في تقاليدها وظواهرها الابداعية.
{ ومتى بدأت الشعر؟
– لقد بدأت كتابة الشعر صغيرا، وقد اثارني السياب بصوره الجديدة والمدهشة والجميلة وما تحمل من الوان وتداعيات وابداع، ولم اترك السياب، وانما كان مرافقا لي في مسيرتي الشعرية، ومن خلاله وجدت ان العلاقة مع التراث لا تتحقق من خلال التقليد والاجترار والاستعادة وانما من خلال الابداع.
{ وهل توقفت عند السياب فقط؟
– السياب كان علامة بارزة في قراءاتي، ولكنني لم اتوقف عنده، وانما قرأت الرصافي وشعراء النجف من امثال الجواهري وعلي الشرقي واليعقوبي وعبد المنعم الفرطوسي والمتنبي والبحتري واقرأ لشعراء المهجر وكل ما يتاح الحصول عليه من الدواوين الشعرية والمجلات الثقافية.
{ وما الذي تحاول تحقيقه في شعرك؟
– انا اختلف عن الذين يقصرون الشعر على جانب واحد ورؤية واحدة، ورغم العمى الذي افقدني حاسة البصر فانني احاول جاهداً ان اتحسس الاشياء وبمختلف جوانبها ، وان اتواصل مع الطبيعة ومع الاشياء الجميلة، ومحاولة التعبير عن هذه الاشياء في مختلف الفصول والاوقات.
{ وهل تأثرت بشاعر معين؟
– لا استطيع ان احدد مثل هذا التاثير، ولا يمكن تحديده، لانه نتاج الكثير من الشعراء، فانا شاعر عربي واقرأ لمختلف الشعراء العرب، واعجب واحفظ لشعراء معينين، ولعلهم تركوا بعض تاثيراتهم في شعري، ويمكن تحديد وتشخيص هذا التاثير من قبل النقاد.
{ وهل هناك من اثار اهتمامك؟
– كل هذه الاسماء قد اثارت اهتمامي ولكن السياب والبياتي ونازك الملائكة ابرز هؤلاء الشعراء واعد السياب في المقدمة.
طفولة وشباب
{ وهل حدث تغير في فهمك للشعر؟
– لقد كنت في طفولتي وشبابي اتعاطف مع الشعر السياسي التقدمي الذي يثير عواطف واحاسيس الجمهور، والشعر الذي يساعد على فهم الاشياء واشاعة التنوير والاضواء فيها، ومازلت اتعاطف مع هذا الشعر على ان يكون رصينا وجيدا، ويكون معبرا عن نفسه برؤية فنية حديثة، وذات اشتيعاب للتطور الحاصل في الشعر العربي.
{ انت مع الشعر المكرس للتغيير.. كيف يحقق ذلك؟
– ان الشعر لا يكتب دون اهداف ومقاصد وانما هو احد مفردات التغيير، بل يكون من الادوات المهمة والاساسية في بعض المراحل،ذلك ان الشعر يمكن ان يكون حاملا لكل القيم والمبادئ الوطنية ويكون حاملا لتاريخ طويل من الانغراس فيها والدفاع عنها، ومن الخسائر الكبيرة ان نترك هذه الثروة دون استخدام وتوظيف، وان لا نستفيد منها في مواجهة التحديات، وان نترك ابوابنا ونوافذنا مفتوحة امام عواصف وسموم الاعداء.
{ وكيف نتعامل مع نقاد يعيبون على الشاعر التزامه واهتمامه بالتنوير؟
– ان النقاد الذين يريدون اخراج الشعر من المعارك الوطنية والقومية انما يريدون بذلك تطبيق افكار ومناهج غريبة، تعمل على اخراج الشعر من المجتمع وجعله مغرقا في الذاتية، والغموض والعينية، ولا اريد بذلك ابعاد الشعر العربي عن التواصل والتفاعل مع الشعر الغربي، ولكن علينا في هذا التواصل ان نغرس اقدامنا في ارضنا، وان نتشبث بكل ما هو اصيل وحقيقي ومطلوب، وان نلتزم هويتنا التي التصقت بقيمنا ومبادئنا، وكانت وماتزال مكرسة للدفاع عن قضايانا، وحقوقنا.
{ وانت كيف تتعامل مع الموضوع؟
– لا اكتب للرياح، ولا اكتب لما هو ضائع، وانما احاول ان اكتب عن الاشياء الباقية والمشعة في حياتنا، ويحصل ان اكتب عن موضوعات مؤقتة ومحدودة وسريعة التاثير ولكنها تعبر عن نفسها من خلال ما هو ابدي وازلي، اي من خلال الثوابت المبدئية والمستمرة، وهذا ما تلمسه في الكثير من قصائدي.
محطات معينة
{ وهل توجد محطات معينة في مسيرتك الشعرية؟
– نعم توجد محطات فالشعر الذي كتبته في بداية حياتي الشعرية يختلف عن الشعر الذي اكتبه حالياً واحاول ان اجعل كل قصيدة مختلفة عن القصيدة الاخرى، ويطول الحديث عن ذلك، ويمكن تحقيقه من خلال دراسات نقدية موظفة لذلك وانا من الشعراء الذين يحرصون على اغناء شعرهم بالمتغيرات البيئية والسياسية والاجتماعية والعاطفية، وهي مفاتيح للتعرف على شعري ومحطاته، كما انني احاول في قصائدي ان استفيد من المسرح وان اجعل شعري دراميا دون افقاده اهتماماته، وموضوعاته الاخرى، وهذه من المحطات الموجودة في شعري.
{ وهــــل تنتمـــي لجيـــل مـــعين؟
– لا انتمي لاي جيل، فالشعراء الكبار امثال المتنبي والسياب والبحتري والجواهري لم ينتسبوا لاي جيل وظلوا متواصلين مع مختلف الاجيال، وانا اطمح ان اكون من شعراء كل الاجيال ثم انني لا انتسب لما هو زائل وظرفي لاسيما على الصعيد السياسي، وانما انتسب للوطن ولحضاراته التي ظلت عابقة، متواصلة مع مختلف العــــصور والاجــــــيال.
{ هل تكتب قصيدة النثر؟
– لا اكتب قصيدة النثر لانها حسب رأيي المتواضع تخالف الذائقة العربية، ولا تمتلك ايقاع القصيدة العمودية التي كانت وماتزال تستجيب لكل عواطف واحاسيس الجمهور العربي، وانني ارى ان العرب مازالوا مؤمنين بالقصيدة العمودية، وان من المفارقة ان نكتب ما يتناقض مع هذا التوجه المتواصل والاصيل.
{ وهل تجد في شعرك ما يدل على ذلك؟
– لا احبذ ان اكون نرجسياً، ولا اطمح لما هو اكثر من حقي، بل انني مع كل رأي يحقق ذلك، لاسيما وانني من الشعراء الذين فقدوا نعمة البصر، ومثل هؤلاء الشعراء ينالون مكانة متميزة في اغلب المجــــــتمعات.
{ وهل تشعر باهتمام معــــين؟
– لا يوجد مثل هذا الاهتمام وليس فيه ما نسمع عنه لدى بعض المجتمعات المتقدمة وغالبا ما نحرم من اشياء متاحة للجميع لاننا عميان ولان بعض الجهات تشعر ان الاعمى قد يكلفها مبالغ اكثر من البمصرين لانه بحاجة الى من ياخذ بيديه، ويقوده اثناء اقامة بعض الندوات والمهرجانات وانني لم احصل على اي تسهيل لطبع ونشر دواويني وقد طبعتها على نفقتي الخاصة، ولدي عدد من الدواوين المخطوطة وهي جائزة لمن يريد طبعها ونشرها وجعلها متاحة لمن يرغب في الاطلاع عليها.



















