لؤلؤة القوقاز

لؤلؤة  القوقاز

باسم عبد الحميد حمودي

بغداد

عندما بدأ د. أحمد عبد المجيد نشر سلسلة مقالاته عن تفاصيل رحلته الى جورجيا تابعتها معجبا مع الآف من القراء الذين يرتاحون لكتابات استاذ الاعلام الذي دربته الصحافة فابدع فيها باسلوبه المستكشف المبدع المحاورللافكارالموثق لتفاصيل تأثير الزمان على المكان بفعل البشر والقدر.

 أدركت بداية أن فصول (جورجيا… لؤلؤة القوقاز) ستكون متكاملة على هيأة الكتاب الذي بين يدينا، الذي يروي برشاقة تاريخ جورجيا الحديث وعادات شعبها وتقاليده، وأبرز معالمها الاجتماعية والفنية بطريقة تحببك الى جورجيا الفتية الخارجة من حقبة ماضية لها ما لها وعليها ما عليها.

كان الزعيم الجورجي المولود في مدينة غوري يوسف ستا لين قد حكم الاتحاد السوفياتي بقبضته الحديدية بين عامي1923- 1953، وبذلك فان جورجيا تعد جزءا مهماً من التاريخ الخاص بالشبكة الفكرية والسياسية للمنظومة التي كانت، رغم أن جورجيا الحديثة تغرد خارج التوجهات الماضية لكنها تعتز بابنها التاريخي وتحتفظ ببيته القديم عامرا وبمتحفه الوثائقي الذي زاره د. أحمد وعقد عنه فصلا مهما قال عنه في نهايته (المتحف الذي شيد في الاربعينيات من القرن الماضي فوق اطلال منزل ستالين لم يحظ بأية زيارة منه وظل مفتوحا للزوار سواء كانوا ساخطين عليه أم معجبين به، كشخصية ملهمة).

كتاب أحمد عبد المجيد الجديد هذا اضافة الى كتب الرحلات العراقية الى أصقاع العالم بل هو نموذج حديث للرحلة الاستقصائية التي تدقق وتقارن وهي تحمل معها تجربتها العلمية الصحفية وخبرتها الجياتية.

حوى الكتاب على مقدمة تقريضية للاديب الموسوعي حميد المطبعي في كتابات المؤلف وبعد كلمتي اهداء وشكر لمن دفعوا المؤلف للسفر وزينوا له هذه الرحلة الممتعة الغنية وفي مقدمتهم السيدة زوجته.

 يبدأ الكتاب -بعد هذا – بمقدمة عن ادب الرحلات وأشهر من وثق لرحلاته من العراقيين، وأنك لتلمس الحرص والصدق في استذكار من فاته من بلدان زارها قبيل جورجيا ولم يوثق رحلاته لها، على العكس مما فعله هذه المرة، وكانت النتيجة هذا الكتاب الخاص والممتع.

يقول الاستاذ حميد المطبعي أن المؤلف (في رحلته الى جورجيا كشف عن مؤهلاته الكتابية المتميزة وقدم مهارته في كشف المستور في تاريخ المدن والناس والطبيعة، وأعاننا على فهم الناس في جورجيا، وعلى العراقيين الذين يتجمهرون في مدنها وقراها العاشقة… الذين هربوا من جحيم الخريف) وهو اكثر من صادق في تحليله وقريب الى النفس والواقع في تمهيده لتفاصيل فصول الكتاب.

حوى الكتاب على خمسة فصول مع ملحق بصور الرحلة، وكانت عنوانات الفصول كالآتي:

صر اع عراقي تركي ايراني على اللؤلؤة -شباب جورجيا يتحاورون بالموسيقى – زيارة الى منزل الرجل الفولاذي- الدخول الى قاع المدينة – متسخينا تطبع بصمة في الذاكرة.

 ومتسخينا هي العاصمة القديمة لجورجيا وقد خصها الكاتب الرحالة بفصل خاص ففي كل بقعة فيها اثر للجمال والخير، والمؤلف يورد في تبيان تاريخ جورجيا وفتح العرب المسلمون لها زمن الخليفة الثاني الفاروق عمر رضي الله عنه سنة 22 للهجرة بقيادة حبيب بن مسلمة في القرن السابع الميلادي واصبحت تبليسي عاصمة للامارة العربية التي تراضت مع السكان على الجزية، لكن الملك الجورجي دافيد استطاع توحيد البلاد الجورجية واجلاء المسلمين منها عام 1122 ثم أستطاع تيمور لنك احتلال شمالها وبعد الصراع التقليدي بين الصفويين والعثمانيين ضمت روسيا القيصرية جورجيا اليها عام 1802 وصارت منطقة خاضعة للحكم الاداري القيصري حتى25 شباط 1925 حيث طبق عليها النظام الاشتراكي، وأضحت جورجيا جمهورية سوفيتية.

احمد عبد المجيد يجول في تبليسي ويصف قراها الجميلة واعنابها وشرابها وعطورها واسواقها السياحية وطيب اهاليها وكنائسها وتمثال العذراء الضخم فيها، وهو يشير الى قضية مهمة لا تشمل العاصمة القديمة بل كل جورجيا فهو يشير الى أن الاغلبية الجورجية تمثل أكثر من نصف السكان وأن هناك أقليات أرمينية وروسية وأوديسية وآذرية أضافة الى المسلمين واليهود، وكلهم يعمل بتآخ ومحبة لخدمة بلدهم لايخضعون الى اجندات خارجية للفرقة والاقتتال الشائن، هم ينعمون بخيرات بلدهم الزراعي السياحي الجميل وحسبهم هذا من خير.

في الفصل الاول (صراع عراقي تركي ايراني على اللؤلؤة) يتابع المؤلف مراحل دخوله مطار العاصمة وجدية موظفي المطار وأحترامهم للزائرين، داخلا من تأخره قليلا في المطار الى لجة السياسة والدول المتصارعة المحيطة بجورجيا الفتية الخارجة من صراعات قديمة حيث تبدو العاصمة تبليسي مفتوحة على كل العالم حتى دخلتها المطاعم العراقية بعد انفتاح العراقيين عليها نتيجة سعيهم لراحة مؤقتة مثلما فعل المؤلف أو سعيهم لاقامة دائمة بديلا عن اقامة سابقة في دولة عربية، في وقت انتشر فيها الوافدون الايرانيون الذين قدموا على شكل دفعات بدأت منذ ايام الشاه.

بعض العراقيين يشترون العقارات سعيا لاقامة دائمة مثلما القادمين من ايران وتركيا وليس من صراع واضح بين الجاليات سوى الصراع على طلب الامن والراحة كما هو ظاهر.

في فصل (شباب جورجيا يتحاورون بالموسيقى) يجول بنا المؤلف في تفا صيل السياحة الجورجية عبر الصحة ونظافة المدن وجمال القرى ووداعة السكان واعتيادهم التواصل مع الآخر عبر الميديا وأنضباطهم الاجتماعي وحبهم للعمل.

يشيد الكاتب بحرص الجميع على نظافة تبليسي وجمالها المعماري وحرص السكان على اعلاء شأن الموسيقى والحوار عبرها بدلا من اثارة خاسرة للعنعنات العرقية والطائفية وهو حوار امتع الجميع ومكن جورجيا من العيش بخير.

 في الفصل الخاص بزيارة مدينة القائد الشيوعي الجورجي ستالين نجد أن المؤلف وضع عنوانا لها (زيارة الى منزل الرجل الفولاذي) ليوضح ان (غوري) مدينة ستالين التي تبعد مسافة 100 كيلومتر عن العاصمة تحيط بها سلسلة جبلية شاهقة وطبيعة خضراء رائعة وقرى ممتدة على الطريق يعيش اهلها بشبه اكتفاء ذاتي.

المتحف الخاص بستالين يحوي بيته القديم البسيط المكون من غرفتين من الآجر الاحمر وممر صغير بمساحة اربعين مترا مربعا تبدو فيه روح الام باقية تهيم في الارجاء، وكانت السيدة ايكاترينا تتمنى أن يكون ولدها كاهنا ارثودكسيا لكنه لم يفعل! المؤلف يقدم لنا صورة رشيقة لحياة ستالين العاصفة وحكمه الرهيب الذي صنع الاتحاد الفولاذي السوفياتي، ورغم غروب ذلك النظام لكن جورجيا تعتز بتاريخ ابنها دون تبجح وتجده قد دخل التاريخ الانساني الحديث بقدم ثابتة صارت جزءا من تاريخ قريب كان واقعا دوليا لسنوات.

 الفصلان التاليان سياحيان بامتياز يقودنا المؤلف فيهما الى المعمار والعادات والتقاليد،فالدخول الى قاع المدينة يعني الدخول الى تفاصيل الحياة الشعبية ومعاناة الفقراء وصبرهم البطولي  وأخلاقيات مترو العاصمة وأنضباط الناس واحترامهم لبعضهم مما يشكل حالة حضارية مشهودة.

(متسخينا تطبع بصمة في الذاكرة) واحد من الفصلين الاخيرين حيث يجول المؤلف فيه في العاصمة القديمة لجورجيا وهي جولة سبقت لنا الاشارة اليها في موقع آخر، ليكون ملحق الصور قراءة حية للكتاب وترجمة صورية للفصول الثرية الماضية وحسب المؤلف نجاحا أن يقدم لنا كل هذا.

 لؤلؤة  القوقاز

باسم عبد الحميد حمودي

بغداد

عندما بدأ د. أحمد عبد المجيد نشر سلسلة مقالاته عن تفاصيل رحلته الى جورجيا تابعتها معجبا مع الآف من القراء الذين يرتاحون لكتابات استاذ الاعلام الذي دربته الصحافة فابدع فيها باسلوبه المستكشف المبدع المحاورللافكارالموثق لتفاصيل تأثير الزمان على المكان بفعل البشر والقدر.

 أدركت بداية أن فصول (جورجيا… لؤلؤة القوقاز) ستكون متكاملة على هيأة الكتاب الذي بين يدينا، الذي يروي برشاقة تاريخ جورجيا الحديث وعادات شعبها وتقاليده، وأبرز معالمها الاجتماعية والفنية بطريقة تحببك الى جورجيا الفتية الخارجة من حقبة ماضية لها ما لها وعليها ما عليها.

كان الزعيم الجورجي المولود في مدينة غوري يوسف ستا لين قد حكم الاتحاد السوفياتي بقبضته الحديدية بين عامي1923- 1953، وبذلك فان جورجيا تعد جزءا مهماً من التاريخ الخاص بالشبكة الفكرية والسياسية للمنظومة التي كانت، رغم أن جورجيا الحديثة تغرد خارج التوجهات الماضية لكنها تعتز بابنها التاريخي وتحتفظ ببيته القديم عامرا وبمتحفه الوثائقي الذي زاره د. أحمد وعقد عنه فصلا مهما قال عنه في نهايته (المتحف الذي شيد في الاربعينيات من القرن الماضي فوق اطلال منزل ستالين لم يحظ بأية زيارة منه وظل مفتوحا للزوار سواء كانوا ساخطين عليه أم معجبين به، كشخصية ملهمة).

كتاب أحمد عبد المجيد الجديد هذا اضافة الى كتب الرحلات العراقية الى أصقاع العالم بل هو نموذج حديث للرحلة الاستقصائية التي تدقق وتقارن وهي تحمل معها تجربتها العلمية الصحفية وخبرتها الجياتية.

حوى الكتاب على مقدمة تقريضية للاديب الموسوعي حميد المطبعي في كتابات المؤلف وبعد كلمتي اهداء وشكر لمن دفعوا المؤلف للسفر وزينوا له هذه الرحلة الممتعة الغنية وفي مقدمتهم السيدة زوجته.

 يبدأ الكتاب -بعد هذا – بمقدمة عن ادب الرحلات وأشهر من وثق لرحلاته من العراقيين، وأنك لتلمس الحرص والصدق في استذكار من فاته من بلدان زارها قبيل جورجيا ولم يوثق رحلاته لها، على العكس مما فعله هذه المرة، وكانت النتيجة هذا الكتاب الخاص والممتع.

يقول الاستاذ حميد المطبعي أن المؤلف (في رحلته الى جورجيا كشف عن مؤهلاته الكتابية المتميزة وقدم مهارته في كشف المستور في تاريخ المدن والناس والطبيعة، وأعاننا على فهم الناس في جورجيا، وعلى العراقيين الذين يتجمهرون في مدنها وقراها العاشقة… الذين هربوا من جحيم الخريف) وهو اكثر من صادق في تحليله وقريب الى النفس والواقع في تمهيده لتفاصيل فصول الكتاب.

حوى الكتاب على خمسة فصول مع ملحق بصور الرحلة، وكانت عنوانات الفصول كالآتي:

صر اع عراقي تركي ايراني على اللؤلؤة -شباب جورجيا يتحاورون بالموسيقى – زيارة الى منزل الرجل الفولاذي- الدخول الى قاع المدينة – متسخينا تطبع بصمة في الذاكرة.

 ومتسخينا هي العاصمة القديمة لجورجيا وقد خصها الكاتب الرحالة بفصل خاص ففي كل بقعة فيها اثر للجمال والخير، والمؤلف يورد في تبيان تاريخ جورجيا وفتح العرب المسلمون لها زمن الخليفة الثاني الفاروق عمر رضي الله عنه سنة 22 للهجرة بقيادة حبيب بن مسلمة في القرن السابع الميلادي واصبحت تبليسي عاصمة للامارة العربية التي تراضت مع السكان على الجزية، لكن الملك الجورجي دافيد استطاع توحيد البلاد الجورجية واجلاء المسلمين منها عام 1122 ثم أستطاع تيمور لنك احتلال شمالها وبعد الصراع التقليدي بين الصفويين والعثمانيين ضمت روسيا القيصرية جورجيا اليها عام 1802 وصارت منطقة خاضعة للحكم الاداري القيصري حتى25 شباط 1925 حيث طبق عليها النظام الاشتراكي، وأضحت جورجيا جمهورية سوفيتية.

احمد عبد المجيد يجول في تبليسي ويصف قراها الجميلة واعنابها وشرابها وعطورها واسواقها السياحية وطيب اهاليها وكنائسها وتمثال العذراء الضخم فيها، وهو يشير الى قضية مهمة لا تشمل العاصمة القديمة بل كل جورجيا فهو يشير الى أن الاغلبية الجورجية تمثل أكثر من نصف السكان وأن هناك أقليات أرمينية وروسية وأوديسية وآذرية أضافة الى المسلمين واليهود، وكلهم يعمل بتآخ ومحبة لخدمة بلدهم لايخضعون الى اجندات خارجية للفرقة والاقتتال الشائن، هم ينعمون بخيرات بلدهم الزراعي السياحي الجميل وحسبهم هذا من خير.

في الفصل الاول (صراع عراقي تركي ايراني على اللؤلؤة) يتابع المؤلف مراحل دخوله مطار العاصمة وجدية موظفي المطار وأحترامهم للزائرين، داخلا من تأخره قليلا في المطار الى لجة السياسة والدول المتصارعة المحيطة بجورجيا الفتية الخارجة من صراعات قديمة حيث تبدو العاصمة تبليسي مفتوحة على كل العالم حتى دخلتها المطاعم العراقية بعد انفتاح العراقيين عليها نتيجة سعيهم لراحة مؤقتة مثلما فعل المؤلف أو سعيهم لاقامة دائمة بديلا عن اقامة سابقة في دولة عربية، في وقت انتشر فيها الوافدون الايرانيون الذين قدموا على شكل دفعات بدأت منذ ايام الشاه.

بعض العراقيين يشترون العقارات سعيا لاقامة دائمة مثلما القادمين من ايران وتركيا وليس من صراع واضح بين الجاليات سوى الصراع على طلب الامن والراحة كما هو ظاهر.

في فصل (شباب جورجيا يتحاورون بالموسيقى) يجول بنا المؤلف في تفا صيل السياحة الجورجية عبر الصحة ونظافة المدن وجمال القرى ووداعة السكان واعتيادهم التواصل مع الآخر عبر الميديا وأنضباطهم الاجتماعي وحبهم للعمل.

يشيد الكاتب بحرص الجميع على نظافة تبليسي وجمالها المعماري وحرص السكان على اعلاء شأن الموسيقى والحوار عبرها بدلا من اثارة خاسرة للعنعنات العرقية والطائفية وهو حوار امتع الجميع ومكن جورجيا من العيش بخير.

 في الفصل الخاص بزيارة مدينة القائد الشيوعي الجورجي ستالين نجد أن المؤلف وضع عنوانا لها (زيارة الى منزل الرجل الفولاذي) ليوضح ان (غوري) مدينة ستالين التي تبعد مسافة 100 كيلومتر عن العاصمة تحيط بها سلسلة جبلية شاهقة وطبيعة خضراء رائعة وقرى ممتدة على الطريق يعيش اهلها بشبه اكتفاء ذاتي.

المتحف الخاص بستالين يحوي بيته القديم البسيط المكون من غرفتين من الآجر الاحمر وممر صغير بمساحة اربعين مترا مربعا تبدو فيه روح الام باقية تهيم في الارجاء، وكانت السيدة ايكاترينا تتمنى أن يكون ولدها كاهنا ارثودكسيا لكنه لم يفعل! المؤلف يقدم لنا صورة رشيقة لحياة ستالين العاصفة وحكمه الرهيب الذي صنع الاتحاد الفولاذي السوفياتي، ورغم غروب ذلك النظام لكن جورجيا تعتز بتاريخ ابنها دون تبجح وتجده قد دخل التاريخ الانساني الحديث بقدم ثابتة صارت جزءا من تاريخ قريب كان واقعا دوليا لسنوات.

 الفصلان التاليان سياحيان بامتياز يقودنا المؤلف فيهما الى المعمار والعادات والتقاليد،فالدخول الى قاع المدينة يعني الدخول الى تفاصيل الحياة الشعبية ومعاناة الفقراء وصبرهم البطولي  وأخلاقيات مترو العاصمة وأنضباط الناس واحترامهم لبعضهم مما يشكل حالة حضارية مشهودة.

(متسخينا تطبع بصمة في الذاكرة) واحد من الفصلين الاخيرين حيث يجول المؤلف فيه في العاصمة القديمة لجورجيا وهي جولة سبقت لنا الاشارة اليها في موقع آخر، ليكون ملحق الصور قراءة حية للكتاب وترجمة صورية للفصول الثرية الماضية وحسب المؤلف نجاحا أن يقدم لنا كل هذا.