معاهدة غيّرت شكل التبعية
لماذا الثالث من تشرين الأول عيد وطني للعراق ؟ – جواد الرميثي
بغداد
اصدر مجلس الوزراء العراقي قرارا عد به يوم الثالث من تشرين الاول من كل عام عيدا وطنيا عراقيا، وهنا نتساءل :ماذا حصل في ذلك اليوم التاريخي لنحتفل به؟
معاهدة لوزان
بعد ان تم عقد معاهدة (لوزان) في 24 تموز 1923 بين تركيا والحلفاء , ظلت قضية الحدود العراقية – التركية معلقة , وغدت هذه القضية ورقة ضاغطة بيد بريطانيا على العراق ,وقد اقحمت بريطانيا (عصبة الامم) في تلك القضية وعدت ان تحديد مدة المعاهدة البريطانية لعام 1922 الى 25 سنة تبدا من 13 كانون الثاني 1926 مرتبط بالاعتراف بولاية الموصل كجزء من العراق .
وقد كتب المؤرخ العربي ساطع الحصري (ان عصبة الامم خيرت الحكومة العراقية بين الموافقة على تحديد المعاهدة والتنازل عن ولاية الموصل لتركيا) فلم يكن امام العراق اي خيار سوى الموافقة على تحديد المعاهدة العراقية لعام 1922 للمدة المقترحة حفاظا على وحدة تراب العراق، كما لم يكن امام مجلس الامة الا ان يقبل هذا التمديد في جلسته المنعقدة 21 كانون الثاني 1926 باكثرية 58 صوتا ضد 18 صوتا للمعارضة وتغيب عن الجلسة عشرة نواب، حيث كان عدد اعضاء مجلس النواب انذاك 88 عضوا مفضلا بذلك اهون الشرين ! من جانبه , فان ابواب الامل لم تغلق بوجه الملك فيصل الاول لتقصيرأمد المعاهدة او تخفيف بنودها ذلك ان مدة 25 سنة كانت مقرونة بعبارة ( ما لم يقبل العراق عضوا في عصبة الامم قبل ذلك) .
فبرز هدف جديد لسياسة الملك فيصل يقوم على ضرورة الاسراع في الدخول الى عصبة الامم، لان ذلك الدخول سيؤدي الى الغاء العلاقات الانتدابية بين بريطانيا والعراق بصورة رسمية، ولاسيما ان قضية ولاية الموصل قد انتهت وان مجلس عصبة الامم اعترف بكونها جزءا من العراق، اي ان المعاهدة الاولى قد تحولت في الجولة الثانية الى ورقة رابحة بيد الملك فيصل ،حيث ان مادتها السادسة نصت على:-
(جلالة ملك بريطانيا يتعهد بانه يسعى لادخال العراق في عضوية عصبة الامم في اقرب وقت ممكن).
ضجة كبيرة
وبعد مباحثات طويلة، رافقتها ضجة كبيرة، تم وضع معاهدة عراقية – بريطانية جديدة في 14 كانون الاول 1927، والذي جاء في مادتها الاولى (بان العراق دولة مستقلة وذات سيادة) وحددت المادة الثانية منها تاريخ ترشيح العراق لعضوية عصبة الامم بعام 1932 (على شرط ان يحتفظ بمستوى التقدم الحاضر وان تسير الاوضاع سيرا جيدا في نفس الفترة) وان تتحسن العلاقات بين الحكومتين البريطانية والعراقية.
كان الشعب العراقي غير راض عن تلك المعاهدة، وظلت الوزارات العراقيةتجادل الجانب البريطاني بوجوب تحقيق دخول العراق في عضوية عصبة الامم من دون قيد او شرط مما اضطر بريطانيا الى اصدار بيان 14 ايلول 1929 الذي رشحت بموجبه العراق لعضوية عصبة الامم في عام 1932 من دون قيد او شرط .
ونتيجة للنقمة على سياسة المعاهدات التي كانت تستبطن روح الانتداب ونصوصه المقيتة عقدت بريطانيا هذه (رابطة) مع العراق في 30 حزيران 1930 جعلتها اساسا للتحالف العراقي -البريطاني وامدها 25 عاما، والذي كان من المفروض تنفيذها بعد دخول العراق عصبة الامم وفي الثالث من تشرين الاول 1932 تم الغاء الانتداب البريطاني على العراق بدخوله عضوا في عصبة الامم واصبح العراق دولة مستقلة .(لذا عد هذا اليوم عيدا وطنيا للعراق)
وهنا لابد من الاشارة الى ان هذه المعاهدة قد غيرت شكل (التبعية) العراقية لبريطانيا ولم تلغها ، وهكذا يبدو جليا ان استقلال العراق بين الحربين العالمتين كان قد تميزتاريخيا باستمرار السيطرة البريطانية (المستترة) على مقرراته واحتفظت بحق التوجيه في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد.