ذكرياتي 37
قصيدة إعتذار لأم خالد
عبدالرزاق عبد الواحد
(لو أكَعد سنه أعدّد سواليفي وياج ما ينتهن .. وانتي محتمله يا أم خالد .. وهسه ، وإحنه بالخمسة وثمانين وأربعة وثمانين وانتي ما تنامين بسببي .. شكَد احتملتي يا أم خالد ؟ )
( الساعة صارت بالأربعة ونص الصبح . أقوم حبيبتي آخذ علاجي وأسوي لنفسي ريوك بكلبي من أتريكَ أكدر أنام شويّه ).
عجيب .. !
كل شي كتبت عن حياتنا إلاّ أهمّ وأسعد أيام حياتنا ما كتبت عنها شيئاً ..
أيام شهر العسل يا أم خالد ..( وقصة العربنجي المصلاوي اللي فررّنه الموصل كلهه ومارضه ياخذ من عدنه أجرة )..
قال (انتو عرسان .. حتى لا تكَولون المواصله بخلاء ويدورون فلوس )! وبعد قصائد الاعتذار مالتي إلج وقصصهن ..
ساتكلم عنها الليلة المقبلة أعذريني !
حبيبتي لم استطع النوم .. (كَعدت من جديد حتى أكمّل حديثي عنجّ).
يوم عمادنه بالزواج جان عمّي شيخ عيسى الله يرحمه حاضر) .. )
(وكانت أمّي وأختك خيرية _ رحمه على أرواحهن _ معنا أثناء مراسيم الزواج , بعد أن انتهى عمادنه وطكَينه راس براس وأعلن أننا زوجان ، رحنه تغدينه عند بيت ابن عمّي مديح الله ، ومن بيته توجهّنه للقطار .. أذكر أن القطار بره يتحرّك وخبطنه بعدهن برّه ! .. كانت أجمل ليلة قطار في حياتي) .
وصلنا إلى كركوك ، ومنها ذهبنا الى كَلي علي بك .. ومنها الى الموصل .
(كلفتّنه رحلة زواجنه بفنادقهه ومطاعمهه اثنين وأربعين ديناراً .. هل اعترف هنا أن مصاريف شهر العسل جانت كلّها هيجّ لأن آنه ما جان عندي وفر فلوس) ؟ !
(جنتي دائما كريمة وياي ، ومازلتي يا أم خالد .. وأهم كرمج سهرج علي بالبيت وبالمستشفيات .. في عمان وفي باريس وحتى عند أولادنه في أمريكا ).
ما أدري شجان صار بيه لو ما انتي وياي) ! )
كنت كل يوم تقولين لي( ما أرضه عنك اذا ما تعتذر مني بقصيدة اعتذار من صدكَ ).
وفي يوم كنا راجعين بالباص من شارع روبسيير في باريس الى بيت ابنتنا رغد (الباص تعطل حوالي نص ساعة ). بالباص بيني وبين نفسي نظمت قصيدة وحفظتها ، لمّا وصلنا للبيت كتبتها على ورقة وقلت لك(هذي قصيدة اعتذار كتبتلجياهه ).. (من قريته ثارت ثائرتج عليّه): هذا تسمّي اعتذار ؟؟ .. وبقيت ساكتاً ..
في اليوم الثاني كتبت لك القصيدة الثانية :
لا تحرميني من رضاكِ
أنا ليس لي أحدٌ سواكِ
نفسي وما حلكت يدي
وجميع أشعاري فداكِ
يا شمعة العمر انتي
لم ينطفيء يوما سناكِ
شيطان شعري كنتِ أنتِ
وأنتِ أنبلُ من ملاكِ
حتى الرؤى بقصائدي
في الحب أجملهــــا رؤاكِ
ستّين عاما عشتُهنّ
يرفُّ قلبي في حمــــاكِ
ما خُنتهنَّ ، وخانهنَّ الـ
عمُر .. وهو الآن باكي
إن شئتِ أنتِ فساحميه
وان .. فيوما ما عساكِ
……
ورضيتِ بهذه القصيدة اعتذاراً .
الآن يا أم خالد سأذهب إلى فراشي عسى الله أن يمنّ عليّ بأن أنام !
…
اللقاء الاول
سأبدأها باول يوم التقيت بك
كان معي في مكتبي مجموعة من الشعراء صباح ذلك اليوم ، ودخل عليّ الوزير لطيف نصيف جاسم ، فوقفنا جميعا لاستقباله .. قال : أبو خالد .. اعتذر من مجموعتك لأن لدينا مشواراً نذهب معا فيه ، فانصرف الشعراء وخرجنا أنا والوزير.
عندما خرجنا من باب الوزارة وجدت سيارته على الباب فصعد هو وراء مقودها وقال : تفضل أبو خالد اصعد . لم أقل شيئا صعدت دون كلام ولكن في الطريق قلت له : (أبو أنمار انته وين مودينه ؟؟ ) قَال( وين تعتقد موديك ؟ .. انته مو تشوفني أنه اسوق السيارة وماكو سايق ويانه ؟؟ )قلت له( ويعني ؟ ).. قال (السيد الرئيس يريد يشوفك) .. كانت مفاجأة غير متوقعة لي .. قلت له( هيجي ؟ .. شعري منفوش .. ولحيتي طويلة) .. قال (يعني شاكَلّه ؟؟ .. يروح يحلق وياخذ حمام ويجي ؟؟ . انت شاعر .. هو يريد يشوفك كشاعر ويسولف وياك ).
سكتُّ وفوضــــت أمري الى الله . إنها أول مرّة ألقاه فيها وله في نفسي هيبـــــــة كبيرة ، فكيف سيكون اللقاء ؟
وصلنا الى القصر الجمهوري ، استقبلنا رئيس الديوان وقادنا الى مكتب الرئيس .. دخل الوزير وبقيت خلف الباب المفتوح ، وكنت اراه وهو يصافح الوزير وسمعته يقول له 🙁 عبد الرزاق إجه وياك ؟) قال له الوزير : نعم سيدي . فوسّع من فتحة الباب وهو يقول : تفضل عبد الرزاق .. ودخلت .
كانت الرهبة قد أخذت مني مأخذا عظيماً . أعترف الآن أن مواجهة صدام حسين ليست بالأمر الهيّن . أجلسني قبالته وجلس الوزير في عمق الغرفة على يمينه وبدأ هو يرحّب بي ويسألني عن وضعي في الوزارة ، وعن شعري ويبدي إعجابه به ، وأنا لا أنبس ببنت شفة !
أذكر من عشر دقائق ظل يتحدث وأنا أخرس أمامه ! ولكنني أحسست خلال الدقائق العشر أنه نزح عني توترّي كلّه حتى هدأت .
كنت في ذلك الوقت ادخّن كثيرا .. قال لي 🙁 عبد الرزاق شنو رأيك بالتلفزيون مالنه ؟ .. هوّ أول تلفزيون بالمنطقة ، وتالي ما تالي كَام ياخذ مسلسلات وتمثيليات من الكويت ومن دول الخليج الباقية )..
أدار الرئيس وجهه مبتسما الى الوزير .. عندها أدركـــــت الورطة التي ورطــــــــت نفــــسي والوزير فيها! ..
وكنت أنا مستشار الوزراة . قال لي الوزير 🙁 مو انته مستشارنه أبو خالد) أحسست أنه وضعني أنا في المأزق ، فقلت له : الذي لا يستشار . قال 🙁 شير أنته علينا ).. قلت له( آنه مو مشير .. أنه مستشار لمن أنسئل أجاوب ، من أصير مشير أحجي بدون سؤال) .. فضحك الرئيس.
هنا كان الوقت ، والتوتّر قد أيقظا عطشي الى التدخين . قلت له : (أبو عدي . تسمح لي أدخّن ؟) .. قال للمرافق الواقف بالباب 🙁 جيبلنه سيكَار )، بلمح البصر دخل المرافق ومعه علبة سيكَار وصحن من علب الكبريت .قلت له 🙁 أبو عدي آنه ما أدخّن سيكَار .. أدخّن جيكَايري ).. ومددت يدي الى جيب سترتي الداخلي وأخرجت منه علبة سيكاير كَريفن أي .. فتحتها وأخرجت سيكَارة منها.
لم أنتبه وأنا مشغول باخراج السيكَارة الى ما كان يجري فجأة لاحظت أن الرئيس وقف وفي يده علبة الكبريت .. ومع ذلك لم أفهم ماذا كان يريد أن يفعل .. ولكنني عندما لاحظته يخرج منها عود ثقاب ويقف قفزت واثبا اليـــه وأنا أقول 🙁 أبو عدّي .. الله يخليك لا).
قال : (عبد الرزاق .. انته مو ابن عرب )؟
قلت :(ابو عدي : ابن عرب ابن عرب .. لكن ليهنا ولا) . قال( احنه من هنا ونبدي ). وجرّني من يدي وأعادني الى المقعد الذي كنت جالسا عليه .. ثم أشعل عود الثقاب وانحنى ليشعل لي سيكَارتي !
وودّعنا صدام حسين الى الباب .
التقيت به كثيرا .. وفي كلّ مرة كنت أحتاج الى ما لا يقل عن ربع ساعة يحدثني وأنا صامت الى أن يزول توتري وأستطيع الحديث معه .
أول مرّة أقرأ فيها شعراً أمام الرئيس رحمه الله كانت يوم أصبح رئيسا للجمهورية ، وكان افتتاح المربد.
بين أن تشهر السيف
أو تشهر الغمد
أن تنبري للقتال
وأن تنبري للهزيمه
بين أن تشهر السيف
أو تشهر الغمد
أن تعلنَ الفقرَ حدَّ التَّسوّلِ
أو تعلنَ الكبرياء العظيمة !
سيقول الذي يتهجّى حروف اسمه
ثم يكتبه خطأ
انها عنعنات قديمة
قَل سئمنا قواميس هذا الزمان
سوف أعلنُ عن جبهةٍ ليس تملك الا بداوتها
عن وريدٍ
اذا هلهلت حرّةٌ
وثبَ القلبُ أجمعهُ فيه
حتى لأمسكَ من رهبةٍ عُنقي !
عن يدٍ ،
كلُّ ظفرٍ بها يعرف الآن موقعهُ المتفرّد
من مقبض السيف
أقسم أنّ يدي لم تقلّب لغير التأمّل سيفاً
ولكنّ كلَّ تفاصيل أفعالهِ في دمي
أهيَ الصدفة المحضُ
أم هو محض الضميرْ
أنّ أطفالنا يحلمون بسيف ومهرٍ يطير ..